Saturday  23/07/2011/2011 Issue 14177

السبت 22 شعبان 1432  العدد  14177

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تُعرف السياسة بأنها فن الممكن والقدرة على التعامل مع الواقع السياسي بالاتفاق أو الاختلاف من خلال قانون الموضوعية الأبدي، وليس صحيحاً أن السياسة هي خيار الخضوع للواقع السياسي المبني على حسابات القوة والمصلحة الذاتية، فهناك فرق بين الجريمة الجنائية والاختلاف في الرأي السياسي، وإذا كان الاختلاف في الرأي غير مسموح دخل ذلك الواقع السياسي في دائرة الاستبداد، لذلك يجب أن يتمتع السياسي بخصال المثقف العضوي الذي يدين بالولاء لوطنه، ويحرص على التماسك الاجتماعي والمحافظة على المصالح التاريخية، لكنه لا يسمح باستخدام التعسف في إقصاء مخالفيه وقتل معارضيه.

***

في أشهر فصول اللا ممكن السياسي، اختزل الرئيس العراقي السابق السياسة والثقافة في شخصه، وطارد الكلمة والرأي السياسي في كل جزء من العراق، وكانت النتيجة أن جاء المعارض السياسي على دبابة المستعمر، ويتكرر نفس السيناريو في ليبيا والذي شهد ملاحقة الزعيم لمعارضيه وشنقهم في الميادين العامة، وكانت نتيجة ذلك أن توعد أن يطارد شعبه في كل شبر من أرض وطنهم، وانتهي الأمر بتحالف القوى المعارضة مع حلف الناتو ضد الزعيم وكتائبه ومرتزقته.

***

تحكم السلطة في العالم العربي ثلاثة أبعاد، أولهما الملكية التي تستند إلى الشرعية التاريخية، وثانيهما الجماعات الدينية وأشهرها الإخوان المسلمون وتستند في وثائقها السرية إلى نظرية الحق الإلهي في السلطة، وتحظى بالشعبية وذلك لربط خطابها السياسي بالشرع الإسلامي ومهمة تحقيق العدالة الإلهية، بينما يمثل العسكر البعد الثالث في منظومة السلطة العربية، وتتصف هذه الفئة بالانتهازية والقدرة على لعب مختلف الأدوار خلف الستار الإعلامي والثقافي مدعومة بالقدرة العسكرية والأمنية.

***

بعد أكثر من خمسين عاما من حادثة المنشية، عادت جماعة الإخوان المسلمين إلى الواجهة السياسية في العالم العربي مجدداً، ويعتقد بعض المحللين السياسيين أن المنشية كانت مجرد تمثيلية من أجل تجريم العمل السياسي للجماعة، بعد أن كانوا حليفاً إستراتيجياً للضباط الأحرار ضد الملكية برغم أن كليهما كانا يمثلان إحدى صور الاستبداد السياسي، ويشتركان في الموقف السلبي ضد الديمقراطية، ولاستحالة أن يلتقيان في العمل السياسي تصادما في موقعة المنشية وتم الزج بالإخوان جماعات إلى السجون، لكن التاريخ أعاد الموقف من جديد بعد ثورة 25 يناير، وظهر نوع من التنسيق بين الجماعة والجيش، ولكن هل يتفقان على وأد مشروع الديمقراطية في مصر كما حدث في الخمسينيات؟

***

تبدأ حكاية فن الممكن السياسي المؤقت بين العسكر والإخوان بعد مقتل الشيخ حسن البنا في فبراير 1949، وكان للملكية دور في ذلك حسب التقارير الاستخباراتية، وتأتي أهمية إظهار حسن العلاقة بالإخوان من أجل كسب الثقة الشعبية، ثم التخلص منهم مثلما حدث في 1954، بينما في وجه آخر ترفض أدبياتهم وأحكامهم قبول السياسة كفن الممكن، لكن تبيح التعامل مع ذلك المنطق عند الضرورات، ولم يتخل الإخوان عن موقفهم من الديمقراطية السياسية في المفهوم الليبرالي، ذلك لأن أدبياتهم زاخرة بالهجوم على الديمقراطية السياسية على أنه نظام تقريري لا تقويمي بمعنى أنه يتملق الجمهور ويأخذ الناس على علاتهم أو على ما هم عليه ويعاملهم بهذا الأساس باسم الحرية، وهم بالمناسبة يقدمون السياسة كمفهوم شرعي مرتبط بالحق الإلهي.

***

بعد الانقلاب على الملك فاروق ونفيه إلى إيطاليا اعترف الدكتور يوسف رشاد الطبيب الشخصي لفاروق أن الملك فاروق اتصل به هاتفيا بعد وصول نبأ مقتل حسن البنا إليه ليبلغه بالخبر وكان صوته ينطق بالفرح..!، ولم يدرك الملك أن اغتيال الشيخ أعطى للجماعة من بعده بعداً مقدساً أدى في النهاية إلى الانقلاب العسكري بعد ثلاث سنوات من اغتيال مؤسس جماعه الإخوان الإسلامية، والسبب أن الملك خرج عن فن الممكن السياسي في القدرة على التعامل مع خصومه وكسب ثقة الجماهير من خلال المصداقية والموضوعية وسلطة القانون وحياده..

***

يخطئ من يعتقد أن التعسف من ضرورات الأمن والاستقرار، وذلك لأنه يعد خروجاً عن منهج الممكن السياسي، يزيد من معتنقي تيارات اللا ممكن، ويأتي في مقدمتهم تيار الإخوان، بينما ينتظر الانتهازيون في الصفوف الخلفية الفرصة لاعتناق صهوة اللا ممكن والمستحيل السياسي، وقد يكون من بينهم منْ يردد الشعار الأشهر في ثقافة الاستبداد: اضرب بيد من حديد يا صاحب السلطة.

 

بين الكلمات
الممكن السياسي والإخوان المسلمون
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة