Sunday  24/07/2011/2011 Issue 14178

الأحد 23 شعبان 1432  العدد  14178

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تطرح وسائل الإعلام هذه الأيام فتوى زواج القاصرات وجوازه شرعاً والمتأمل في مسائل النكاح يجد أن الأمة توسعت فيها توسعاً لا يتفق مع مقاصد الإسلام وبحثه عن مصلحة البيت المسلم واحترام آدمية الإنسان فيه، فعبث الناس بأعراض بعضهم بعضاً وتساهلوا في هذا العقد الذي سماه الله جل وعلا في قوله «وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً»،

وقد ثبت عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، وأصبح ديدن كثير من الفضلاء والمشايخ العبث حتى أساءوا لأنفسهم وبلادهم في الداخل والخارج، واستباحوا ذلك العظيم بحجة فتوى الزواج بنية الطلاق، دون سؤال منطقي كيف تبنى حياة على أساس باطل، وكيف يخضع استحلال عرض مسلمة لاحتمال بالاستمرارية من عدمه وبأي دليل يشرعن الغش، وهناك قضايا أقل أهمية من استحلال العرض حرم الشرع فيها الغش حتى قال في قصعة بللتها السماء:»من غشنا فليس منا» وهذا في طعام فكيف بعرض مسلمة، وقد نص العلماء على أنه من شروط صحة النكاح ألا يكون مؤقتاً، فإن كان مؤقتا كان نكاح متعة وهو باطل إجماعا، ولايجوز لمسلم تقي أن يركب الحيلة في العبادات والمعاملات ويفكر بأنانية مطلقة على حساب حياة إنسان آخر فيأخذ من البنت أعز ما تملك وقد بيت النية لطلاقها، وعلماء الحديث تركوا أخذ الحديث من رجل كذب على دابة بعد قطع آلاف الأميال فكيف برجل يكذب على امرأة دون النظر إلى مراعاتها نفسيا مما يترتب على طلاقها من المستمتع...جرائم إنسانية ترتكب باسم الشرع، وهو بريء منها، والشيطان وحده الذي يزين ذلك للعابثين بأعراض أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويشرعن لهم الخطأ الذي ترفضه كل الفطر السليمة فضلا عن النوايا المسلمة التي ترقب الله في حق المسلم على المسلم، وإنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ مانوى، ومابني على باطل فهو باطل وبخاصة في قضية تتعلق بمن طلب رسولنا الكريم منا أن نستوصي بهن خيرا حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا» في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان في الصحيحين عنه- صلى الله عليه وسلم- من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأما الحديث عن زواج القاصرات فحديث ذو شجون، يقطر أسى ووجعا وشراسة ووحشية لايمكن فلسفتها ولا شرعنتها ألبتة، ففي الحديث الصحيح عند مسلم والذي رواه أَنس رضي اللَّه عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: « مَنْ عَالَ جَارِيتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَومَ القِيامَةِ أَنَا وَهُو كَهَاتَيْنِ «، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.وجَارِيَتَيْنِ أَيْ: بِنْتَيْنِ، وعن عائشةَ رضي اللَّه عنها في الحديث المتفق عليه قالت: دَخَلَت عليَّ امْرَأَةٌ ومعهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ فَلَم تَجِدْ عِنْدِى شَيْئاً غَيْرَ تَمْرةٍ واحِةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمتْهَا بَيْنَ ابنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا ثُمَّ قامتْ فَخَرَجتْ، فَدخلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَيْنَا، فَأَخْبرتُهُ فقال: « مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً من النَّارِ «، وعنها رضي الله عنها أيضاً في الحديث الصحيح عند مسلم قالت: جَاءَتنى مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنْتَيْن لها، فَأَطعمتهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعطتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرفعتْ إِلى فيها تَمْرةً لتَأَكُلهَا، فاستطعمتها ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ التى كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبنى شَأْنَها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فقال: « إن اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَوأَعْتقَها بِهَا مَن النَّارِ «وأهم رعاية للبنت ألا تتحول لسلعة تخضع للعرض والطلب والمجاملة والصفقات الاجتماعية والاقتصادية لأنها روح، ومن حقها أن تختار مع من تعيش معه ومن تنجب منه ومن تعاشره ويعاشرها، وأشد أنواع العذاب أن تسجن روح طفلة طاهرة طيلة العمر بناء على قرار غيرها، ونحن نعرف الحديث الصحيح عند مسلم عن في قصة المرأة التي حبست حيوانا فدخلت النار إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:» عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض« فما بالك بطفلة قاصرة لاتملك من إرادتها ولا معرفة مصلحتها يجبرها وليها على أن تسجن في مكان ويمارس معها الجنس أو التحرش بطريقة مقززة، وهذا يتعارض مع مبادئ الشرع الإسلامي الذي حفظ الضرورات الخمس، بل إن سلب تلك الطفلة حقوقها وحريتها تحويل للزواج الشرعي إلى عمليات رق ورقيق أخطر من بعض الضرورات الخمس، وهناك بعض الملحوظات، يجب أن يستحضرها من يفتي بجواز هذا الزواج:

1- أن الرضا في الزواج بين الزوجين معتبر شرعاً ومن شروط النكاح، وهو من الكفاءة كما بين ذلك العلماء، والقاصر تفقد هذا لأنها غير مكلفة، ولا يتم العقد إلا عن رضا من الطرفين، فلو أُجْبِرا وأكرها أو أحدهما لم يصح؛ لأن الرضا شرط في العقود كلها بالإجماع واتفاق الأمة، والزواج من أهم العقود وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حتى تُسْتأمر، ولا تُنْكحُ البِكْرُ حتى تُسْتأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذْنُها؟ قال: أن تسكت» رواه البخاري ومسلم. والأيِّم: هي في الأصل التي لا زوج لها، سواء أكانت بكراً أم ثيباً، والمراد بها هنا الثيب خاصة. تستأمر: يؤخذ إذنها. فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم إنكاح الأيم الثيب حتى تستأمر ويؤخذ أمرها، وإذنها بالنطق صراحة، ونهى عن إنكاح البكر حتى يؤخذ إذنها، وذلك بنطقها أو سكوتها، فإن رفضت أو بكت بكاء السخط فلا يجوز إجبارها؛ لأن الزوجين صاحبا الحق والمصلحة فلا بد من رضاهما، وليس للأب إِجبار ابنته على من لم ترض به، وإذا كان يشترط في الولي أن يكون عاقلا بالغا والشهود ان يكونا مكلفين وأهلية العاقد فمن باب أولى أن يشترط ذلك في طرفي النكاح الزوج والزوجة.

2- كل الأحاديث تدل على أن قرار الزواج يرجع للطرفين فقد روت عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت فتاة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن أبي زوّجني ابنَ أخيه؛ ليرفع بيّ خسيسته, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم أمرَها إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء، فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تفسخ نكاحها إذا شاءت، لكنها - رضي الله عنها - لم تُرِدْ أن تجْرح شعورَ أبيها فأمضت ما أراد أبوها على كرَهٍ منها؛ رغبةً في بِرّ أبيها. وعن خُنَاسَ بِنْتِ خِذَامِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنها أن أباها زَوَّجَهَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ، فَأَبَتْ إِلَّا أَنْ تَحُطَّ إِلَى أَبِي لُبَابَةَ, وَأَبَى أَبُوهَا إِلَّا أَنْ يُلْزِمَهَا الْعَوْفِيَّ, حَتَّى ارْتَفَعَ أَمْرُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « هِيَ أَوْلَى بِأَمْرِهَا, فَأَلْحِقْهَا بِهَوَاهَا «, قَالَ الراوي فَانْتُزِعَتْ مِنْ الْعَوْفِيِّ، وَتَزَوَّجَتْ أَبَا لُبَابَةَ، فَوَلَدَتْ لَهُ أَبَا السَّائِبِ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ. رواه أحمد والدارقطني. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: «ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقّا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزم أحدا بأكل ما يَنْفُر منه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه؛ كان النكاح كذلك وأولى، فإنّ أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طولٍ تؤذي صاحبَه ولا يمكن فراقه» وأقول:.لله درك ياشيخ الإسلام، وأحب التنبيه إلى أن المذهب الحنبلي يقول بإجبار البكر على الزواج وعلماؤنا خالفوا المذهب ورأوا عدم إجبارها فمن باب أولى أن تتم مخالفة المذهب في مسألة جواز زواج القاصرة.

3- الاستدلال على جواز زواج القاصرة بقوله تعالى في عدة المطلقة:« واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن »؛ غير صحيح، وتفسيرها بالصغيرات اللاتي لم يبلغن سن الحيض لادليل عليه، وقولهم: إن هذا دليل من القرآن على أن الصغيرة تُزوج وتطلق وتلزمها العدة، يتعارض مع الحديث السابق الذي يؤكد رضاها، كما أنه لايجوز لمن تصدر للافتاء أن يجهل اللغة العربية التي عدها العلماء شرطاً من شروط الاجتهاد والفتوى، ولذلك لاأدري كيف خفي عليهم أن تفسير «واللائي لم يحضن » بالمرأة الضهياء وليست القاصرة التي ستبلغ فيما بعد وتدخل في حكم المرأة الطبيعية، قال ثعلب: « الضهياء: التي لا تنبت لها شِعْرة، عن أبي عمرو: لا تطمث، ومن الإبل التي لا تَضْبَع »، وهذا البناء على وزن فَعْلاء، قال سيبويه: « وكذلك الهمزة لا تزاد غير أولى إلا بثبت. فمما ثبت أنها فيه زائدة قولهم: ضهيأ؛ لأنك تقول: ضهياء كما تقول: عمياء ». وأما معناه فقيل أيضاً: المرأة التي لا تحيض، وزاد بعضهم: ولا تحمل، والتي لا ينبت ثدياها، والتي لا تلد وإن حاضت.وكله مقصود به المرأة الكبيرة.

4- ورد في صحيح ابن حبان باب ذكر الإخبار عما قال المصطفى صلى الله عليه و سلم لأبي بكر وعمر عند خطبتهما إليه ابنته فاطمة عند إعراضه عنهما فيه (6948 - أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون بنسا حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة: عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنها صغيرة ) فخطبها علي فزوجها منه. قال المحقق شعيب الارنؤوط إسناده صحيح على شرط مسلم، وفي سنن النسائى الصغرى (3187) - [3221] أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ (ثقة)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى (ثقة ثبت)، عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ (ثقة)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ (ثقة)، عَنْ أَبِيهِ (صحابي)، قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ، فَزَوَّجَهَا مِنْهُ « قالوا إسناده صحيح ورجاله ثقات... فرسول الله الذي يستدلون بزواجه من سيدتنا عائشة هو الذي احتج بصغر سن سيدتنا فاطمة رضي الله عنها، فلا بد أ ن يكون هناك سر في زواجه ومنعه. وسنعرضه في الحلقة القادمة حينما أفصل القول في فتوى جواز زواج القاصرات وتفخيذ الرضيعة عند بعض علماء السنة والخميني، واستدلالهم بماورد في الفقه الإسلامي من نصوص تحتاج إلى مراجعة وتصحيح...

والله من وراء القصد

abnthani@hotmail.com
 

قراءة شرعية في فتوى زواج القاصرات
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة