Wednesday  27/07/2011/2011 Issue 14181

الاربعاء 26 شعبان 1432  العدد  14181

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

هل يرضى من يفتي بشرعية زواج القاصرات (واللاتي لم يحضن ) بتزويج ابنته التي في الرابع الابتدائي لشاب تخرج في الجامعة، فإذا لم يرضه لابنته فالأولى ألا يرضاه لبنات المسلمين، ثم أي استمتاع يجده الرجل السوي بوطء طفلة لم تبلغ أو التحرش بها،

وهذا لم تشرعنه القوانين الوضعية وتأنف منه النفس البشرية وتتقزز من الحديث عنه فكيف يرضاه الإسلام دين الرحمة والسماحة والحقوق ورجالاته العظماء، وقد وافق مجلس الوزراء السعودي في جلسة المنعقدة يوم الاثنين 26 شعبان 1427هـ الموافق 19 سبتمبر 2006م على انضمام المملكة العربية السعودية إلى عهد حقوق الطفل، وهذا الميثاق لايمكن أن توقع عليه المملكة إن كان فيه مخالفات شرعية كما لم توقع على مواد في بروتوكول التجارة العالمية وحقوق الإنسان لأنها تعارض نصوصا صريحة في الإسلام ولولي الأمر أن يلزم الأمة بتحديد سن الزواج إن رأى عبثا لايتفق مع مقاصد الإسلام وسماحته كما فعل عمر رضي الله عنه بباب الأنكحة، والقاعدة الشرعية تنص على أن الأصل في الأبضاع التحريم، والأبضاع جمع بضع وهو الفرج، كناية عن النساء والنكاح، أي أن الأصل في وطء النساء هو التحريم، ولا يباح إلا بعقد النكاح الصحيح أو بملك اليمين، ولو كان العقد على القاصر التي لم تبلغ صحيحا لما خيرها الشرع بعد البلوغ بين إتمام الزواج أو فسخه، من أجل ذلك إذا تعارض في امرأة دليل الحل ودليل الحرمة غلب دليل الحرمة عملاً بالقاعدة وهي إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام، ولهذا أيضاً لا يجوز التحري في الفروج، لأن الفروج لا تحل للضرورة، فكيف يكون الاستحلال شرعيا لفرج طفلة لم تبلغ الحلم ولم يتوافر في عقد زواجها الكفاءة التي نص عليها الفقهاء، وأي إنسانية في المساومة بين الزوج والولي كما في الصورة المؤلمة في قول النووي في شرح مسلم: «وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها: فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة: عُمل به، وإن اختلفا: فقال أحمد وأبوعبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا«...».

وأما الاستدلال بزواج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بسيدتنا عائشة رضي الله عنها وهي في السادسة وقيل السابعة ودخل بها وهي في التاسعة كما ورد في الصحيح فيمكن أن نسلط عليه الضوء من خلال التالي:

1- زواج النبي من عائشة خصوصية له صلى الله عليه وسلم بأمر من الله جل وعلا لما ورد عن هِشامِ بنِ عُرْوةَ عن أبيهِ عن عائشةَ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:» أُرِيْتُكِ في المنَامِ مَرّتَين، أَرَى أنّ رَجُلا يَحمِلُكُ في سَرَقَةِ حَريرٍ فيَقُولُ هَذِه امرَأَتُكُ فَأكْشِفُ فَأَراكِ، فأَقُولُ إنْ كانَ هَذا مِن عِندِ اللهِ يُمْضِه» اتّفقَ الأئمّةُ على صِحّته. وفِيمَا رواه حَبِيبٌ مَولى عُروةَ قَال: لما ماتَت خَديجةُ حَزِنَ عَلَيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُزْنًا شَدِيدًا، فبَعثَ اللهُ جِبريلَ فَأتَاهُ بعَائشةَ في مَهدٍ فقَالَ يا رسولَ الله هَذه تَذهَبُ ببَعضِ حُزنِكَ، وإنّ في هَذِه خَلَفًا مِن خَديجةَ،ثمّ رَدّهَا، فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَختَلِفُ إلى بَيتِ أبي بَكرٍ ويقولُ: « يا أمَّ رُومَان استَوصِي بعَائِشةَ خَيرًا واحْفَظِيني فِيها»، ونص ابن شبرمة عليه قال ابن حجر:«وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا أن الأب لايزوج بنته البكر الصغيرة حتى تبلغ وتأذن، وزعم أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصه « إضافة إلى ماتميزت به سيدتنا عائشة من ذكاء وعلم فاختارها جل وعلا لنقل أحكام البيت المسلم والفراش والحقوق وكل مايتعلق بخصوصية الرجل والمراة وقد روت كثيرا من الأحاديث التي تبين الأحكام الشرعية، والنصوص التي تناولت مناقبها ومكانتها العلمية كثيرة..

2- قال ابن قدامة في المغني (9-398): «قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها»، وقال ابن قدامة: «وقول الخرقي فوضعها في كفاءة يدل على أنه إذا زوجها من غير كفء فنكاحها باطل وهو إحدى الروايتين عن أحمد، وأحد قولي الشافعي... وعلى كلتا الروايتين فلايحل له تزويجها من غير كفء ولامن معيب لأن الله تعالى أقامه مقامها ناظرا لها فيما فيه الحظ ومتصرفا لها لعجزها عن التصرف في نفسها...» بل أن فقيها من الفقهاء الحدثاء نص على جواز تزويج الصغيرة من كفء معتبر خشية أن تفوت عليها الفرصة وقد قال الفقهاء إنه لايدخل بها حتى تبلغ ولكن السؤال من يضمن أن يبقى هذا الرجل على كفاءته حتى تبلغ القاصر فالعاقل قد يصبح مجنونا والغني قد يمسي فقيرا والمؤمن قد يبدل دينه والتقي قد يكون فاسقا والفرصة قد تكون نقمة وما المصلحة في دخول الفتاة في مساومة على حريتها مع كفء الأمس الذي أصبح غير كفء في هذا اليوم ويتحكم بحريتها.، قال النووي في شرح مسلم (ج5-128): «ويستأذنها لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة». وبناء عليه لايجوز قياس زواج القاصرات على زواج النبي صلى الله عليه وسلم بسيدتنا عائشة لأن الكفاءة فيه بأبي هو وأمي لاتتغير ولاتتبدل فالرسول ليس مثل بقية البشر الذين لاتؤمن عليهم الفتنة والتغير والمفسدة، وهذا يدل على خصوصية زواجه بعائشة كما اختص بتسع زوجات وحرمة زوجاته على الأمة بعده... قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لصحيح البخاري والاستدلال بقصة عائشة فيه نظر، ووجه النظر أن عائشة زُوِّجت بأفضل الخلق - صلى الله عليه وسلم - وأن عائشة ليست كغيرها من النساء، إذ أنها بالتأكيد سوف ترضى وليس عندها معارضة، ولهذا لمّا خُيرت - رضي الله عنها - حين قال لها النبي - صلى لله عليه وسلم -: (لا عليك أن تستأمري أبويك) ؛ فقالت: إني أريد الله ورسوله، ولم ترد الدنيا ولا زينتها « وأشار ابن عثيمين إلى قول ابن حزم وابن شبرمة بخصوصية زواج النبي عليه الصلاة والسلام وقال» يُرَشِّحُ هذا القول أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خُصَّ بأشياء كثيرة في باب النكاح» اهـ.

3- يقاس منع زواج القاصرات بمنع زواج التحجير إذ العلة واحدة فيهما من جهة أن الطفلة القاصر لاتستأذن ولاتعلم مصلحتها في تلك السن وفيه إكراه وتصرف بها وهو أشبه بالإكراه والتصرف في زواج التحجير، وقد منع علماء الأمة الأخيرلما فيه من الظلم والجور، فقد أقر مجلس هيئة كبار العلماء فى دورته الثانية والستين التى انعقدت بالرياض ابتداء من 17 - 1 - 1426هـ ودورته الثالثة والثلاثين المنعقدة فى مدينة الرياض بتاريخ 4 - 8 - 1409هـ الى 15 - 8 - 1409هـ حكم التحجير... وقرر المجلس بالاجماع مايلي..

- أن التحجير وإجبار المرأة على الزواج ممن لاتوافق عليه ومنعها من الزواج بمن رضيت هي وولي أمرها الزواج به ممن تتوافر فيه الشروط المعتبرة شرعا أمر لايجوز والنصوص الشرعية صريحة بالنهي عنه والنكاح على هذا الوجه منكر ظاهر إذ التحجير من أكبر أنواع الظلم والجور.

- من يصر على تحجير الأنثى ويريد أن يقهرها ويتزوجها أو يزوجها بغير رضاها فإنه عاص لله ولرسوله ومن لم ينته عن هذه العادة الجاهلية التي أبطلها الاسلام تجب معاقبته بالسجن وعدم الافراج عنه إلا بعد تخليه عن مطلبه المخالف لأحكام الشرع المطهر والتزامه بعدم الاعتداء على المرأة أو ولي أمرها أو من يتزوجها وبعد كفالته من قبل شيخ قبيلته أو أحد ذوي النفوذ فيها بالالتزام وعدم الاعتداء». .وأشد أنواع الجور والظلم أن تزوج طفلة صغيرة غير مكلفة دون إذنها ورضاها ثم تخير بعد بلوغها بالاستمرار أو الفسخ دون التفات للأضرار المترتبة على ذلك العقد الذي هو أخطر من التحجير وأكثر ظلما ووحشية.

4- بنى رسول الله بعائشة وهي بالغة ولم تكن قاصرا قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها..ويختلف سن بلوغ المرأة حسب العرق والمناخ، ففي المناطق الحارة تبلغ الجارية مبكرا بخلاف المناطق الباردة، ففي سنن الترمذي(2-409): «قالت عائشة إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة «، وفي سير أعلام النبلاء(10-91) وقال الإمام الشافعي رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيرا» كما أن زواج القاصرات كان مرتبطا بمعطيات تلك العصور وظروفها وطبيعة نظامها الاجتماعي بخلاف ماعليه الإنسان في هذا العصر.

5- جاء في كتاب الأحوال الشخصية للإمام محمد أبو زهرة 108:» ويجب أن أشير هنا إلى رأي عثمان البتي وابن شبرمه وأبي بكر الأصم، فقد قالوا إن ولاية الإجبار تكون على المجانين والمعاتيه فقط، ولا تكون على الصغار قط، فليس هناك ولاية زواج قط على الصغير، لأن الصغر يتنافى مع مقتضيات عقد الزواج، إذ هو لا تظهر آثاره إلا بعد البلوغ، فلا حاجة إليه قبله، الولاية الإجبارية أساس ثبوتها هو حاجة المولى عليه إليها، وحيث لا حاجة إلى زواج بسبب الصغر، فلا ولاية تثبت على الصغار فيه، وقد جعل الله سبحانه وتعالى بلوغ النكاح هو الحد الفاصل بين القصور والكمال، فقال تعالى:

{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}.

فقد جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة بلوغ سن النكاح إمارة انتهاء الصغر، وإذن فلا ثمرة في العقد قبل البلوغ، لأنه عقد لا تظهر ثمراته قبل البلوغ، وفي إثباته قبله ضرر بالصغير، لأنه لا يستفيد من العقد، ويبلغ فيجد نفسه مكبلا بقيود الزوجية وهو عقد يستمر في أصل شرعته مدى الحياة «.

6- إذا قلنا بخصوصية زواجه صلى الله عليه وسلم من سيدتنا عائشة عرفنا أن كثيرا من نصوص التحرش بالقاصرات اللاتي لم يبلغن مما امتلأت بها كتب الفقه استدلالا بزواج عائشة بحاجة إلى إعادة قراءة من جديدة ومن أمثلتها:

أ - قول ابن قدامة في المغني 9-159: « فأما الصغيرة التي لا يوطأ مثلها فظاهر كلام الخرقي تحريم قبلتها ومباشرتها لشهوة قبل استبرائها، وهو ظاهر كلام أحمد وفي أكثر الروايات عنه قال: تستبرأ وإن كانت في المهد وروي عنه أنه قال: إن كانت صغيرة بأي شيء تستبرأ إذا كانت رضيعة؟! وقال في رواية أخرى: تستبرأ بحيضة إذا كانت ممن تحيض وإلا بثلاثة أشهر إن كانت ممن توطأ وتحبل، فظاهر هذا أنه لا يجب استبراؤها ولا تحرم مباشرتها .وهذا اختيار ابن أبي موسى وقول مالك وهو الصحيح لأن سبب الإباحة متحقق وليس على تحريمها دليل فإنه لا نص فيه ولا معنى لأن تحريم مباشرة الكبيرة إنما كان لكونه داعيا إلى الوطء المحرم أو خشية أن تكون أم ولد لغيره ولا يتوهم هذا في هذه فوجب العمل بمقتضى الإباحة، فأما من يمكن وطؤها فلا تحل قبلتها ولا الاستمتاع منها بما دون الفرج قبل الاستبراء إلا المسبية على إحدى الروايتين».

ب - قال المرغيناني في الهداية شرح بداية المبتدي ج4 ص 3452:» قوله (لا يستمتع بها) أي لا توطأ وصرح في الذخيرة بأن المراد من الاستمتاع الوطء، وبه قيد الحاكم قال: لا نفقة للصغيرة التي لا تجامع فلا نفقة لها إلى أن تصير إلى حالة تحتمل الوطء سواء كانت في بيت الزوج أو الأب، واختلف فيها فقيل: أقلها سبع سنين، وقال العتابي: اختيار مشايخنا تسع سنين، والحق عدم التقدير، فإن احتماله يختلف باختلاف البنية... «... وكلمة المهد ورضيعة أشعرتني بالتقزز فلاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، وسأفصل في الحلقة القادمة فتوى سماحة الشيخ ابن عثيمين في منع زواج القاصرات وبطلانه شرعا ورد على من استدل بالإجماع عليه في عدد من أشرطته وكتبه وشروحه رحمه الله.. والله من وراء القصد

abnthani@hotmail.com
 

قراءة شرعية في فتوى زواج القاصرات (2)
د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة