Thursday  28/07/2011/2011 Issue 14182

الخميس 27 شعبان 1432  العدد  14182

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ستة عشر عاماً فصلت بين جريمتي تفجير مباني الحكومة الفيدرالية الأمريكية بمدينة أوكلاهوما سيتي بولاية أوكلاهوما وبين تفجير العاصمة النرويجية أوسلو وما تبعها من مجزرة في جزيرة أوتويا الواقعة في ضواحي العاصمة. وإن كان هناك فاصل زمني بين الحدثين، بيد أن الأفكار والآليات التي استخدمت للتنفيذ تكاد تكون متشابهة. بالإضافة إلى ما تلى ذلك من تغطيات إعلامية متسرعة حاولت إلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين.

تفجير أوكلاهوما سيتي نفذه تيموثي ميكفاي (Timothy Mcviegh) ابن السابعة والعشرين ربيعاً والجندي المميز والحائز على ميدالية الشجاعة خلال عمله مع الجيش الأمريكي. ولكن التطرف المقيت وجد طريقه لعقل ميكفاي بعد أحداث حصار مجمع جماعة الداوديون (Branch Davidian)، وهي جماعة مسيحية ذات أفكار يمينية متطرفة في مدينة ويكو بولاية تكساس في أبريل 1993م، بزعامة المتطرف ديفيد كوراش (David Koresh). والذي رفض الاستسلام وفرض ذلك على من معه لرجال الأمن الفيدراليين الذين حاصروا المجمع لمدة 51 يوماً، انتهى الحصار بحريق هائل نشب في المجمع بسبب تبادل لإطلاق النار بين رجال الشرطة وديفيد كوراش وجماعته مما أدى إلى مقتل كل المحاصرين الأربع والسبعين ومنهم خمسة وعشرون طفلاً بالإضافة إلى أربعة من رجال الشرطة الفيدرالية الأمريكية. صمم ميكفاي بعد هذا الحادث على الانتقام من الحكومة الفيدرالية الأمريكية والتي حملها مسئولية ما حدث في ويكو وانطلق في تنفيذ ما سولت له نفسه من أفكار شريرة. فقام باستئجار مقطورة حملها بمتفجرات مميتة وتوجه نحو هدفه، المباني الفيدرالية للحكومة الأمريكية بمدينة أوكلاهوما سيتي وترك الحافلة عندها وولى الأدبار. كان ذلك في صبيحة التاسع عشر من أبريل 1995م، سنتان بالتحديد منذ حادث ويكو بتكساس. ما تلى ذلك كان انفجاراً هائلاً جعل وسط مدينة أوكلاهوما سيتي يبدو كأنه ساحة لمعركة شرسة. قتل في ذلك الانفجار مائة وثمانية وستون شخصاً، الكثير منهم من الأطفال الذين كانوا موجودين في روضة الأطفال الملحقة بالمباني الحكومية الفيدرالية، وبلغ عدد الجرحى ستمائة وثمانين. وتناقلت وسائل الإعلام الأمريكية الحدث الجلل وامتلأت ساعات بث قنوات الأخبار الأمريكية بشتى أنواع المحللين والخبراء وأشباههم في شئون الإرهاب والشئون الدولية لمحاولة معرفة من يكون منفذ الاعتداءات الشريرة وبكل المقاييس. وكان الكثير من هذه الاتهامات تشير إلى أن مسلمين هم من نفذ هذه التفجيرات. ولقد قاد التنظير لهذا الاتهام الصحفي الأمريكي ستيفن ايمرسون (Steven Emerson) والذي كانت اتهاماته تؤكد بأن مسلمين وتحديداً شرق أوسطين هم من نفذ تفجيرات أوكلاهوما. وكان هذا سبباً في قيام متطرفين في الاعتداء على مساجد ومؤسسات أسلامية أمريكية، حتى أن السيخ الذين لا ناقة لهم ولا جمل لم يسلموا من اعتداءات طالتهم، كون أن بعض المتطرفين اعتدوا عليهم ظناً منهم بأنم مسلمون. ولكن الأقدار شاءت أن يتم توقيف تيموثي ميكفاي بعد الانفجار بساعة ونصف ساعة من وقوعه بسبب لا علاقة له بالانفجار وهو شك الشرطي الذي أوقفه بصلاحية لوحة السيارة التي كان يقودها. حوكم تيموثي ميكفاي وأعدم بالحقنة السامة في 11 يونيو 2001م في السجن الفيدرالي بمدينة تيري هوت بولاية أنديانا. وفي 22 من يوليو الجاري وبسيناريو مشابهة وأكثر دموية قام النرويجي أندرس بيرنغ بريفيك (Andres Behring Brevick) البالغ من العمر 32 سنة بارتكاب جريمته المزدوجة بسيارة مفخخة جعل وسط العاصمة النرويجية التي عرفت بأمنها يبدو كأنه ساحة معركة حقيقية، تبعها بزهق أرواح أكثر من سبعين نفس بريئة الواحدة تلو الأخرى بطريقة موغلة في السادية والوحشية. وبرر جريمته المروعة بأنها كان لا مفر منها. والسبب الذي ذكره بريفيك للمحققين هو «إنقاذ أوربا من الإسلام»، وبأنه كان لابد من معاقبة الحكومة النرويجية ومثقفيها ومفكريها الداعين للتنوع الثقافي وبأنهم بأفعالهم هذه مارسوا الخيانة ضد النرويج. ولقد سارعت الحكومة النرويجية وباحترافية تقدر وتثمن لها وخوفاً منها من حدوث تجاوزات انتقامية بإعلان أن ليس للمسلمين علاقة بما جرى. بيد أن هذا لم يمنع بعض وسائل الإعلام بالتسرع وربط ما جرى بمسلمين. ومن هذا وعلى سبيل المثال إصرار المراسلة الدولية لشبكة السي .أن .أن.، نعمة الباقر (Nima Elbagir)، وهي بريطانية من أصل سوداني، ويبدو من اسمها بأنها مسلمة بربط التفجيرات بمسلمين. علماً بأنها مراسلة حصلت على العديد من الجوائز الصحفية العالمية ومنها جائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، وكان من الممكن أن يؤدي إصرارها على أن مسلمين هم من كان وراء جريمة أوسلو بتعرض أشخاص عديدين لاعتداءات انتقامية بسبب تسرعها وإصرارها على توجيه الاتهام قبل اتضاح الحقائق، ولا يعرف ماذا سيكون رد منظمة العفو الدولية لو حدث ذلك والتي ما انفكت في التشدق بحقوق الإنسان بطريقة اختيارية بعيداً عن منهجية لم تنئ بنفسها عن تسييسها. ولعل هناك ثلاثة محاور مستفادة من حادثة أوسلو يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن تعيها كافة الإطراف ذات العلاقة. أولاً، أن التطرف لا هوية ولا دين له. ثانياً، أهمية سن قوانين صارمة لمحاربة التطرف والخوف من الإسلام (Islamophopia) في البلاد الغربية. ثالثاً، تأكيد وتفعيل على ما احتواه إعلان الرياض من مبادئ أساسية لمحاربة التطرف والإرهاب. فيمايخص المحور الأول، فجريمتا أوكلاهوما سيتي وأوسلو والكثير من الجرائم الأقل شأناً والتي حدثت ولم تلق التغطية الإعلامية الكافية تؤكد حقيقية أن التطرف الديني ليس هو مشكلة تخص المسلمين فقط بل هو ظاهرة كونية لم يسلم منها بلد أو قومية أو ديانة، والإصرار على أن التطرف هو مشكلة إسلامية فلقد آن الآوان لهذه الأكذوبة في الطرح أن تنتهي إلى غير رجعة. والمتخصصون في علم الاجتماع والجريمة في العالم الغربي يؤكدون انتشار ظاهرة التطرف بين الشباب الغربي بشكل أصبح ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى الكثير من الدراسات والتحليل لمعرفة كافة مكوناتها حتى تتمكن السلطات المسئولة من مواجهتها بطريقة علمية مدروسة. فالغرب يزخر بمنظمات تؤمن بالعنف وسيلة وحيدة لتنفيذ أيدلوجيتها، منها على سبيل المثال لا الحصر جماعات البيض العنصرية (White Supremacy) والتي تؤمن بتفوق العرق الأبيض وأنه هو سيد العالم ويطالبون بنقاء عرقهم الأبيض ويرفضون كل الأعراق الأخرى وينظرون لهم بأنهم ما وجدوا إلا لخدمة العرق الأبيض. وينتشرون في كل بقاع العالم وخصوصاً في أوربا وأمريكا الشمالية، ويعتمدون في بعض أفكارهم على فلسفة الفيلسوف الألماني الشهير/آرثر شوبينهاور(Arthur Shopenhauer) منظر المدرسة التشاؤمية في الفلسفة (Pessimisim)، وبعض أفكار شاعر وفيلسوف ألمانيا وشاعرها الشهير/ فريدريك نيتشة (Friedrick Nietzsche) والذي لم يكن بعنصرية شوبينهاور واكتفى فقط بالتصريح بتفوق الألمان عن سواهم بسبب التزامهم الأخلاقي بعكس الشعوب الأوربية الأخرى والتي كان يرى أنها منحلة أخلاقياً كالشعب البريطاني. وفي أوربا وأمريكا الشمالية تنتشر كذلك جماعات النازيون الجدد (New Nazi). ويقوم جوهر أيدلوجية النازية ويرتكز على رفض السماح أو تشجيع الثنائية اللغوية أو الثقافية وبأن العرق الآري الأبيض (Aryan Race) هو العرق السيد وبقية الأعراق الأخرى ليست إلا عبيداً للعرق الأبيض. وكل هذه الأيدلوجيات تنطبق تماماً بما اعترف به للمحققين منفذ جريمة النرويج. وعدم أدراك المسئولين في أوربا لحجم مشكلة التطرف لديهم أو إغفال الطرف عنهم في بعض الأحيان بدواعي حجج واهية للحرية الشخصية أدى إلى تفاقم أمرهم واستفحاله حتى أصبح خطراً حقيقاً وماثلاً للعيان في كافة المجتمعات الأوربية. وهناك تعبير باللغة الإنجليزية يؤجز مشكلة التطرف المتصاعد بشكل ملاحظ في الدول الغربية واستخدمه كل من داعية الحقوقلمدنية الأمريكي المسلم/ مالكوم اكس في الستينات من القرن المنصرم والقس جيرمي وايت، كاهن الكنيسة التي يرتادها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مدينة شيكاغو، في إشارة منهما إلى أن ترك الشر بدون حساب سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه لاحقاً. ونص التعبير باللغة الإنجليزية «Chickens come home to roost»، وفي كلا الحالتين لم تعجب تصريحاتهم في محاربة التطرف الكثيرين لأسباب عدة لا يتسع الوقت لطرحها الآن. وبخصوص المحور الثاني الخاص بحتمية سن قوانين تحارب ظاهرة التطرف والخوف من المسلمين والمعروفة اصطلاحاً بالإسلام فوبيا (Islamophopia)، خصوصاً أن منفذ جريمة أوسلو أقر للمحققين بأن تطهير أوربا من المسلمين كان الدافع لاقترافه لجريمته، كذلك فلقد تناولت وسائل الإعلام بأنه على ارتباط بمجموعة بريطانية يمينية متطرفة. كل هذا يوجب على المفوضية الأوربية بالسعي الحثيث لإيجاد حلول جذرية وقوانين صارمة لمحاربة ظاهرة الفزع من الإسلام (الإسلام فوبيا). فأوربا سنت العديد من القوانين لمحاربة التطرف مثل قانون لمكافحة النازية (Anti-Nazi Law)، وقانون معادة السامية (Anti-Semitic Law)، وقانون ضد كره ومعادة الشواذ (Anti-Gay Law)، وقانون يعاقب من ينكر المحرقة ضد اليهود من قبل النازيين (Holocaust Denial Law). وكذلك فلا بد أن يكون هناك قانون يفرض على وسائل الإعلام عدم التسرع في إلصاق اتهامات بمجموعات عرقية أو دينية في تغطيتها لحوادث إرهابية مما قد يؤدي بأعمال انتقامية قد يتعرض لها أبرياء. ومن نافلة القول هنا بأن المسلمين هم أكثر المتضررين من الصورة النمطية (Stereotype) التي خلقتها وسائل الإعلام الغربية عنهم وبربطهم بالإرهاب.وفيما يخص المحور الثالث، وهو تأكيد وتفعيل إعلان الرياض الذي صدر عن المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الإرهاب والذي عقد في الرياض وحضرته 51 دولة عربية وإسلامية وأجنبية في الفترة الواقعة بين 25 و27 ذي الحجة 1425هـ الموافق للخامس حتى الثامن من شهر فبراير لعام 2005م. فقد وضحت المملكة رؤيتها لمكافحة التطرف والإرهاب بكلمة سامية وافية وكافية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزبز -حفظه الله- وكان وقتها ولياً للعهد والتي خاطب بها المؤتمر واصفاً الإرهاب والتطرف قائلاً «كل أيدلوجية تدعو للكراهية وتحرض على العنف وتسوغ الجرائم الإرهابية التي لا يمكن قبلوها في أي دين أو قانون».ولقد ركز اجتماع الرياض الولي الأول لمكافحة الإرهاب والتطرف على أربعة محاور، وهي محور جذور الإرهاب وبذوره وثقافته وفكره، ومحور العلاقة بين الإرهاب وغسل الأموال وتهريب السلاح والمخدرات، ومحور الدروس المستفادة من تجارب الدول في مجال مكافحة الإرهاب، وأخيراً محور التنظيمات الإرهابية وتشكيلاتها. لقد غطى مؤتمر الرياض ظاهرة الإرهاب والتطرف من جميع جوانبها، وكان أهم ما تمخض عنه المؤتمر التوصية بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب والتطرف كونهما ظاهرتين كونيتين ولا يمكن التعامل معهما بنتائج فاعلة إلا بتعاون كافة الدول. مشكلة الإرهاب والتطرف تتلخص في أن الجميع موافق على أهمية مكافحتهما ولكن أغلب هذا الجميع متردد في التعاون الجماعي للقضاء عليهما، ولكل دولة أسبابها المعلنة وغير المعلنة، وأصبح تشبيه هذا التردد الدولي في التصدي لهاتين الظاهرتين كمن يهوي ويعشق السباحة ولكنه يخاف ويخشي البلل. بيد أنه وبعد أحداث النرويج فلقد آن الأوان لتفعيل توصيات إعلان الرياض والتنسيق بين كافة الإطراف المعنية بالشروع في المضي قدماً بإنشاء مركز دولي لمكافحة ومراقبة الإرهاب والتطرف.

باحث إعلامي

Alfal1@ hotmail.com
 

رحلة التطرف من أوكلاهوما سيتي إلى أوسلو
حتمية تغيير الصورة النمطية والقوانين (إعلان الرياض نموذجاً)
د. محمد بن يحيى الفال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة