Friday  29/07/2011/2011 Issue 14183

الجمعة 28 شعبان 1432  العدد  14183

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

نظرات في ديوان (الأميريات) لعمر بهاء الدين الأميري وقصيدة (شكاة) نموذجاً..

 

 

 

 

 

 

 

 

رجوع

 

عبدالعزيز بن صالح العسكر

عمر صدقي بن محمد بهاء الدين بن عمر الأميري، شاعر الإنسانية المؤمنة المتوفى سنة 1412هـ، وقد كتبتُ ترجمة وافية له في كتابي (من نفحات الفصحى والأدب الأصيل) في ست وعشرين صفحة.

صاحب الدواوين الشعرية الخمسة عشر أو أكثر، الرحالة والسياسي المخضرم يُعدّ من أعلام العصر وفحول شعرائه.

أرسل قصيدة (شكاة) إلى أبي الحسن علي الحسني النَّدوي المتوفى سنة 1420هـ.. وكان الأميري قد قدم الرياض سنة 1377هـ وهو يؤمِّل أن يلتقي الشيخ أبا الحسن، ولكنه وصل بعد سفر الشيخ أبي الحسن إلى جدة.. ولم يكن هناك أيُّ وسيلة للاتصال سوى الشعر.. فكتب الأميري هذه القصيدة في ثلاثة وثمانين بيتاً من الشعر العمودي الفصيح ومن البحر المتقارب، وفي سبع قوافٍ.

خاطب الأميري النَّدوي خطاب الأخوة الصادقة، فكانت كلماته رسائل من مفكر إلى مفكر ومن غيور إلى غيور ومن شجي إلى شجي.

في تلك القصيدة تتجلى لنا شاعرية الأميري وخصائص أدبه وفكره، فشعره قوي رصين، يعارض في بعض قصائده شعر فحول شعراء العربية في الجاهلية والإسلام، وحينما تقرأ بعض أبياته تجد فيها جزالة الشعر الأموي، وصدق معاناة شعر الأندلس، وبراعة شعر بغداد والقاهرة في عصر الدول المتتابعة.. وفي بعض قصائده تجد السمو في الهدف، وبعد النظر، ودقة التصوير للواقع الذي يَصفُه ويتحدث عنه.

انظر إلى قوله في قصيدة (شكاة):

أبا حسن أنا في غربة

على أنَّني في صميم الوطن

غريب المنى مُسْتحرُّ الضَّنى

رهين العنا في نطاق الزمن

أريد، ومالي أحدِّث عمَّا

أريد، ومَنْذَا يعي القول من؟!

وانظر دقة التصوير، وصدق الوصف، وعمق المعاناة والشكوى في قوله:

أيبذل قومٌ زكيَّ الدماء

وبذل الدماء سبيل الفلاح

وأمْثَلُنا يبذل الفضل من

نداه، ويدعو لهم بالنجاح!!

ألا يا مروءات فاستنفري

ذويك، وهزِّي القنا والرماح

حرامٌ على الحر طيب الرُّقاد

وليس المباح الغداة مباح

كيف يليق أن يبذل بعض المسلمين دماءهم في فلسطين لإعلاء راية الدين بينما يكتفي غيرهم بـ(التَّهريج)!

وحينما أعلن (بعض حكام العرب) قبل خمسين عاماً وحدةً عربيةً علُّق عليها الأميري الآمال وأشاد بها وخاطب ضمائر الغيورين.. هذه فرصتكم -إن صدقتم- في لمِّ شمل الأُمَّة ووحدة صفِّها، وقوة شخصيتها واسترداد حقوقها.. وصاح الأميري وغيره:

وفي وحدة القوم خيرٌ وفيرٌ

ومجدٌ جدير بأغلى ثمن

لقد أعلنوها ولكنني

أكاد أرى غير ما قد علن!

أريد بُناةً حُمَاةً لها

إذا قَلَبَ الدهر ظهر المجن

فمن لي بإنشاء جيلٍ أبيٍّ

تقيٍّ قوي يَصُدُّ المحن؟!

ولكنه وغيره صاحوا في صحراء ونفحوا في رماد، فما قامت وحدة، وما توحد صف، ولا قويت شخصية، وما استُردَّ حق واحد من الحقوق الضائعة المغتصبة.. وما السبب!؟ لقد ذكر السبب في القصيدة بقوله:

وجلُّ الورى في خضم الحياة

أسارى الهوى في صراع الفتنْ

وفي المطلب الصعب جلَّ المسير

وقلَّ النَّصير وعزَّ السكنْ

طلاب المعالي عسر المنال

وقد عُوِّد الحرُّ أن يمتحن

تفرَّق بالقوم حُكامُهُم

وزاغت قلوب غَذَتها الإحن

وماعت من الترف المستذل

نفوسٌ ضعاف دهاها الوهن

ويكون أكثر صراحة ووضوحاً في بيان سبب ضعف الأمة بقوله:

فصرعى الغنى في لذاذاتهم

وصرعى الخصاصة أسرى سُهادْ

ورهط الحكومات قد جانبوا

هداهم وضَلُّوا صراط السَّداد

فبعض تظاهر في غيِّه

وبعض تَستَّر خلف الحيادْ

نسوا واجب الخلق واستكبروا

فعم البلاء وطمَّ الفسادْ

وكل يريد استياق القطيع

إلى مبتغاه وبئس المراد

وفي دعوة من القلب يوجه الشاعر نداءه إلى الأمة كلها حكاماً ومحكومين فيقول:

فلابد من رأب كل الصُّدوع

وجمع الصُّفوف ودرء العللْ

ولابد من قصد ذات الإله

وحشد القوى ليصح العمل

تلك إشارات مختصرة من رسالة الأميري إلى النَّدوي (شكاة)، وبقي من مكنون القصيدة روائع وبدائع. ومثلما كان النَّدوي فارس الدعوة والرسالة واستنهاض الأمة لمجدها ومعالجة أدوائها بفكره وكتبه وخطبه وسيرته كلها.. كان الأميري:

شاعر الحس المرهف.

والأبُوَّة الحانية.

والبُنُوَّة البارَّة.

والبديهة الحاضرة.

وقوة الحُجَّة والإقناع.

يُنْبىء عن تلك الصفات وغيرها شعره في دواوينه التي زادت على أربعة عشر ديواناً مطبوعاً. وصدر حديثاً ديوان جديد سُمِّي (الأميريات) اختار قصائده ورتَّبها ابن الشاعر الدكتور أحمد البراء بن عمر بهاء الدين الأميري وطبع الديوان عام 1432هـ.

وفي قصيدة فريدة رائعة يصف الأميري شعره ويبين كنهه وماهيَّته فيقول:

قال لي صاحبي يُفنِّد شعري

إنَّ شعري كالنثر سهل مرقرق

سبكه ضامر اللُّحون جديب

واصطفاء الألفاظ غير موفق

قالها في لباقة واعتذار

قلت (عبد الكريم) ويك ترفق

ليس شعري لفظاً وسبكاً وجرساً

بل شعوراً فيه التعابير تغرق

خفقة من خشاشة القلب حَرَّى

كيف يا صاحبي الوجيبُ يُزَوَّق

زفرات ولوعة ونشيج

كيف يا صاحبي النحيب يُنمَّق

أنا لا أعرف التصنّع في شعري

فشعري سجيتي حين تُطْلَق

كلما ساقني إلى الصعب عزمي

بَسَمَ المجد في فمي وتألق

كلما عاقني عن الخير شرٌ

أرعد السُّخط في كلامي وأبرق

كلما راقني جمالٌ بديع

لَمَعَ الحسن في بياني وأشرق

كلما رابني من الناس أمرٌ

حزن الحق في مقالي وأشفق

كلما ساءني بقومي خطب

وجم الهم في قريضي وأطرق

كلما هاجني من الشوق لحنٌ

حَوَّم الوجد في نشيدي وحلّق

كلما مرَّ بي نعيم وبؤسٌ

في مرايا القصيد حسِّي تَفَتَّق

كيف لي باختيار لفظ مُنَمَّق

كيف لي باصطناع لحن مُزَوَّق

وشعوري ينساب فيضاً غزيراً

من أحاسيس خلقتي يَتَدَفَّق

هذه هي الفطرة.. والبديهة.. والأصالة وعمق التجربة والمشاعر.. كيف لتلك أن تصنع وتزور.. وإذا كان فكيف يقرؤها الناس وما مدى قبولهم لها:

كل حسٍّ قد صيغ لفظاً ومعنى

دون قصد مني، ولاح برونق

هل لزهر الرُّبى اصطفاء شَذاه

كل زهر كما تكوَّن يعبق

واللُّحون التي تروق وتشجى

كالنُّفوس التي تحب وتعشق

هي ذَوقٌ، والذَّوق سرٌ عُجَاب

من قيود التفنيد والرأي مطلق

وفي قصيدة أخرى يصف شعره بأوصاف حقيقية واقعية لشاعر مطبوع يحزن ويفرح، ويحب ويبغض، ويقوى ويضعف.. وتراه ناصحاً مشفقاً، وغاضباً منتقماً، وتراه مبتسماً راضياً كما تراه مطرقاً مفكراً ثائراً.. كل ذلك وغيره صدى للأحداث التي تمر به وتمر بها الأمة الإسلامية.. وما شعره إلا مرآة تعكس ذلك كله.. إنه يقول:

أيها القارئون رفقاً بشعري

إن شعري مشاعر منظومة

إنَّه أنةٌ من الصدر حرَّى

وأسى من حشاشة مكلومة

أنَّه فطرة إلى المجد ترنو

وإلى العلم والحجا منهومة

أنه ثورة على كل بغي

وانتصار لأمَّة مظلومة

أنه رجعة الصدى لنشيج

ردَّدته عدالة مهضومة

أنه آية المروءة أذكتها

بنفسي أبوَّةٌ وأمومة

أنه رأفة بكل مُعَنَّى

أنه غاية الوفاء المرومة

أنه نشوة بآي جمال

في السماوات والدنى مرقومة

أيها القارئون، شعري: مرايا

لسجايا صغيرة وعظيمة

هو رفق وشدَّة وصلاة

وذنوب وخشية وعزيمة

فَتّغَنَّوا به كما جاء، شعراً

لم أنمِّق ولم أزوِّق رسومة

من يشأ نقده فلا ضير، لكن

هو قلبي، فمن يشأ تحطيمه!!

هذا هو عمر بهاء الدين الأميري، وهذا هو شعره، وتلك قصيدة من قصائده جاء عنوانها: (شكاة) في ديوان (الأميريات)، كما أنه قد سبق نشرها في ديوان (ألوان طيف)، وقد مضى على نظمها أكثر من نصف قرن من الزمان.. ومن يسمعها اليوم ربما ظن أنها نظمت هذا العام 1432هـ لأن كثيراً من المعاني التي وردت فيها تمر بها أمتنا اليوم، فما أشبه الليلة بالبارحة.. رحم الله عمر الأميري ونفع بعلمه وشعره.

ولئن قدَّم لنا ابنه الدكتور أحمد ديوان الأميريات واختار فيه بعض القصائد من بعض الدواوين التي نشرت قبل عقود ونفدت طبعاتها فإن الديوان الجديد بحاجة إلى مراجعة وإخراج أجود وعناية أكبر للملحوظات التالية:

أولاً: كنت أظن أنه سيفعل -كما هو المعهود في المختارات- أن يُشار إلى القصائد المنشورة سابقاً وموضع نشرها والقصائد التي تُنشر لأول مرة، ولكن الأخ أحمد لم يفعل!!

ثانياً: ما أروع أن يحوي الكتاب ترجمة للشاعر يعرض فيها لحياته وفكره وأعماله ثم عرض بأسماء دواوينه وكتبه، ولكننا لم نجد ذلك في (الأميريات) مع مسيس الحاجة لذلك وبخاصة أن شاعرنا من كبار شعراء العصر الحديث!!

ثالثاً: مقدمات القصائد هي نفسها التي نشرت في الدواوين السابقة وبعض القصائد جاءت بدون مقدمات.. والدَّارسون بحاجة ماسة للمقدمات التي توضح أسماء الأعلام التي ترد في القصائد ومدى علاقتهم بالشاعر.. فهل لنا أن نجد ذلك في الطبعة الثانية من الديوان أو في أعمال أخرى من إنتاج ابن عمر بهاء الدين الأميري لعل وعسى..

رابعاً: ليت جامع الديوان -وهو من اختار قصائده- وضح لنا على أي شيء بنى ترتيب القصائد؛ وهذا نهج سار عليه الشعراء ومن يجمع شعر الشعراء ويرتبون دواوينهم.. وأحسب أن الترتيب حسب القوافي يخدم الدارس والباحث أكثر من أي طريقة أخرى.. فتبدأ القصائد بما قافيته الألف ثم الباء ثم التاء وهكذا.

هذه بعض الملحوظات وهي ملحوظات في الإخراج لا في المضمون.. وليست نقداً للشعر فلذلك موضعه.. وما أجمل قول أحد العلماء لما سئل عن صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.. فقال:

تجادل قوم في البخاري ومسلم

عندي وقالوا: أيّ ذين تُقدِّمُ

فقلت لقد فاق البخاري صحةً

كما فاق في حسن الصناعة مسلمُ

* عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة