Sunday  31/07/2011/2011 Issue 14185

الأحد 30 شعبان 1432  العدد  14185

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ما هذا الذي يحدث في ديار بني يعرب؟؟!!

أنحن في حلم دام مرعب طويل أم نحن نعيش واقعا دمويا مرعبا لا نعلم متى وكيف ينتهي؟! ما هذا الذي يحدث يا عرب؟! لو كان المعتدون بنو يهود لولولنا وتداعينا ورفعنا أكفنا بالدعاء على الظالمين المتجبرين الطغاة!! أما الآن فلا حس ولا خبر!! المعتدون الظلمة الطغاة منا وفينا، الذين يقترفون أعتى الجرائم وأشدها فظاعة وعنفا ودموية هم من أبناء جلدتنا، ممن كانوا يدعون ويتبجحون بالعدالة والديموقراطية والتحضر وحقوق الإنسان، ممن كانوا يرفعون عقيرتهم بالويل والثبور لمن يقترب من الحدود العربية، ويمنون الشعوب العربية التي تئن تحت حديد ونار «العسكرتاريا» بنصرة الحق العربي، وكبح جماح إسرائيل وردعها عن طغيانها الذي لم يتوقف منذ أكثر من ثمانين عاما! أين الشعارات الثورية العربية؟ وأين الحداثة الموعودة؟

وأين شتائم الرجعية؟ ومن هو الرجعي الآن؟ ومن هو المستبد الخائن؟ وكيف أثبت التأريخ والوقائع أن من كانوا يشتمون بـ»رجعيتهم» من عرب الجزيرة أصدق قولا وأعمق فكرا وأنقى سريرة وأطهر يدا وأوفر خلقا وأعرق أصالة وأكثر حداثة من عسكر الحكومات العربية التي كانت قد ملأت الفضاءات ضجيجا وشتائم واتهامات وتقولات على عرب الجزيرة وحكامها!!. ماذا بنت الحكومات الثورية العسكرية العربية؟ وماذا أنتجت من نهضة وتحضر؟

إنه واقع بائس تعيس في جل تلك الحكومات؛ اذهب وتلفت يمينا أو شمالا أو من حولك؛ لتجد نفسك مذهولة مشدوهة متعجبة من التخلف في تكوين المقومات الأولى لبنية مدنية خدماتية على الأقل، وليست تعليمية عالية أو مراكز بحث متخصصة منتجة نادرة أو مشافي ومراكز طبية على مستوى عالمي؛ ستجد أنك - مثلا - لا تستطيع أن تجد خدمات مالية بنكية متيسرة في دمشق أوفي الجزائر، ولن تجد مشفى معقولا يطبب الليبيين ويعفيهم من عناء السفر ومشقات التنقل إلى الدول المجاورة، ولن تجد مدينة بمفهوم «المدينة» الحديثة في كثير من أنحاء ليبيا، وقد كشفت الحرب التحررية التي يخوضها الشعب الليبي المناضل للخلاص من هيمنة الدكتاتور ما كان مستورا وغير معلوم عن تخلف هذه الدولة وفقر شعبها وحالات البؤس التي يعيشها إخواننا في ليبيا على الرغم مما تنتجه ليبيا من ثروة بترولية كبيرة وما يفيض بها عليها من مال وفير، وستجد أنك في العراق تعيش في دولة لا تخرج من أزمة إلا وتدخل راضية أو مكرهة في أزمة أخرى؛ فمن بعد مأساة قصر الرحاب 14 تموز 1958م والنكبات تتوالى بدءا بعبدالكريم قاسم وانتهاء بصدام، ثم خضوعا للاحتلال الأمريكي، ثم دخولا في الرداء الفارسي الصفوي الآن.

تدخل إلى عاصمة عربية هنا أو هناك من عواصم العسكر فتصيبك حالة من الذهول!

أين صرخات التقدمية؟ وأين شتائم الرجعية؟ ماذا فعل الثوريون العرب وماذا فعلنا؟! كيف انحدر مستوى المعيشة في مصر إلى درجة الفقر المدقع عند شرائح كبيرة في المجتمع المصري، وكيف لم تستطع مصر على الرغم من حداثتها المبكرة وتجاربها الأولى في الانفتاح بدءا بعهد محمدعلي باشا ومدرسة الألسن ومغامرات الخديوي عباس والخديوي توفيق في فرنسة المجتمع المصري وليس انتهاء بمبادئ ثورة 23 يوليو التي بشرت بالتقدم والحرية والوحدة والنهوض؟! كيف لم تستطع مصر التي تحتضن بين ملايينها الثمانين عشرات الألوف من العباقرة والموهوبين والمفكرين والأدباء والقادرين على العطاء في مختلف المجالات، وعلى الرغم من موقعها الجغرافي المميز بين القارات، وعلى الرغم من جريان نيلها الذي لم ينضب على مدى آلاف القرون؛ لم تستطع بعد تخطي حاجز المراحل الأولى في التنمية المدنية التي تسهل الحياة وتقضي على كثير من مشكلات السكن والعلاج والمواصلات والدخول المالية المعقولة للأسر؟!

كيف يمكن أن نجد مسوغا واحداً لما يحدث في عواصم عربية عسكرية كانت تدعي النهوض والتقدم والاشتراكية والعدالة، وتحارب الرجعية والانغلاق والبداوة - على حد مزاعمهم -؟ كيف نجد عذرا لكل ما نراه من تخلف ودموية واستبداد كشفته أزمة هذا القرن؟!

لقد انكشفت هذه الأنظمة، وتعرت، وخلعت جلابيبها الكاذبة التي كانت تتبرقع بها زورا وبهتانا!

كانت تدعي السير في طريق وحدة عربية جامعة؛ فما صدقت! فهذا هو العقيد قد ولى وجهه ناحية الأعاجم في أفريقيا، ولون خارطته بالسواد متنكبا لأمته وشامتا بها وساخرا منها وداعيا عليها بالويل والثبور!

وها هو العقيد الثائر الأمين على القومية العربية يسلم سلاحه طواعية للغرب، ويفتح مخازنه للتفتيش، ويمتدح في كل خطاب صديقه العزيز برلسكوني، ثم يذهب إلى روما داعيا للإسلام في حضرة فتيات إيطاليات جميلات اشترط ألا تزيد أعمارهن على الثلاثين، ليستمعن إليه معجبات وليحظين بمبلغ خمسمائة يورو ثمنا لهذا الحضور الأنثوي البهي!

وها هو حامي الجولان، يفتك فتكا ذريعا بشعبه، ولا يخشى فيهم إلاًّ ولا ذمة، هذا النظام البعثي الغارب الذي سقطت كل دعاواه في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة لم يع بعد، ولم يدرك أن الزمن قد تجاوز شعاراته الجوفاء الكاذبة، وأن هذا الحزب المقيت الذي طالما فرق ولم يجمع، وشتت ولم يقرب، وتكاذب ولم يصدق، وتناضل ولم يناضل! أن إخوتنا هناك الذين يعيشون تحت نار ولهيب واستبداد هذا الحزب قد فاض بهم الكيل وطفح بهم الصبر، ولم يعد في طاقتهم موضع لصبر جديد أو انتظار قد يطول.

كيف يمكن أن يبيد نظام بائس شعبه على النحو الدموي المقيت ثم يدعي أنه يحبه ويتطلع إلى رخائه وتقدمه وعدالته؟! كيف يمكن أن يصدق جيل قادم كل دعاوى هذا الحزب الحاكم وهو يقترف كل هذا الإجرام؟!

إنها حرب إبادة!

حرب إبادة بدأت من حماة في شباط فبراير عام 1982م، حيث قتل ظلما وعدوانا أكثر من ثلاثين ألفا وفقد خمسة عشر ألفا وهرب طلبا للنجاة مائة ألف من سكان هذه المدينة!

لقد فاق هذا الإجرام ما ارتكبته إسرائيل في لبنان بعد هذه الحادثة بأشهر!

الدم العربي الأحمر المسفوك في شمال الوطن العربي وفي غربه وفي جنوبه ينز ولايثير أحدا!

الدم العربي البريء يسيل أنهارا!

والتعذيب على الشاشات؛ الضرب والرفس والرقص بالجزم العسكرية الخشنة على الأجساد البريئة ولا يثير أحدا!

والقتل بالرصاص ينطلق من بين الأزقة ومن أعلى السطوح على المتظاهرين الناقمين على الظلم والذين لا يملكون سوى حناجرهم المدوية ولا يثير أحدا!

هل مات الشعور وتبلد الإحساس؟!

هل تعودنا على مناظر الدماء فلم تعد تحرك فينا ساكنا؟!

هل تحولت هذه المشاهد المأساوية والنداءات والاستصراخات إلى مشاهد تمثيلية مملة ومضجرة لا نشعر معها بأية عواطف أو مناصرة ولو بالدعاء أو التأفف؟!

ما الذي يحدث؟!

لا المقالات الضاجة بالشكوى التي تتصدرعددا من الصحف تؤثر!

ولا النقد العنيف اللاهب يؤثر!

ولا كشف وجوه النقص وفضح بعض المعايب يؤثر!

فما هذا الذي يحدث؟!

هل تمتلئ دواخلنا بشعور خفي بأننا على أعتاب مرحلة عربية جديدة مقبلة وقريبة، ولابد من انتظار المشهد الأخير من فصول هذه المسرحية الدموية المفزعة؟!

أم أننا من هول ما يحدث ومن تكرره في بقاع عربية متعددة لم نعد ندرك كيف يكون التعبير، ولا كيف يكون الرد، ولا ما هو التفسير الحقيقي، ولا كيف تتوقف أنهار هذه الدماء البريئة!

هل نحن مذهولون مصدومون؟ أم خائفون قلقون متوترون؟!

أم أننا مستسلمون، ولانملك حولا ولا طولا لتغيير مايجري في سوريا وفي ليبيا؟

حين حدثت مجزة صبرا وشاتيلا عام 1982م متنا ألما ومتنا شكوى من الضعف العربي الذي لم يستطع أن يتخذ موقفا شجاعا لنصرة المظلومين في مخيمي صبرا وشاتيلا! حين ذاك كتب غازي القصيبي قصيدته المشهورة:

نهر من الدم فامشي فيه واغتسلي

من الجنابة يا خنثى بلا خجل!

واليوم تتم مجازر جديدة وقانية لابيد يهود ولابيد مستعمرين؛ ولكن بيد بعض أبناء العروبة ورافعي راياتها ومدعي حماية وحب شعوبهم!

الحاكم العربي العسكري الحامي - كما يدعي - هو من يريق دم شعبه، هو من يجلدهم بسياط العشق، هو من يعذبهم في سجون الحب، هو من يطعمهم رغيف المجاعة والبؤس!

الحاكم العربي العسكري الحزبي هو من يلون أرض شعبه بالخضاب!

وهو من يسطر قصائد المحبة والهيام وتراتيل العشق والغرام لشعبه بالحصار بالدبابات، وبهدم المنازل على من فيها من النساء والأطفال بالدبابات!

وهو من يعتلي أسوار المنازل الآمنة، ويقفز على الأبواب المغلقة ليفتش عن شباب وطنه ليسقيهم من مرارة كأس محبته وهيامه ودفاعه عن حقوقهم وقضاياهم!

بيد العروبة تذبح العروبة وفقدنا حتى القدرة على الصراخ!

وبيد الأشاوس ومدعي التقدمية تراق كل قيم الإنسانية والرحمة!

وبيد جلاوزة العسكر تذبح الأحلام العربية التي لم تر النور يوما!

نحن صامتون غير مستطيعين حتى البكاء والعالم الآخر من حولنا يسخر ويسخر ويسخر ويستلقي على قفاه من أمة تنقرض!

ksa-7007@hotmail.com
 

هذا الدم العربي الأحمر الناقع المسفوك لم يعد يثير أحداً
د.محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة