Tuesday  02/08/2011/2011 Issue 14187

الثلاثاء 02 رمضان 1432  العدد  14187

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قادنا الحديث عن واقعنا العربي اليوم إلى تساؤلات عدة، عرضتها بإيجاز الأسبوع الماضي، ولعل من أهمها، كيف قالت الملائكة عن آدم عليه السلام {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}؟؟ ومحاولة مني التأمل في هذا القول الملائكي عن جنس الإنسان أقول متوكلاً على الله وطالباً منه العون والتوفيق..

بعد أن خلق الله العرش والقلم، ثم المخلوقات العلوية والسفلية كلها، وأعد الأرض وبارك فيها وقدرأقواتها خلق الإنسان الأول «آدم» عليه السلام، وكان لهذا المخلوق وجود في العلم الإلهي قبل أن يصبح له وجود عيني.. ووجوده في علم الله سبحانه وتعالى يتضمن تفاصيل كيانه، والمهمة التي سيعهد إليه بها في الكون.

وقد أعقب خلق الله لأبي البشرية آدم علية السلام إعلانه عز وجل في جمع من الملائكة وأهل السماء عن المهمة التي ستعهد لهذا المخلوق {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.

الشاهد هنا قول الملائكة عن جنس الإنسان أنه مفسد وسفاك.. ومع أن هناك كلاما طويلا وآراء عدة في هذا الموضوع إلا أنني وجدت أن كلام «ابن عاشور» رحمه الله في تفسيره المعروف «التحرير والتنوير» هو الأقرب- في نظري- للصواب إذ إنه يشير في ثنايا حديثه إلى (أن الملائكة رأو آدم بعد نفخ الروح فيه فعلموا أنه تركيب يستطيع صاحبه أن يخرج عن الجبلة إلى الاكتساب، وعن الامتثال إلى العصيان، ومجرد مشاهدة الملائكة لهذا المخلوق العجيب – المراد جعله خليفة في الأرض – كاف لإحاطتهم بما يشتمل عليه من عجائب الصفات على نحو ما سيظهر منها في الخارج، فمداركهم غاية في السمو لسلامتها من كدرات المادة، وإن كان أفراد البشر يتفاوتون في الشعور بالخفيات وفي توجه نورانية النفوس إلى المعلومات، وفي التوسم والتفرس في الذوات بمقدار تفاوتهم في صفات النفس جبلة واكتسابية ولدنية التي أعلاها النبوة، فما ظنك بالنفوس الملكية البحتة ؟؟.)

يسند هذا القول ويعززه حديث الحديث القدسي المعروف (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعادني لأعيذنه) رواه البخاري، ولك أن تتصور كيف هي حواس وجوارح هذا الإنسان الذي سيمنّ الله عليه بهذه النعمة العظيمة، والملائكة أشد روحانية وأعظم عبادة وأكثر إشراقاً وكشفا فهم كما قالوا عن أنفسهم {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} علاوة على أنهم خلقوا من نور.

وعلى هذا التخريج فإن لفظ جاعل في الآية لا يعني « خالق « كما ذهب إليه بعض المفسرين بل يعني مصير، والمقام هنا مقام بيان لمهمة الإنسان في الأرض وليس للإخبار عن الخلق والمادة التي خلق منها الإنسان ابتداء، ولذا جرت «الأرض» بحرف الجر «في» الذي يفيد في الأصل الظرفية، دون من التي تفيد الابتداء أصلاً، وقدم الجار والمجرور «في الأرض» على متعلقه « خليفة « إشارة إلى أن آدم ما خلق ليكون في السماء بل هو مهيأ لأداء مهمة الخلافة في مكان محدد «الأرض»، والدلالة الضمنية لقول الله عز وجل هنا «ما جعلنا خليفة إلا في الأرض»، وهذا ما يعبر عنه أهل الاختصاص بالتقديم المفيد تخصيصاً وقصراً.

وعلى هذا فأكل آدم وزوجه من الشجرة بعد وسوسة الشيطان وإقسامه أنه لهما لمن الناصحين ليس هو السبب الفاعل المؤثر في إهباطهما، فآدم ما خلق إلا ليكون في الأرض، والآكل هو علامة على توقيت النزول وليس سبباً للنزول، وليعلمنا الحق سبحانه وتعالى أن المعصية تتبعها عقوبة.

وفي ذات السياق استشهد هنا بما جاء في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لمّا صوّر الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه فجعل إبليس يطيف به، ينظر ما هو، فلما رآه أجوف، عرف أنه خُلق خلقاً لا يتمالك).

أبارك للجميع شهر رمضان المبارك وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
{قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} 2-2
عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة