Tuesday  02/08/2011/2011 Issue 14187

الثلاثاء 02 رمضان 1432  العدد  14187

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

لقد بلغ الصراع العالمي في مختلف المجالات ذروته، وتمخض هذا الصراع بشقيه البارد والساخن عن حركات إرهابية لم يسلم منها أحد.

وهي حركات وتنظيمات ومنظمات لا تنتمي إلى دين ولا إلى دولة ولا إلى عرق، وإن جالد وجاهد المغرضون لإلصاقها بالدين الإسلامي وبالدول الإسلامية، ومن ثم تدافعتها وسائل الإعلام، وروَّج لهذا التدافع كتبة متسطحون ومهتاجون عاطفيون، وكادوا يلصقونها بدولهم وبمؤسساتهم الدينية والتربوية. لقد قَبِل هذا الصنف من الكُتّاب الاتهام رغم فداحته وما يترتب عليه من مسؤوليات لا قِبل لدولة باحتمالها، بل شايعوه وأنحوا باللائمة على مؤسساتهم، وتبادلوا الاتهام معها، وكاد يكون بأسهم بينهم شديداً. وهذه المعارك الكلامية الصاخبة قدَّمت لأعداء الأُمَّة أقوى الوثائق. وفي رسالة جوالية تلقيتها من أحد المهتمين تقول: «أوضح التقرير الدوري حول الإرهاب في دول الاتحاد الأوروبي أن مائتين وتسعة وأربعين هجوماً إرهابياً حدثت في أوروبا العام الماضي، تم تنفيذ ثلاثة منها فقط من قِبل جماعات إسلامية، في حين نُفِّذ معظمها (246) هجوماً على أيدي متطرفين محليين، يُعرف عن أكثرهم عداؤهم الشديد للمسلمين وللتعددية الثقافية». ولعل آخر الشواهد ما تعرضت له «النرويج» على يد متطرف يميني ليس عربياً ولا مسلماً.

والدولة المتصالحة مع كل الحضارات المسانِدة لكل المظلومين والمنكوبين والساعية لإصلاح ذات البَيْن والمتسامحة والمحاورة لا تنفك من المواجهة والدفاع عن الذات جراء التلاحي غير المسؤول بين أطيافها. وبدلاً من أن تمضي في طريقها الإنساني تأسو وتواسي وتتوجع تراها مكرهة في استنزاف طاقاتها في المجاهدة والمجالدة لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن سلفيتها المستنيرة.

لقد بسطتُ القول حول هذه الظاهرة العالمية في كتابي «أبجديات سياسية على سور الوطن»، وأبنت عن خطل هذا الصنف من الكُتّاب. والإشكالية أن الصراع بين دعاة «الليبرالية» والعلمانية وسائر التيارات المعتدلة والمتشددة يدفع إلى تبادل الاتهامات.

وناتج هذا الصراع الفارغ يقيد على حساب الأمة البريئة من وضر التطرف.

وأخف من هذا ما يُثار حول بخس العمالة الوافدة حقها أو ظلمها والتعدي عليها وظاهرة الكفيل وجَوْره، حتى لقد دخلت في تلك الزوبعة منظمات حقوق الإنسان واتهمت المملكة، وسيء الظن بأنظمتها ظلماً وعدواناً. ولقد تابعتُ بامتعاض ما يُثار حول عاملة المدينة المنورة، وتتابع كلمات الاستنكار والتهييج من كتبة متسرعين، مما أدى إلى إيذاء الكفيلة وتشويه سمعتها وإثارة الغوغاء في إندونيسيا. وفي ظل هذه الشنشنات الأخزمية تحوَّل الموضوع إلى قضية سياسية خلطت الأوراق وأزَّمت المواقف بين دولتين تتبادلان المصالح، وانعكس أثر هذه الزوبعة الفارغة على المواطنين الذين لا ناقة لهم في الموضوع ولا جمل، وبعد هذه الحوسة تكشفت الأمور، وثبتت براءة الكفيلة، ولم يأسف أحد عما بدر منه، واليوم تُثار قضية أخرى حول اعتداء شاب عشريني على عامل آسيوي بالضرب المبرح، ومستند المتذمرين توثيق الحدث بالصوت والصورة، والحادثة إذا صحت، ولم تكن حيلة غبية لمجرد الإثارة، فإنها واقعة متوقعة، وسبيل حلها وإنصاف الأطراف بيد الجهات الأمنية والقضائية، وليس هناك ما يدعو إلى التباكي والعويل وحشد الاتهامات والتحذير والاستعداء للسلطة، وكأن الملايين من العمال يلاقون ما يلاقيه ذلك العامل الذي وجد مَنْ يتطوع ويصوِّر الحدث ويوثِّق الاعتداء، وما من أحدٍ فنَّد ما تتعرض له البلاد من مفاسد لا تُحتمل تتمثل بالقتل والسرقة وإشعال الحرائق والتزوير وبيوت الدعارة ومصانع الخمور والهروب، ولو كشفت الجهات الأمنية عما لديها من ملفات مرعبة لما نبس مثل أولئك الكُتّاب بكلمة امتعاض واحدة. لقد انهارت مؤسسات تجارية وأفلست مصانع ومزارع وصناع مستثمرون بسبب فَقْد الأمانة عند العمالة، وشكَّل هروب العاملات رقماً لا يُحتمل، حتى لقد تجاوز في آخر إحصائية عشرين ألف عاملة فيما يخسر الكفيل على الاستقدام أكثر من عشرة آلاف ريال، وينتظر أكثر من نصف عام لكي تصل إليه عاملته، وإذا قدر وعثر على الهاربة بعد عام أو أكثر طولب الكفيل بإعطائها حقوقها وترحيلها على حسابه، ولا يترتب على هروبها أي غرامة أو عقوبة، والهاربون والهاربات حين يملؤون جيوبهم يغودون إلى كفلائهم لاستكمال إجراءات السفر، وثغرات الأنظمة يستغلها العامل بأسلوب ذكي، ولم تتم دراسة أي ظاهرة عمالية لا من الكُتّاب ولا من الجهات الرسمية ووضع الحلول والضوابط التي تحمي كل الأطراف وتصون الحقوق وتحفظ البلاد والعباد من عبث العابثين،فأين الكُتّاب من تلك المخالفات المضرة بمصالح الوطن والمواطن؟ ومن ذا الذي ينكر المخالفات التي تقترفها العمالة والأموال الطائلة التي تُحوَّل بطرق مشروعة وغير مشروعة، والتي تُقدَّر بعشرات المليارات؟ إن المواطن مظلوم، والنظام لما يزل في صالح العمالة، والناس جميعاً يتذمرون من جور العمالة وهروبهم وما يصدر منهم من إيذاء وتهديد وإفساد، وكل الذي أرجوه من الجهات الأمنية الإفراج عن الحوادث والمخالفات والجرائم التي تقترفها العمالة في البيوت والأسواق والمتاجر والمزارع وتزويد قناصل دولهم بقوائم الوقوعات وتزويد الصحافة بتفاصيل الأحداث؛ ليعرف المتباكون حجم الإيذاء. إننا لا ننكر أن من بيننا ضعاف نفوس وفاسدي ضمائر وسيئي أخلاق، وأن إيذاء العمالة وأكل حقوقهم والجور عليهم حاصل، وأنهم ضيوف علينا، وحقهم الإكرام وحُسْن التعامل ودرء الظلم عنهم، غير أن ما يلاقيه البعض منهم على يد شراذم قليلة لا تمثل أخلاقيات المجتمع السعودي لا يُقاس بما تعانيه البلاد من مفاسد تضر بالأخلاق والاقتصاد والأمن، وكم كنت أتمنى من كل متسرع لا يهتم إلا بتجييش العواطف واستعداء الضمير العالمي على بلاده أن يتحسس عن نبض الشارع العام، ويطلع على المخالفات والجنايات الجارحة.

إن بلاداً تهفو إليها أفئدة المتعبدين والمتاجرين والعاملين بأمسّ الحاجة إلى أنظمة صارمة تحمي حق المواطن والمقيم، وتضع كل طرف أمام مسؤوليته. إن المواطن حين يخطئ يؤخَذ الحق منه؛ لأنه شاهد ومقتدر ومقدور عليه، أما العمالة فإنها تُبدي إفلاسها ولا تجد من يسدد عنها الغرامات والحقوق، وقد تختفي عند ضعاف النفوس، وقد تجد من الكُتّاب من يضخم معاناتها ويسهم في استغلال عواطف الأبعدين الذين لا يعرفون معاناة المواطن والخسائر الفادحة التي يتعرض لها. والعدل والمساواة لن يتحققا إلا بحفظ حقوق كل الأطراف. والقادم إلى البلاد يأتي بطوعه واختياره، ويبذل الغالي والنفيس للحصول على «فيزة» دخول، ومن حقنا أن نضع الشروط الكفيلة بحفظ حقوق المواطنين، ولكي يحسب المتلاعب حسابه علينا أن نشترط شخصية اعتيادية غارمة متى تحمّل العامل مسؤولية ذات ارتباط مالي، وعلينا توعية المواطن بحيث لا يضع أمواله تحت تصرف عمالة فقيرة فاقدة للأمانة. إن علينا إشعار كل قادم بأن أنظمتنا فوق الجميع، ومن رآها جائرة فليزم أرضه، ومن رضي بها فعليه وعلى دولته وإعلامه بأن يقبل بها وأن يتحمل تبعاتها، فما أكرهنا أحداً وما غررنا بأحد «ومن يخطب الحسناء لا يغلها المهر».

إننا دولة جذب، والعمالة تفد إلى البلاد وفي نيتها الكسب السهل والسريع، وحين تجد الأجواء الملائمة للعبث والفساد بمواطأة من ضعاف النفوس تعيث في الأرض الفساد، وحين تنفِّذ الحكومة أنظمتها المستمَّدة من الشريعة الإسلامية تثور وسائل الإعلام لتزييف الحقائق واستدرار عواطف العالم، وقد تجد تلك الوسائل من أبناء البلاد من يشايل ويساند، وأنظمتنا جزء من سيادتنا، والقادمون قابلون بها على ما هي عليه، وليس هناك ما يمنع من التعديل والتبديل متى وجدت الخيرة في ذلك. لقد بلغ الاهتياج العاطفي حدود وصفنا بالمتاجرة بالبشر، ولو وقف المرجفون على حجم الخسائر المادية والمعنوية التي تتعرض لها البلاد والعباد لما أنحوا باللائمة على شيء من إجراءات البلاد. لقد سيء فَهْم الكفيل، واضطرت الدولة إلى مواصلة التعديل والتلطيف، وظاهرة الكفيل ظاهرة طبيعية، فهو يبرم عقداً لإنجاز عمل منزلي أو تجاري أو صناعي أو زراعي لمدة سنتين مقابل راتب شهري، والعامل أو العاملة يقدمون على ذلك، ولا يدخلون المملكة إلا بموجب هذا العقد، ولا يمكن الوفاء بمقتضياته حتى يكون الطرف الآخر كفيلاً لهذا القادم ملتزماً بما يترتب على عمله وفق أنظمة مساندة يعرفها العاملون، ومغادرة العامل مقر العمل إضرار بالكفيل وتعطيل للعمل ومن ثم وُجدت القيود، وهي واجبة وضرورية، ومع ذلك أُلغيت، وأصبح من حق العامل التنقل من مكان لآخر بحرية، الأمر الذي عرَّض المشاريع للتعطيل أو التأخير، وإذا طالب الكفيل بتقييد تحرك المكفول لضمان الإنجاز دست المنظمات أنفها، ورأت أن مثل ذلك لون من ألوان المتاجرة بالبشر، ولما كانت أنظمتنا مطروحة في الطريق عند سائر القنصليات ولدى مكاتب الاستقدام، والعمالة لديها حسن دقيق تعرف من خلاله كل شيء، وتعرف تبعات ذلك، فإن من الخطأ التشهير بالكفيل ونظامه. إننا بأمسّ الحاجة إلى حفظ حقوق المواطن والوطن وصيانة البلاد من أي فساد، وعلى كُتّابنا أن يوازنوا بين الحقوق والواجبات، ولاسيما إذا كان المواطن مقاولاً محكوماً بزمن، وتسرب العمالة مُخلّ بالالتزام.

بعد هذا هل يكف المرجفون والمهيجون والمهتاجون ويوازنون بين مقترفات العمالة وجناية ذوي النفوس الضعيفة من المواطنين؟ إن هروب عشرين ألف خادمة لا يمكن أن يحال إلى سوء معاملة ربة البيت، والمؤسف أن هذا الكم الهائل يجد من يؤويه ويؤجره. لقد بلغ التأجير للخادمة الواحدة أربعة آلاف في شهر رمضان، وهذا الكسب غير المشروع أغرى العاملات على الهروب من الكفلاء.

كل الذي نوده من الكتبة المهتاجين أن يكونوا ردءا لسمعة بلادهم، وأن يعلموا أن حصائد الألسن والأقلام تكبُّ الناس على وجوههم في النار.

 

الاهتياجات العاطفية وانعكاساتها السلبية 2-2
حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة