Friday  05/08/2011/2011 Issue 14190

الجمعة 05 رمضان 1432  العدد  14190

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

      

رحم الله أبي، فقد ربى فينا منذ كنا صغاراً أهمية ترتيب أولويات الدين. ومن ذلك: أنني ما زلت أذكر دخوله علينا في غرفتنا - أخي الأكبر ياسر وأنا -، مُعنفاً لنا ومؤدباً، ونحن نيام في نهار رمضان وقد قرب خروج وقت الظهر ولم نصل الفريضة بعد. «صل ولا تصم» «صل ولا تصم». وصدق رحمه الله، فلا خير في صيام يضيع الصلاة.

لو نظرنا بعين الشرع إلى حال المسلمين اليوم - علمائهم ودعاتهم وعامتهم على حد سواء - لوجدنا أغلبهم وقد ضاعت عندهم أولويات الدين، حتى حكى حال كثير منهم ما رُوي عن أهل العراق أنهم تجرؤوا على دم الحسين رضي الله عنه فسفكوه وباءوا بإثمه ثم جاؤوا يتحرزون تورعاً من دم البعوض في الإحرام.

صل ولا تصم خطاب أبي رحمه الله، وكم فيه من العبر والدروس. فكم من المسلمين من لا يصلي إلا في المناسبات، أو هو مضيع لأوقات الصلاة حتى إذا جاء رمضان صام مع الصائمين. فهل صيامه دين أم ثقافة؟ النفس التي تقوى على هجر الصلاة وإضاعتها بإخراجها عن وقتها طول العام، ثم تأتي فتعجز عن الإفطار في رمضان - حتى في السفر أحيانا - ليست بنفس تقية، بل هي نفس إنسانية كعموم الناس من أهل الكتاب أو من البوذيين وأضرابهم وأشكالهم: نفوس قد قيدتها أغلال العادات، فهي أسيرة للمناسبات الاجتماعية.

«أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات»، فالصيام عند من أضاع الصلاة هو في حقيقته شهوة اجتماعية. كم رأينا ممن يتحرى «اللحم الحلال» وهو مضيع للصلاة. فاللحم «الحلال» في حقه هو شهوة نفسية لدفع الشعور بالذنب بتخليه عن ممارسة أركان الدين والالتزام بها، تماماً كمعشر يهود في ممارسة بعض شعائرهم. في بعض البلاد الإسلامية اجتمعنا مع قادة معاهد تدريب ما يسمى بالصيرفة «الإسلامية» فكنا نحن السعوديين نصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً ونظراؤنا من تلك الدول يدخل عليهم الظهر والعصر فلا يصلون، بينما هم يتباكون على الإسلام ويتشدقون بنصرته على أيدي صيرفيتهم المتهودة. فهم قد أضاعوا الصلاة واتبعوا شهوة المال والنفوذ. ألم ترى إلى من نقب امرأته ومن حجب نساءه في بلاد الغرب ثم تراه وقد ضيع الصلاة استحياء من تأديتها على قارعة الطريق أو في مكان يراه الناس. فيا تُرى، ما الذي أجرأه على لبس الحجاب والنقاب في أهله وأعجزه عن الصلاة إما استحياء وإما تكاسلاً؟ قد أضاع الصلاة واتبع شهوة العادة.

أو لم ترَ إلى من استهان بدماء المسلمين احتياطاً لأجل نظريات مؤامرات التغريب. أو لم ترَ إلى من دندن حول التحذير من شبهة الربا احتياطاً وتقليداً مطلقاً ومخالفاً لنصوص الكتاب والسنة، ثم أفنى عمره بالاحتيال عليه بأدنى الحيل. أو لم ترَ من أضاع هيبته الشرعية في الدعوة إلى جواز السحر، أو إلى تزويج الصغيرة، أو من أفنى عمره في مهاترات سياسية أو إعلامية تحت مسمى الإسلام، بينما الدين كله في أصوله يُحرف ويُستهزأ به ويُتخذ ألعوبة وسخرية تحت مسمى الصيرفة الإسلامية فلا ينبس بحرف. أو لم ترَ إلى من حذر في الغش في الطماطم والبصل والطعام وتجاهل عن الغش في الفتوى بعدم إظهارها. أو لم ترَ إلى من استحل الكذب والوقيعة بين الناس ثم اعتكف رمضان في البلد الحرام. ألم ترَ إلى قوم تذامموا وتصايحوا لا يضيعن ريالكم عند بائع اللبن وشيوخ صيرفة تُؤكل البنوك أموالهم بفوائد أضعافاً مضاعفة وتحرمهم حقوقهم بالتدليس عليهم في فتاوى اجتهادية قديمة.

الجهل والعرف والعادات والمصالح الشخصية والانتصار الفطري للانتماء الوطني أو القومي أو المذهبي والظلم والحسد والغيرة، كلها من أسباب غياب تقديم الأولويات الشرعية عند المسلمين فأمسوا وقد قلبوا قاعدة صل ولا تصم إلى صم ولا تصل.

hamzaalsalem@gmail.com
 

المسكوت عنه
صل ولا تصم
د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة