Monday  08/08/2011/2011 Issue 14193

الأثنين 08 رمضان 1432  العدد  14193

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

المراقب للأحداث السياسية الجارية، يشعر أنّ العالم العربي والإسلامي لن يعرف طريق العدالة والاستقرار والمساواة أبداً، فهو يخرج من نفق مظلم إلى نفق أكثر ظلمة منه، فبدلاً من أن تفرح الشعوب العربية بأنها استطاعت زحزحة حكّام طال مكوثهم في سدّة الحكم دون إعطاء سواهم الفرصة المتداولة في العالم المتقدّم، وبأنها على أبواب عهد جديد قد يكون أكثر إشراقاً من السابق؛ إلاّ أننا نرى أنّ الظلم يواجه بظلم مثله أو أشد، والاستبداد في أقصى مداه، والرغبة في الانتقام والتشفّي هي الظاهرة على السطح، مما يجعل الوضع يدعو للتشاؤم وليس للتفاؤل بالانفراج والتقدم.

كل ذلك يظهر من خلال ما نراه من شماتة سائدة تجاه من سقطوا من الزعماء، لاسيما الذين تنازلوا عن السلطة دون إحداث كثير فتن أو حروب أهلية أو تمزيق لبلدانهم، خاصة ما يحدث الآن في الشقيقة الغالية مصر، التي خضع فيه العقلاء للمتهوّرين، فجرجروا رئيسهم السابق الذي ارتضوا إجمالاً قيادته لهم ثلاثة عقود ؛ إلى غياهب السجن ودهاليز المحاكمات، دون رحمة بعزيز قوم ذل، أو شفقة على شيخوخة ومرض تراعيها الدول المتقدمة حتى مع أعدائها، أو عهد أعطي له والعهد عند الله عظيم، أو تقدير لجهوده الداخلية والعربية طيلة ثلاثين عاماً من حيث مبدأ { إن الحسنات يذهبن السيئات }.

فكيف بالله سيتنازل بقية الرؤساء الآخرين عن كراسي الزعامة التي طال مكثهم فيها وألفتهم لها، إذا رأوا تلك المصائر المظلمة لمن سبقهم وسارع بالتنازل فكوفئ بشرّ مكافأة، فلا بد أنهم سيبطشون حتى آخر لحظة في حياتهم، ولن ينصتوا لدعوات التغيير السلمي، فمتى يحل علينا في عالمنا العربي عهد التسامح والتعاطف والوحدة لبناء مستقبل جديد، ولماذا الأقليات المتسلّطة ستظل دائماً هي المتحكّمة في مصائر الناس وآرائهم ؟ ومتى سننتهي من عصور الاستبداد والتسلط من المستقوين والمبتزّين أيّاً كانوا ؟

من الواضح أنّ الاستسلام للحاقدين والمتشفّين أو المتهوّرين، سيجعلهم يزدادون طمعاً واندفاعاً، وسيطالبون بمحاكمة الجميع، على أساس أنهم شركاء في المسئولية، ومساهمين في قرارات العهد السابق، حتى تطال يد الكيد والانتقام والإقصاء الجميع حتى من طلب رضاهم، كما حدث في النظام الخميني الذي لم يكتف بالقضاء على أعدائه فحسب، بل طال حتى المعتدلين والحياديين داخلياً وخارجياً، فنار الفتنة إذا اشتعلت لن يسلم أحد من شراراتها الحارقة.

حقاً الوضع مأساوي في عالمنا العربي المنكوب، فكل فئة تريد الفتك بالأخرى والاستئثار بالقيادة والتحكّم بالمنافع، مع أنها تعلم أن مثل هذا الوضع لن يدوم لها؛ فالآخرون لهم كرامة وطموحات ومشاعر ومصالح، فمتى يؤمن هذا العالم، شعوبه وحكّامه معاً، بالمبدأ الإلهي {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}؟ ومتى ينتقلون من نقد غيرهم نقداً لاذعاً إلى الالتفات لنقد ذواتهم المكتنزة عيوبا، ألم يقل الله تعالى في محكم تنزيله {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}؟.

لذا فإن آمال الشعوب العربية المتوثّبة للخير والاستقرار، ترى في مصر كشقيقة كبرى قدوة لها، في الابتعاد عن القسوة والتسرّع والغوغائية والظلم والانتقام، خصوصاً أنّ إخواننا المصريين ممثلين في قوة إعلامهم، لا يرضون أبداً أن يضام أحد من شعبهم ولا أن يحاكم أو يسجن حتى وإن كان مخطئاً من وجهة نظر أهل البلد الذي سافر إليه ابن وطنهم، فمن باب أولى أن يعفوا ويصفحوا عن من مثلهم ردحاً من الزمن وصار جزءاً من تاريخهم، لاسيما أنه قد نال من العقاب والإذلال ما يكفي، خاصة أن البعض منهم لا يزال يمجد الحكم الناصري الذي نصب المشانق وقتل معارضيه وملأ السجون بمن هب ودب، وألغى الأحزاب التي كانت موجودة أيام الملكية التي ثار عليها، وحكمهم بالحديد والنار، ولم يكتف بما فعله داخلياً بل صدّر الثورة العسكرية إلى البلدان العربية بالقوة، مما أدى إلى انتشار الحكم العسكري الشمولي الباطش في معظم البلدان العربية، ثم هو الذي اخترع نظرية الحكم مدى الحياة فحذا حذوه مقلّدوه من العالم الثالث الذي ازداد بذلك تخلفاً، وظهرت نتائجه السلبية التي أفرزت الآن الثورات الشعبية المكبوتة.

إنّ القلوب المؤمنة الرحيمة المتعقلّة ليعتصرها الألم إذْ ترى الأخبار اليومية وهي ترد على مدار الساعة والدقيقة والثانية، طافحة بمصائب العرب والمسلمين مع بعضهم البعض، وتناحرهم وتباغضهم وكيدهم وتقاذفهم وتكفيرهم لبعضهم، ثم تحوّلهم لجهاد بعضهم بعضاً بدلاً من تقوية شوكتهم ضد أعدائهم الحقيقيين، حتى صار كل طرف يرى أنّ النصر الحقيقي هو إبادة الطرف الآخر حتى لا تبقى له باقية، مع إنّ الإسلام في مسمّاه وتعاليمه هو دين السِّلم والرحمة والعدالة والمحبة والحث على التآخي والتآزر بل والأثرة والنصرة، فمتى تأخذ الحكومات والشعوب العربية معاً بهذه المبادئ السامية القائمة على التعايش والتداول؟.

g.al.alshaikh12@gmail.com
 

حولها ندندن
شماتة الأعداء
د. جواهر بنت عبد العزيز آل الشيخ

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة