Tuesday  09/08/2011/2011 Issue 14194

الثلاثاء 09 رمضان 1432  العدد  14194

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

خرج كل من: (ش - د) و( ف - د) من السجن، بعد قضاء ما يقارب العام، و دفع غرامة 210 آلاف ريال فقط مناصفة بينهما. (ش - د) و( ف - د)، هما من صدما المجتمع السعودي بإقدامهما، وبشكل استعراضي مقزز، على ارتكاب ما سمي (مجزرة الغزلان) في الربع الخالي، وفيها قتلا وبكل الاستهتار، ومع الإصرار والتعمد ثلاثين حيواناً نادراً قضت الهيئة العليا لحماية الحياة الفطرية سنين طويلة، وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل إعادة تكاثرها وتأهيلها للعيش في الصحراء التي أصبحت جرداء بلا حياة بسبب وحشية مثل هؤلاء المجرمين. فما بنته الهيئة في عشرات السنين قضى عليه هؤلاء المجرمون في نصف ساعة.

ومع الانتشار الصارخ للفتك بالحياة الفطرية في كل أنحاء المملكة من نباتات، وطيور، وزواحف، وحيوانات أخرى، فمثل هذه العقوبة المخففة ستشجع كل (شين دالات)، و(فاء دالات) المملكة المحتملين على ارتكاب جرائم مماثلة في حق الوطن، والخروج بأقل التكاليف في حال تم الإمساك بهم. فالعقوبة، حسب خبراء القانون الجنائي إلم تكن رادعة بشكل فاعل لوقوع الجريمة مستقبلاً، تكون داعية للإقدام عليها مرات أخرى.

وفي دول أخرى، بعضها لا يتم المساس بالبيئة فيه بالشكل المتفاقم لدينا، يمثل أمثال (ش - د ) و(ف - د)، أمام قاضي مهتم بأمور البيئة، خبير بها، ومتحمس لها، وأمام الصحافة والملأ، ويُحاكم المجرمين على تهم أخرى متعلقة بشكل غير مباشر بالجريمة عينها، مثل: التعدي على حقوق مصلحة حكومية، وإيذاء حيوانات بريئة مسالمة دونما داع، والاستهتار بالوطن، وجرح بمشاعر المواطنين بالتفاخر بالجريمة بشكل مقزز على الإنترنت، والمساس بالمستقبل البيئي للبلاد، وحمل أسلحة فتاكة بدون داع، وغير ذلك. وقد تتراكم العقوبات لتصل إلى تغريمهما جميع المبالغ التي صرفت لإعادة تأهيل هذا القطيع، والأضرار التي لحقت بالبيئة بما فيها رواتب العاملين والخبراء، وإيجارات المواقع، ومصاريف الدوريات.. الخ، حتى تصل الغرامات لملايين الريالات، والعقوبة لعشرات السنين. وهنا تكون العقوبة رادعة لكل الشين دالات، والفاء دالات الذين تسول لهم أنفسهم العبث ببيئة الوطن.

عموماً، يمكن قياس نجاح التشريعات بكل أوجهها بالوضع العام للمجتمعات التي تطبق فيها هذه التشريعات، لأن الأوضاع العامة لمجتمع ما تعكس انضباطه التشريعي. ولا يختلف اثنان على أن جرائم التعدي على الحياة الفطرية بدءاً بالاحتطاب الجائر للاتجار، وانتهاء بالصيد (القتل) العبثي غير المبرر للحيوانات الفطرية يكاد تقضي، أو قد قضى فعلياً على معظم أوجه الحياة الفطرية في المملكة. ولذا فلا بد من إيجاد عقوبات رادعة مناسبة، ومحاكم بيئية مختصة للحفاظ على ما تبقى منها.

ولا شك أن نظامنا العدلي يحاول أن يكون في مقدمة الأنظمة العدلية في العالم إلا أن هناك بعض الملاحظات التي يجب سوقها في هذا المجال. فالشعب لا يرى بديلاً للشريعة السمحاء كأساس للنظام العدلي لدينا، لكن الشريعة الإسلامية نظام مرن ويتكيف مع الظروف التي نعيش فيها، ومجال الاختلاف والمرونة مكفول في الشريعة أيضا، فبعض القضاة قد يستند في حكمه الى حرفية النص التشريعي، وبعضهم الآخر على روح النص في الحالات التي تستدعي إما تخفيف الحكم أو تغليظه، ما يسبب تفاوتاً واضحاً في الأحكام. وما زالت البلاد تنتظر نظام تدوين الأحكام الشرعية لتوحيد وضبط تطبيقها.

ففي مجالات مثل حماية البيئة أو الحقوق المدنية والتجارية مثلاً، وعندما يقدم فرد مثل (ش - د) و(ف - د) على جريمة شنيعة مماثلة، أو عندما يتخلف شخص ما، فردياً أو اعتبارياً، عن الإيفاء بالتزاماته التعاقدية لطرف آخر، ثم وبعد مدة طويلة أمام المحاكم يحكم على المجرم بتعويض الأضرار المباشرة فقط، وللمتضرر بحقه الأصيل فقط، أي برأسماله عملاً بالنص القرآني: (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم)، فهنا تكون العقوبة غير رادعة. وهذا ما دفع كثير من الأفراد والتجار والشركات إلى التقاعس في الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية في وقتها المحدد لأنهم في نهاية الأمر سيدفعون ما عليهم دفعه في البداية، فلا بأس هنا من (بهذلة) المتظلم أمام المحاكم وقد يتنازل عن حقه تجنباً للمضي في إجراءات طويلة عريضة بغير طائل. وهذا هو أحد أهم الأسباب الرئيسة لضياع حقوق كثيرة للمواطنين، وفي ازدحام المحاكم لدينا بالقضايا المتراكمة، فليس هناك ما يردع المخالفات قبل حصولها.

القوانين والتشريعات في الدول الأخرى ترى أن للمتضرر حق التظلم في أمور أخرى متعلقة بشكل غير مباشر بحقه الأصيل، مثل تعطيله وتأخير حقه، وحسابات تقدير حجم تدوير المال المحتجز إن كان هناك مال منقول أو غير منقول، وتكاليف المرافعة، والضرر النفسي، والحق العام المتمثل في الاستهتار بالأنظمة والتشريعات الخ.. أي أن المتضرر لا يحصل على رأسماله العيني فقط بل رأسماله الحقوقي المتمثل في حقوق مركبة متراكمة، والعقوبة على المتساهل تكون مركبة أيضاً ومؤلمة ورادعة. ثم إن للطرف الأول المتضرر، وللإعلام أيضاً حق التشهير بمن يستهتر بحقوق الآخرين أو يلحق الضرر بهم. فديننا الحنيف حث على عدم ذكر اسم فاعل الخير زيادة له في الأجر، لكنه لم يطلب التستر على من يرتكب الجرم زيادة له في الستر. وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشهر بالمجرمين وينفيهم من البلاد في كثير من الأحيان. فالفرد في مجتمع مثل مجتمعنا، تهمه سمعته الاجتماعية والتجارية، وما قد يعرفه أقاربه وقبيلته عنه في المقام الأول، والتشهير به عامل رادع له. لذا نأمل إعادة النظر في أمور التستر على بعض من يرتكبون المخالفات في حق الناس أياً كانوا، وذلك كي يرتدع الجميع قبل الوقوع في الخطأ. والله من وراء القصد.

latifmohammed@hotmail.com
 

الجريمة والعقاب
د. محمد بن عبدالله العبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة