Tuesday  09/08/2011/2011 Issue 14194

الثلاثاء 09 رمضان 1432  العدد  14194

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الصــومـال أصبحت منطقة للموت والعويل والنحيب وتوابيت الجثث والمقابر والدفن ولون الكفن والليل المتعب بالوهن والحذر وطاعون الجوع والموت، الصومال توضأت بالدمع والفاقة والعوز، النار شبت بأضلاعها، والجمر توقد، والماء يسقى على كدر، والموت مقبل، والفرح مدبر، والفناء يطوي الأجساد ويحبسها، والقبور تفتحت، والأبصار شلت، وطيور العقبان تواترت، والريح العتية الحارة زمجرت، لم تعد الصومال غانية ولا نخل، ولا غيم، ولا جدران، ولا ظل، ولا بشر، ولا سوسنة، ولا قدح ماء، ولا رمل شاطئ، ولا قوس قزح، ولا غصن، هي الفاجعة والخطر والصرخة والوجع والألم، جناحاها قد قصت، وبطنها قد عصرت، وظهرها قد انحنى، والهلاك في أثرها، هو الجوع يملأ الصومال ويحيل الأجساد هناك إلى شكل هياكل وصور مخيفة تشبه الكراسي العتيقة والخشب القديم ومراكب اليم الصدئة، هو العطش اللعين يقطع الأرواح ويحيلها إربا إربا، أغصان الأشجار هناك جرداء، لا سعفات النخيل تتمايل، ولا عصافير الفجر غنت، ولا العشب نمَا، ولا دالية العنب كبرت، ولا أناقة الغيمة عبرت، ولا القنديل صار قنديل، ولا الناس صابها البشاشة والزهو، وحتى عتمت الليل هناك زادت وكبرت وأرخت سدولها، لا الشوارع هناك هي الشوارع، ولا البيوت هي البيوت، والمشاهد هناك طقوس جنائزية وسط ظلمة الليل البهيم والحال الكئيب، هو الجوع حين يهب يحيل الناس إلى انكسارات متأرجحة تسقط في التوابيت أو في الحفر أو في فيافي البيد الحارقة، هو الجوع حين يحل يصبح الموت مثل الطوفان، هو الجوع حين يجيء يخطف الأرواح ببطء شديد، ألا فاذرفي الدموع الحارة أيتها العيون وبنحيب مسموع يجلجل جدران البيوت المزدانة بالزجاج البلوري والفيروز وممرات الرخام والأصباغ الفاتنة والنمارق المصفوفة والطعام الشهي الملون والمال والجاه والصهباء والوتر، حتى يرتفع إلى عنان السماء، فغمامة الجوع والظمأ والموت والسواد غطت الصومال حتى صارت أنفاس الناس هناك متقطعة ولاهثة، وحتى الأجساد تهاوت دون حراك وتحول كل شيء هناك إلى صمت مطبق إلا من قطيع غربان تحوم فرحا من تراكم الجثث، وأصوات بوم قبيحة، ولص وفأس وعصابات غي، فورحمتاه لانكسار العيون هناك وذبولها ونحول الأجساد وتعثر الأقدام، وورحمتاه للشمس التي أعتمت في الظهيرة، وللشمعة النحيلة التي انطفأت حين اندفاع الريح، فهل نصلي ركعتين بسجدتين ولا ننام، ونرشق بعدها الجوع في الصومال حجرا حجرا حتى لا يتسلل انمل إلى أنوف الموتى ومخدع الأطفال وزريب النساء، وحتى يتوب الجوع من الأرض التي وصلت للحضيض، وأطفأت الظلمة هناك بريق الضياء.

ramadanalanezi@hotmail.com
 

أقدام الجياع تتعثر في الصومال!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة