Wednesday  10/08/2011/2011 Issue 14195

الاربعاء 10 رمضان 1432  العدد  14195

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من الحقائق الثابتة في تاريخ العالم الإداري والمالي والتي أكدتها معطيات ثورة العلم والتكنولوجيا أن الموارد البشرية أساس كل نهضة وتقدم في عالم اليوم.. ذلك أن النهضة لا تتحقق بمجرد الأموال والآلات والمعدات الحديثة.. فالدولة الغنية هي الغنية بمواردها البشرية..

فالعنصر البشري المؤهل المدرب القادر على العطاء هو القادر على دفع عملية التنمية الإدارية والمالية والاقتصادية.. وليست الموارد الطبيعية فقط.

وليس من شك أن التغيير السريع غير الرشيد إذا طاول القيادات الإدارية العليا في الأجهزة من الذين شاركوا في مسؤولية التطوير الإداري والمالي والتنموي وتحقيق المناخ الذي يؤدي إلى نتائج إيجابية طيبة مع تقلّد القائد الإداري الجديد منصبه سيترك آثاره السلبية على الجهاز الإداري بأكمله، مما يقلل من أداء ذلك الجهاز وقدرته على خدمة المواطنين، نظراً لأن تغيير هذه القيادات تم من دون دراسة متأنية، وكثيراً ما يكون الغرض منه تصفية حسابات معينة أو اعتماداً على معلومات مبنية على الظن أو السماع.

ولا شك في أن هذه الظاهرة أصبحت لها انعكاسات سلبية عدة على الجهاز الإداري والاقتصادات الوطنية في العالم العربي، الأمر الذي يستوجب وضع ضوابط تضمن تحقيق التوازن بين حق القيادات الجديدة في إجراء التعديلات الضرورية حسب مرئياتها لضمان حسن سير العمل وانتظامه وتحقيق الأهداف المنوطة بها، وبين توفير العدالة لقيادات الصف الثاني وغيرهم من المرؤوسين، وذلك بعرض الأمر على لجنة وزارية تعالج مثل هذه الحالات معتمدة على أسس موضوعية وحقائق لها أصل ثابت في ملفات خدماتهم، حتى لا تصفى قدرات البعض وتشوّه صورتهم، وبهذا تحقق المصلحة العامة من دون إهدار لحقوق قيادات أدت دورها في خدمة الأوطان، ويجب أن تنال الثناء المستحق من الرعاية والتكريم ولا يكون جزاؤها العقاب من دون جريرة ولا ذنب، وعلى الجميع الاندماج في المشروع الوطني لتحقيق ما يصبون إليه من أهداف لخدمة الأوطان والمواطنين.

إن السياسة التي تعتمد على تغيير قيادات الصف الثاني في شكل سريع ومن دون نقص للحقائق في شكل عقلاني موضوعي وصدور القرارات بالإحالة على التقاعد أو النقل أو الإبعاد... من دون دراسة منطقية عادلة سيكون لها بلا شك مردود سلبي على الجهاز الإداري وهو الخاسر الوحيد، ليصبح ضحية قرارات إدارية غير رشيدة وغير مدروسة، وبالتالي تسوء الخدمات التي تقدمها تلك الجهات وتكون عرضة للتدهور والانهيار أمام موجة عارمة من التعارض والتنافس والنزاع والصراع وخلق أجواء التوتر والقلق بين القيادات الإدارية، والتي كان من الأجدر بها أن تولي جلّ اهتمامها وتركيزها على نموذج العمل الجماعي للإدارة وأسلوب المشاركة في جميع المستويات الإدارية والمالية في الجهاز الإداري تطبيقاً للإدارة الحديثة في العمل، واتباع أسلوب القيم الوظيفية والإدارية الإيجابية، وفي مقدمها العدالة والأمانة وهما الصفتان المميزتان لرجل الإدارة الذي يدعم ويشجع الكفء المخلص ويعمل على تحفيزه لجده ونشاطه وتفانيه في عمله، ومحاسبة المهمل والوصولي والفاسد.

إن القائد الإداري الناجح حتى وإن بدأ من نقطة الصفر، إذا كان لديه رصيد في أصول القيادة الإدارية فإنه سيحقق النجاح تلو النجاح من خلال إيجاد الحلول للمشكلات من دون أن توقفه العقبات، ويعمل على قلب الأمور المستحيلة إلى أمور ممكنة كما يقول نابليون (ليس هناك شيء مستحيل)، خاصة إذا استفاد من تجارب النجاحات السابقة في الإدارة بأسلوب إداري دقيق، وأخذ بأسلوبها، بل وإمكان تطويره.

المهم أن معظم أجهزة الإدارة، إن لم تكن كلها خصوصاً جهات الخدمات في الوطن العربي، اعتراها الترهل والجمود الإداري فعلى مدى عقود متتالية تضخمت تلك الأجهزة في إدارتها وأقسامها وعدد موظفيها وغاب عنها التنظيم الإداري والمالي الذي يجب أن يكون مصاحبا لتضخم حجم تلك الجهات مركزا على بيان الهياكل التنظيمية، والتدرج الهرمي والالتزام بالقوانين والأنظمة واللوائح والبعد عن البيروقراطية (العفنة)، ولذا فان عدم التوفيق أحيانا في اختيار القيادات الإدارية الفعّالة والدقيقة في التنفيذ، التي تملك البداهة والمبادرة في اتخاذ القرارات الرشيدة القادرة على تحويل الفشل إلى نجاح، الأمر الذي يدعو إلى القلق الشديد، بل وينذر بخطر يجب تداركه قبل فوات الأوان.

إن الإدارة النشطة المتجددة هي الأسلوب المنطقي الذي تستمد منه التعديلات والتحسينات في القيادات الإدارية حياتها... ومن هنا، إذا كانت الضرورة تقتضي التعديل في قيادات المناصب الإدارية العليا فإن منطق الأمور يؤكد أن التعديل يصبح ضرورة تقتضي التغيير لتحقيق الأهداف التي يحمل أمانتها الوزير المكلف الذي تتوافر فيه شروط الصلاحية والكفاية والعزم والحزم والمرونة، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا تكن لينا فتعصر ولا يابسا فتكسر).

ولذا لا بد لنا في الوطن العربي من أن نُبعد وهم كون الذين قذفت بهم الأقدار ليحتلوا مواقع متقدمة في الهرم الإداري هم بالضرورة رجال استثنائيون أوتوا القدرة الفائقة على سياسة الآخرين وتزعمهم لأمتهم ويملكون (كاريزما) قيادية منفردة، لم تلد النساء مثلهم وهم الأقدر والأكفأ لا يمكن الاستغناء عنهم، وكأنه زواج كاثوليكي عقد بينهم وبين الوزارة أو الهيئة التي يديرون دفة أمورها.

إن هذا منافٍ تماماً لما تفعله الدول المتقدمة التي تطبق أصول الإدارة الحديثة علماً وفناً، وقامت بتنظيم أجهزتها الإدارية والمالية والاقتصادية وحددت الاختصاصات الوظيفية من قاعدة الهرم الإداري إلى قمته مستخدمة الأسلوب العلمي في التنظيم والإدارة، وقامت بتقسيم الوزارات والهيئات طبقا للخدمات التي تؤديها، جهات للسيادة والخدمات والتنمية وغيرها بصورة متكاملة وحددت اختصاصات القيادات الإدارية في قمة الهرم الإداري وصولا إلى موظفي قاعدة الهرم.

تلك الدول المتقدمة حددت الأهداف لكل منصب إداري مطبقة الإدارة بالأهداف والنتائج، وبذا فإن وجود القائد الإداري على رأس عمله يستمد وجوده من إنجاز الأهداف والنتائج المتوقع أن يحققها بحكم منصبه، وإذا لم تحدد تلك الأهداف والنتائج التي يتوقع إنجازها خلال مدة محددة، فإن ذلك يعني أن المنصب لا ضرورة له، وما أكثر مثل هذه الإدارات بل الوزارات والهيئات في أجهزة السلطة التنفيذية في البلاد العربية.

ولذا فإن الوزير مثلا في دول الغرب يدخل الوزارة ويخرج منها دون أن يحدث أمرا جللا في ميدان التغييرات والتعديلات كما هو معروف في دولنا العربية لدى العامة والخاصة عن أفعال القائد الإداري التي قد تصيب أحيانا وتخطأ أحيانا كثيرة، ولذا فإن القائد الإداري عندهم هو من يرى ويفكر ويبدع ويدفع إلى العمل في سبيل المصلحة العامة.

ولأن أجهزة الإدارة في الغرب نالت نصيبها من التنظيم، فإن الرئيس الأمريكي السابق كلنتون في فترة رئاسته الثانية اختار كوهين وزيرا للدفاع في أعظم دولة قوة في عالم اليوم، وقد صرح كوهين في مقابلة مع CNN وقتها قائلا إنه تقاعد من عمله وفي فترة بحثه عن مكتب خاص له فوجئ بمن يطرق بابه ليخبره بأن الرئيس قد اختاره وزيرا للدفاع، أترون كيف يتم اختيار القيادات العليا في الدول المتقدمة؟ ثم لماذا تم الاختيار؟ إنه أولا جاء نتيجة دقة في التحري عن الرجل في كل المعايير التي تؤهله للمنصب !! ثم لأن الجهاز الإداري أصلا في أعلى صورة من صور التنظيم ودور الوزير في أغلب الأحوال هو تسيير دقة العمل دون أي تغيير إلى حد بعيد لأن دولاب العمل وسيره محدد سلفا ومعاونيه من الصف الثاني وحتى أصغر الموظفين على علم تام بمجريات سير العمل.

إن تلك الدول المتقدمة إداريا تبتعد عن تلميع بعض الأسماء وحصار المواهب وفتح الأبواب مشرعة أمام البدائل لضخ دماء جديدة في عروق أجهزة القطاع العام والشركات التي تمتلك الدول حصصاً فيها.

إن واجب القائد الإداري والمسئول الذي يدرك حجم المسئولية وثقلها أن يبذل أقصى جهده لحمل الأمانة التي حملها الله الإنسان فحملها بعد أن أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الاحزاب 72.

ولذا تبرز أهمية اختيار المسئول الذي يتحرى الصدق والأمانة والحرص على تحمل المسئولية فالتعيين في مختلف المناصب يحتاج إلى عناية ودراية خاصة، بل إن الدول المتقدمة تجعل هؤلاء وعائلاتهم طبقا للقانون تحت الرقابة وعند ارتكاب الخطأ لا يعفيهم منصبهم من الخضوع للقانون، وإذا تخلى من اختير عن تحمل الأمانة وجبت محاسبته لأنه خائن لأمانته، لم يحترم القوانين ولم يراع مصالح المجتمع، وقرب بالمحسوبية ربعه وأهله وعشيرته من أشكاله وكما يقولون، فالطيور على أشكالها تقع، فالفاسد يبحث عن الفاسدين أمثاله.

وعلينا في ديارنا العربية نهج هذا الأسلوب المتميز في اختيار القيادات الإدارية إذا أرادنا السعي نحو الإصلاح وتطبيق مبدأ أن الخلود لله وحده في كل أمر!

رئيس مركز الخليج العربي للطاقة

والدراسات الإستراتيجية

dreidaljhani@hotmail.com
 

اختيار الوزير.. ليس كل المعادلة 2-2
د.عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة