Thursday  11/08/2011/2011 Issue 14196

الخميس 11 رمضان 1432  العدد  14196

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يكاد لا يمر يومٌ أو أسبوعٌ إلا وتتناثر على صفحات الصحف أو المجلات المحلية أو القنوات الفضائية أخبار وقصصٌ عن « قضايا السِّحْر والشَّعْوَذَةُ « تتفاوت حدتها وقسوتها وأضرارها ومرارتها من حالة إلى أخرى، وإن كانت تجتمع بالكلية تحت هذا الباب.

يتفنن السحرة والمشعوذون في طرائق سحرهم، وأساليب حيلهم، وأدوات مكرهم، لا يتورعون عن استخدام كل أداة أو وسيلة، شِركية أو شريرة، لتلبيس ضحاياهم، وترويعهم، وصولاً إلى أغراضهم الدنيئة، ورغباتهم الشيطانية، سواء كانت مالاً أو عدواناً.

هذه السلوكيات والتصرفات الشاذة الإجرامية ذات أبعاد خطيرة، على العقيدة، والقِيم والمثل العليا والمقاصد الشرعية التي تحكم أخلاقيات المسلمين في تعاملاتهم البينية، وأدوارهم في هذه الحياة.

والسِّحْرُ أنواعه كثيرة، وأشكاله وطلاسمه عديدة، وهو كما جاء في قول الشافعي- رحمه الله- « اسم جامع لمعانٍ مختلفة « ومن ثمَّ فقد اختلفت عبارات الفقهاء في حدِّه وتأصيله اختلافاً متبايناً، ليس ها هنا المجال لبسطها أو الخوض فيها. ولكن لا بأس من إيراد بعضٍ منها لعموم الفائدة.

- هُوَ عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ، أَوْ يَكْتُبُهُ، أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ، أَوْ عَقْلِهِ، مِنْ غَيْر مُبَاشَرَةٍ لَهُ . وقد أورد فقهاء الحنابلة هذا التعريف في متونهم.

- اتفاقٌ بين ساحرٍ وشيطانٍ على أن يقومَ الساحرُ بفعل بعضِ المحرَّماتِ أو الشِّرْكِيَّاتِ في مقابلِ مساعدةِ الشيطانِ له وطاعتِه فيما يطلبُ منه. وهو من التعريفات الحديثة.

ومن الألفاظ ذات الصلة بالسحر: الشَّعْوَذَةُ: وهي كما جاء في تأصيلها الشرعي: خِفَّةٌ في اليد وأَخْذٌ كالسحر يُرَى الشيءَ بغير ما عليه أَصله في رأْي العين.

الكلام أعلاه مقدمة ضرورية قبل الحديث عن آلية مكافحته، وتنظيف فضاءات الوطن والمجتمع والناس من أدران السحرة والمشعوذين وأوساخهم وشركياتهم « .. وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ « « .. وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى « .

من حيث المبدأ قد يتفق معي الكثيرون على أنَّ هذه الآلية هي بعهدة وأمانة هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فهي الجهة المختصة المنوط بها ملاحقة أوكار السحرة والمشعوذين، ومداهمتها، وإبطال حيلهم وطلاسمهم. وللهيئة في ذلك جهود واضحة، وإنجازات متواترة، تُذكر فتُشكر، وهي محل تقدير من الكثير من الشرائح المجتمعية، حتى تلك النُّخب الإعلامية والفكرية التي لديها على وجه العموم رواسب نمطية عالقة عن الهيئة ورجالها، فقد أشادت واحترمت أدوار الهيئة في معالجة ملف السحر والشعوذة.

جهود ومبادرات الهيئة، ليست عفوية، أو اجتهادات فردية هنا أو هناك، بلْه هي جهود ومبادرات مؤسسية مبناها الدراسات والتخطيط، والتقعيد والتأصيل. وتبدو أبرز مؤشرات ذلك في الآتي:

بناء خطة إستراتيجية لمكافحة السحر والشعوذة، وهي خطة طويلة الأجل مُحكمة من جهات شرعية وأكاديمية تتضمن العديد من السياسات والبرامج بآليات تنفيذ وجداول زمنية محددة، منها برامج تحصين المجتمع وتوعيته: وتشتمل على مجموعة من الأنشطة والفعاليات للتعريف بالسحر وعلاماته وأضراره على الفرد والمجتمع معاً، وأخطاره وأخطار السحرة على الفكر والمعتقد السليم، وطبيعة الأعمال السحرية، وإبطالها بالطرق الشرعية، وتبيان الرقية بصفتها الشرعية المعتبرة، إضافة إلى برامج للتدريب لتأهيل المزيد من العاملين في الرئاسة، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم، للتعامل مع قضايا السحر والشعوذة، كما تتضمن الخطة برامج للتعاون مع الجهات ذات الصِّلة، وأبرزها: وزارة الداخلية ومنظومتها الأمنية، وهيئة التحقيق والادعاء العام، ومصلحة الجمارك، ووزارة التربية والتعليم، والرئاسة العامة لرعاية الشباب.

- افتتاح وحدات لمكافحة السحر في ديوان الرئاسة، وجميع فروعها، يعمل فيها المئات من المختصين في قضايا السحر والشعوذة الذين تمَّ تدريبهم وتأهيلهم لممارسة تلك المهام.

- إقامة دورات مبرمجة لاكتساب المهارات اللازمة في فن التعامل مع قضايا السحر والشعوذة. وتسهم كراسي الحِسْبة في الجامعات السعودية بفعالية في هذه المناشط.

- إقامة معارض دورية للتعريف بالسحر، تعرض لعينات من الأدوات المستخدمة في صناعته.

وبعد فهذا غيض من فيض، لجهودٍ ومبادرات متواترة تستهدف على الدوام التَّصدي بفعالية مؤسسية للسحر والسحرة والمشعوذين، ومداهمة أوكارهم الخبيثة، وإبطال طلاسمهم السحرية، وتحرير العديد من الأفراد والأُسر السعودية وغير السعودية من أذاهم وحيلهم وشرورهم. وخلال فترات زمنية قصيرة نسبياً أطاحت الهيئة بأكثر من « 2000 « من السحرة والمشعوذين كانوا يعيثون فوق ثرى ومساحات هذا الوطن العزيز فساداً وإفساداً.

كلمة أخيرة:

عنوان وموضوع المقال، وكتابته في هذا الوقت تحديداً، تمَّ على وقع الاستفزاز الذي أحدثه الجزء الرابع من المسلسل الاجتماعي « طاش ما طاش 18 « الذي يذاع حالياً على قناة mbc1 . ففي هذا الجزء عُرضت مشاهد وأقوال فيها إيحاءات سلبية على وجه العموم، ونوع من السخرية غير المحتملة، عن أدوار الهيئة في معالجة هذه الأدواء الخبيثة. وهي في تقديري تجاوزات واضحة ومكشوفة، وغير مبررة، تختزل جهود ومبادرات الجهة الوحيدة في المملكة المناط بها مكافحة السحرة والمشعوذين ببضعة مشاهد وأقوال بعيدة كل البعد عن المصداقية والشفافية والموضوعية. وأقرب إلى العبث غير المسؤول.

في المحصلة النهائية يأمل المتابعون لهذا المسلسل الاجتماعي الجماهيري الحرص مستقبلاً على تبني الأفكار والنصوص والرؤية التحليلية التي تخدم قضايا المجتمع وهمومه، بطابع كوميدي يتيح للجميع الاستمتاع والفائدة، ولايسهم في إيصال رسائل خاطئة هنا أو هناك.

من مأثور الحِكم: إنَّ العواصف والثلوج تُفني الزهورَ ولكنّها لا تُميت بذورَها.

 

جهودٌ ومبادراتٌ لاتحتمل السخرية والعبث
د. عبدالمجيد محمد الجلال

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة