Friday  12/08/2011/2011 Issue 14197

الجمعة 12 رمضان 1432  العدد  14197

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

عزيزتـي الجزيرة

 

المهندس «الحمدان» في تعليق على ما طرحه السماري:
«المثلث التنموي» لمحافظة المجمعة سيؤهلها لتكون منطقة اقتصادية حرة في المستقبل

رجوع

 

أثارمكامني ما تناوله الكاتب عبدالعزيز السماري في موضوعه بعنوان « أخطار الكثافة السكانية في المدن والقرى الصحراوية « المنشور في صفحة الرأي بتاريخ الاثنين 1 رمضان 1432هـ العدد 14186بهذه الصحيفة الغراء، حيث تطرق إلى جوانب هامة وذات تأثير كبير في أسلوب إدارة التنمية العمرانية المتوازنة والمستدامة عندما أشار إلى ضرورة توافر المقومات الأساسية في التجمعات العمرانية المستهدفة بالتنمية، وهو أمر في غاية الأهمية بل إنه يعتبر حجر الزاوية في إستراتيجية بناء هيكل التنمية سواء العمرانية أو القطاعية. إلا أنني وددت أن أشير إلى جانب آخر من الموضوع وبزاوية أبعد من منظور تخطيطي واستراتيجي قد يختلف مع بعض ما طرحه الكاتب الذي يرى - على حد قوله - « عدم جدوى توجيه التنمية إلى المناطق الصحراوية وإنشاء مدينة سدير الصناعية عطفا على ضعف مواردها الطبيعية، وكذلك وصفه لسكان القرى والمدن الصغيرة بأنهم منغلقون ومتشددون وجامدون وذوو طباع قاسية وكئيبة ويطالب بتشتيتهم إلى السواحل لتحسين سلوكياتهم... الخ». وهذا ما دفع بي إلى أن أتساءل عن ماهية الأسس العلمية التي اعتمد عليها الكاتب في إطلاق هذا الحكم القاسي تجاه المدن الصغيرة والمتوسطة وساكنيها وسلوكياتهم ؟ وماهي المعايير التخطيطية التي اعتمد عليها في عدم جدوى تنمية هذه الحيزات العمرانية بشكل مطلق ؟. نعم قد تكون الموارد الطبيعية لهذه المدن غير كافية، ولكن لا يعني ذلك تجاهلها وإهمالها وتهجير سكانها في نفس الوقت الذي يعتبر فيه المخططون أن تنمية المناطق الصحراوية بات ضرورة حتمية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة على المستوى المحلى والإقليمي والوطني من خلال تطوير الأنوية الحضرية القائمة وإنشاء المدن الجديدة أو مدن التوابع التي تعتبر أداة فاعلة لتحقيق استدامة التنمية من خلال الانتشار المركز Concentrated dispersion للتجمعات السكانية.

لن أتطرق للجانب الاجتماعي - الذي ذكره الكاتب - وسأترك مناقشته للمتخصصين في هذا المجال، ولكني سأركز على الجانب العمراني في مداخلتي هذه، وما أريد قوله وتصحيحه هو أن هذه التجمعات العمرانية الصغيرة هي جزء أساسي من تركيبة التدرج الهرمي لأي مستوطنات بشرية على وجه الأرض وهي النواة الأساسية لأي تجمع عمراني. وبدونها لا يمكن أن تتحقق معادلة البناء الحضري واستدامته. بل إن إدارة التنمية في الألفية الجديدة ذهبت إلى أساليب ورؤى خرجت عن نمط التفكير التقليدي في إدارة العمران، حيث باتت فلسفة المقومات الأساسية ومفهومها مختلفا عما كان عليه خلال القرن الماضي فالموارد الطبيعية لا يختلف اثنان على أنها محور التنمية وأساس نشوئها، إلا أن هذه الفلسفة طرأ عليها نوع من التغيير لدى العديد من المهتمين بحقل التخطيط العمراني. فكل مدن العالم اليوم باتت تعتمد على « الطاقة « كمشغل رئيس للاستفادة من أية مقومات طبيعية لتلبية الطلب المتزايد والمضطرد على الاحتياجات الأساسية للسكان، ولم يعد بمقدور الموارد الطبيعية البكر وحدها أن تلبي هذا الطلب على الخدمات والمنافع دون توظيف التقنية « الطاقة « كوسيلة للاستفادة منها وتكريرها وتقديمها كمنتج، والأمثلة العالمية كثيرة لمدن فقيرة تعاني من الانهيار الاقتصادي وهي تطل على أنهار وموارد طبيعية لا حصر لها، في المقابل ثمة نماذج عالمية أيضا لمدن تحتل مكانة اقتصادية أولى رغم أنها لا تمتلك موارد طبيعية كافية. الجدير بالذكر أن هذا التطور في مفهوم مصادر الإنتاجية أدرج الطاقة كأحد أهم مقومات التنمية الأساسية بل تجاوز في التصنيف المعياري المقومات الطبيعية في كثير من الأحيان ، وشجع ذلك على استخدامها كبديل للموارد الطبيعية لتحقيق مبادئ التنمية المستدامة وذلك بتوزيع معادلة التنمية والانتشار السكاني، وهذا ما تبناه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية un-habitat، وقد نص البند الثامن من الأهداف الإنمائية للألفية الجديدة (MDG) على « تنفيذ استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة ابتداء من عام 2005 م وذلك للحد من آثار فقدان الموارد البيئية بحلول عام 2015 م «. كإحدى توصيات مؤتمر القمة العالمي عام 2000م والذي تم فيه إعلان أهداف الألفية وبموجبها حددت مجموعة من الأهداف الإنمائية ومؤشراتها الموازية. فالمشاريع التنموية ذات الميزة الإقليمية والوطنية التي وجهتها المملكة للمدن والقرى التي تشك« أنويه « متاخمة للمراكز الحضرية الكبرى كمراكز جذب للتنمية جاءت نتيجة إستراتيجية تنموية أقرتها خطط التنمية الخمسية، بالإضافة إلى أن الأدبيات التي تناولت الإطار النظري لإعداد الإستراتيجية العمرانية الوطنية اعتمدت على مناقشة الأسس النظرية والاعتبارات التي ترتكز على تحقيق أهداف التنمية الشاملة وصياغتها بحيث تتناسب مع أوضاع المجتمع العمراني المعني، كما أبرزت أن هناك ثمة نموذجين رئيسيين لتوجيه التنمية العمرانية على الحيزات الوطنية سواء في توجيه التنمية العمرانية على مستوى الحيز الوطني من أجل تحقيق التركيز الحضري في المدن الكبيرة من خلال توجيه السكان باتجاه المدن الصغيرة الواقعة على مقربة من المدن الكبرى، أو من خلال الانتشار الإقليمي المتوازن للتنمية العمرانية على الحيز المكاني الوطني. والمملكة قامت بدمج هذين البديلين من خلال نموذج ثالث يتمثل في خطط التنمية الخمسية واستراتيجيات التنمية الوطنية. وبقراءتنا لتاريخ تخطيط المدن سوف نستنتج أيضا أن ثمة نظريات مثل نظرية المكان المركزي Central Place Theory (لوالتر كريستالر W. Christallar) جاءت أيضا لدعم مفهوم توزيع المدن على سطح الأرض وفهم العلاقة بين أحجامها وتباعداتها بما يراعي أهمية التدرج الهرمي للتجمعات العمرانية وانتشارها بشكل متوازن وعادل.

وإذا ما تناولنا « محافظة المجمعة « على سبيل المثال سنجد أنها من أعرق التجمعات العمرانية في تاريخ نجد، وكانت من ابرز المراكز (التجارية والإدارية والثقافية) وساهمت وبشكل كبير في تشكيل البناء العمراني لإقليم نجد على مراحل تطوره التاريخي، وشكلت قاعدة إدارية هامة مارست من خلاله دورا رئيسا في منظومة العمل السياسي الداخلي للمملكة. إذا فنحن نتحدث هنا عن عوامل رئيسة منحت هذه المحافظة الريادة عبر التاريخ. ومن خلال تحليلنا لمحافظة المجمعة من منظور عمراني سوف نستنتج أنها تمثل نموذجا عمليا لمخرجات التخطيط على مستوى الإدارة الإقليمية وإعادة هيكلتها بما يحقق تطوير الإدارة المحلية للمدن المتوسطة والصغيرة وتحقيق اللامركزية، باعتبار أن محافظة المجمعة ستكون هدفا رئيسا للتنمية عند استكمال مثلثها الاقتصادي ذي الميزة النسبية، والذي يتضمن « مدينة سدير للصناعة والأعمال « و « جامعة المجمعة « و « محطة سكة القطار «، تلك المشاريع الإقليمية التي تشكل « مثلثا تنمويا « كانت نتيجة قرارات تنموية من مخرجات الأطر التنفيذية للإستراتيجية العمرانية الوطنية التي أكدت على دعم تنمية المدن الثانوية (المتوسطة والصغيرة) بهدف توزيع التنمية على الحيز العمراني ومعالجة التباين المكاني Inequality Spatial بصورة مقننة ومتوازنة وللتقليل من التأثيرات السلبية للمراكز الحضرية الثلاثة (الرياض وجدة والدمام) والتي تحوز على نسبة تتجاوز 65% من التركز الحضري للسكان على مستوى المملكة. إذا هذا المثلث الاقتصادي لمحافظة المجمعة سيمنحها الأولوية - كقطب نمو على المستوى الوطني - في جذب المشاريع التنموية على المستوى الإقليمي والوطني حتى عام 1450هـ وسيقدمها كسوق اقتصادية حرة - غير ساحلية - بمفهوم جديد ومتطور ومغاير لنمط الأسواق الاقتصادية التقليدية. وسوف يكسبها وظيفة تنموية واقتصادية تتجاوز نطاقها الإقليمي وستمنحها مساحة أكبر كشريك رئيس في الناتج الوطني، بالإضافة إلى ما تحظى به محافظة المجمعة من مقومات أخرى تكمن في مواردها الجيولوجية في باطن الأرض، و موقعها الاستراتيجي على مستوى شبكة النقل الإقليمي والوطني، ومتاخمتها لطريق الرياض - القصيم السريع وطريق الملك عبدالله الدولي، وعلاقتها الجغرافية بالعاصمة الرياض، وما تمتلكه من نمط متوازن ومستقر للانتشار السكاني على مستوى التجمعات العمرانية المحيطة بها وتصنيفها كقاعدة إدارية فاعلة، كما أنلمخطط الاستراتيجي الإقليمي لمنطقة الرياض جاء ليؤكد أيضا على هذا التوجه التنموي بإقرار مراكز نمو رئيسة متاخمة للعاصمة الرياض تقع محافظة المجمعة ضمن محورها الشمالي تفعيلا لمفهوم أقطاب النمو Growth Pole. مما يبرهن أن توجيه التنمية لمحافظة المجمعة بني على أسس علمية وإستراتيجية تنموية ذات أهداف بعيدة المدى أخذت في الاعتبار جميع المدخلات والمخرجات التنموية والأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما يؤهلها إلى أن تمارس دورا فاعلا في دعم التنمية الريفية بالمناطق المحيطة وبناء المنظومة الاقتصادية بتركيبتها الحضرية والريفية والمساهمة في تفعيل محاور التنمية العمرانية Development Corridors من أجل تحقيق التنمية المستدامة وفق التسلسل الهرمي لحجم التجمعات العمرانية بمنطقة الرياض.

خلاصة القول: إن المدن الصغيرة والمتوسطة - مهما كانت مقوماتها الأساسية - ستبقى ذات عمق استراتيجي هام، وعنصرا فاعلا في منظومة التنمية الإقليمية Regional Development، وأفضل مكان صالح للعيش توفر به مقومات جودة الحياة بعيدا عن المشاكل الحضرية، وسيظل سكانها مصدرا رئيسا للكفاءات البشرية والعلماء والمفكرين والأدباء ، وسوف يتباهون بأن مدنهم الصغيرة هذه هي النموذج الأمثل في المحافظة على «القيم « و» المثل العليا « و» أخلاقيات التعايش «و«الترابط الاجتماعي»، وسيفخر أبناؤها وبناتها بانتمائهم لها، وسيواصلون العمل على تنميتها وتطويرها وبناء مستقبلها - مهما كانت التحديات - وذلك بما يوفر حياة أفضل لأجيالها القادمة حتى وإن كانت هذه المدن الصغيرة في قلب الصحراء، وحتما لن يقبل احد منهم تشتيتهم إلى السواحل مهما كانت البدائل، وسيأخذون على عاتقهم المضي قدما بمدنهم نحو مستقبل مشرق، في معادلة تتجاوز أبجديات التنمية، لا يستشعرها إلا من تعايش معها. إنها فلسفة انتماء بين الإنسان والمكان.

المهندس/ بدر بن ناصر الحمدان

متخصص في علوم التخطيط والتصميم العمراني وإدارة المدن - رئيس بلدية محافظة المجمعة

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة