Monday  15/08/2011/2011 Issue 14200

الأثنين 15 رمضان 1432  العدد  14200

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قبل بضع سنوات كان يحرم على الطالب والطالبة السعودية الدخول للمدارس الأجنبية، وكان الجميع ملزماً بتلقي التعليم باللغة العربية، لكن يظهر أن شيئاً ما حدث خلال فترة زمنية وجيزة، فقد تم التساهل في انتظام الطالب والطالبة السعودية في المدارس الأجنبية، لكن الأخطر من ذلك أن المدارس الأهلية أصبحت تعلن أن لديها منهجين للتعليم أحدهما يُطلق عليه المنهج السعودي والآخر المنهج الأمريكي أو الأجنبي، والفارق بينهما لغة التعليم و التكلفة المادية؛ فالأمريكي يكاد يكون ضعف تكلفة المنهج السعودي، وبالتالي صار المنهج الأمريكي أو الأجنبي حكراً على أبناء الذوات أو الطبقة الثرية، بينما يبقى المنهج السعودي لأصحاب الطبقات الدنيا والمتواضعة مادياً في المدارس الحكومية.

هذا النهج يُعيد للذاكرة ما حدث في بعض البلاد العربية في أزمنة مضت، فأبناء الباشوات الذين درسوا في المدارس الأجنية كان يحضون بالمناصب والوظائف العليا لأنهم يتحدثون اللغة الفرنسية أو الإنجليزية ببراعة، بينما يتم إقصاء أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة عن تلك الوظائف لحجة عدم إجادتهم للغة الأجنبية، وبالتالي يصبحون عنصراً بشرياً رخيص التكلفة لملء فراغ الوظائف الصغيرة، وكان في ذلك ظلم اجتماعي وفصل عنصري وترسيخ للطبقية، كانت عاقبته في النهاية انتصار الشاويش.

ما يحدث في المجتمع السعودي من نظرة سلبية لمنهج التعليم المحلي هو الهجوم المبرر واللامبرر على مناهج التعليم الرسمية، وبرغم من حركة التطور التي حدثت في المناهج التعليمية، إلا أن الموقف منها لم يتغير، وكانت النتيجة ازدهار سوق المنهج الأجنبي، وقد يؤدي تكاثر أعداد الملتحقين بالمناهج الأجنبية إلى ظهور أجيال تجهل ثقافة المجتمع و تفتقر إلى أبجديات التعامل مع مشكلات المجتمع، ولنا أن نتساءل عن سبب السماح للمدارس الأهلية بتقديم مناهج أمريكية أو أجنبية، وهل هو اعتراف بسوء وعدم كفاءة التعليم باللغة العربية أم هو متطلب لبعض الأسر الثرية التي قد تفكر في يوما ما للانتقال أو الهجرة للغرب، أم أن هناك نية لوضع شروط ومواصفات محددة تحصر فرص التنافس على فرص العمل في فئات معينة، وبالتالي يصبح سعر المنهج الأجنبي يتناسب مع الضمان الوظيفي في المستقبل، بينما لا يضمن التعليم باللغة العربية مستقبلا آمنا لأبناء الوطن من الأسر التي إما تؤمن بتلك بحتمية العلاقة المباشرة بين الجذور والهوية والتعليم باللغة العربية، أو تلك غير القادرة على تحمل تكلفة المنهج الأجنبي.

ما حدث من فتح أبواب لتجارة المناهج الأجنبية هو في حقيقة الأمر يدخل في باب عدم المساواة بين أبناء الوطن، ناهيك عن تعارضه مع النظام الأساسي للحكم والذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد، وبالتالي يجب إخضاع مختلف الفعاليات التعليمية والعملية للغة الرسمية، وفي ذلك إحقاق للعدالة والمساواة بين أفراد المجتمع في فرص التعليم والعمل، كذلك ترتبط الوطنية باللغة ارتباطاً إستراتيجياً، فكلما اتسعت دائرة التفكير والإبداع باللغة الأم إزداد الارتباط بالهوية والوطن، والعكس صحيح، فما يحدث الآن من اعتماد للغة الأجنبية هو دعوة للهجرة والبحث عن العمل خارج الوطن، وقد تكون الصورة أوضح في حالة الهند والفلبين واللذين يعتبران من أكبر المصدرين للثروة البشرية، بينما ذلك ليس صحيحا في حالات اليابان والصين وكوريا الجنوبية، والسبب اعتماد لغتهم لغة للعلم والفكر والأدب.

تظهر علامات الاستلاب على بعض الأسر السعودية التي قررت مبكراً الهجرة العقلية، وذلك عندما اعتمدوا اللغة الإنجليزية لغة للأسرة في أعمالهم و حواراتهم العائلية، وفي ذلك نفي ونكرات للذات المبكر، وبتلك الخطوة أصبحوا جاهزين للانتقال إلى عالم آخر أكثر انعزالاً من أبناء الغالبية في المجتمع الذي شاءت أقدار أبنائهم أن يتعلموا في المدارس الحكومية، وبالتالي أصبحوا في الصفوف الخلفية في طوابير البحث عن وظيفة، أو أن يضيع مستقبلهم مثلما تاهت أوراق مدرسي اللغة العربية في أدراج وزارة التربية والتعليم..

لست أدعو من خلال هذه المقدمة أن يتم إدخال المنهج الأمريكي بدلاً من المنهج السعودي في المدارس سواء كانت حكومية أو أهلية، ولكن أكتب لأجل توحيد المنهج التعليمي في مختلف المدراس وأن يكون التطوير من خلال اللغة الرسمية، وبالتالي تختفي ثقافة الانعزال التي ستؤدي في حال استمرارها إلى ارستقراطية تدعمها مواصفات جودة المنهج الأجنبي، ودونية علامتها مقاييس تواضع المنهج العربي السعودي، ولا بديل عن التحرك سريعاً قبل فوات الآوان، وقبل أن يصبح ولاء فلذات أكبادنا حصرياً لثقافة وسمو العم سام..

 

بين الكلمات
التعليم بين شعبوية المنهج السعودي ونخبوية المنهج الأمريكي..
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة