Monday  15/08/2011/2011 Issue 14200

الأثنين 15 رمضان 1432  العدد  14200

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

في الحياة قاعدة عامة لا يمكن إنكارها. الذي يقوم بالمهمة الأصعب في أي إنجاز بشري يكون عادة هو أقل المستفيدين ماديا ومعنويا منه. المستفيدون الكبار يكونون دائما من يؤدون الجزء الأسهل ومن يخطفون الإنجاز من صاحبه ويسوقونه للناس. صنعة التسويق تكون عادة مجرد وسائل احتيالية إما بالكلام الفخم والمعسول، أوبالتزويق في مظهر البضاعة وطريقة عرضها، بينما كان الإنجاز الحقيقي جهدا فكريا أوجسديا مضنيا، ولكن الذي يجني ثماره هو المسوق وليس مبدع الإنجاز أوالذي تعب من أجله.

في عالم الفلاحة والزراعة يكد الفلاح من بداية حرث الأرض وتسميدها وبذرها حتى تنضج الثمار بعد شهور من الشقاء ثم يجلبها إلى المدينة قيتلقفها منه المسوق بالجملة والمفرق بتراب الفلوس ويبيعها بالفلوس الحقيقية. الفلاح له الشقاء والبكاء، والمسوق له النعيم والانشراح.

في عالم الطب يتعامل المتخصص في الأمراض الباطنية على سبيل المثال بتفحص الناس عن قرب والتحديق في حلوقهم ومداخلهم ومخارجهم وسبر روائحهم وأنفاسهم فيتعرض يوميا عدة مرات لأخطار العدوى، لكنه رغم مردوده المادي الكافي لا يصل إلى كسر بسيط مما يكسبه استشاري العيون من تشطيب قرنية واحدة في دقائق، أوطبيب أسنان من عمل ساعة واحدة في فم مريض واحد. في طب الأسنان لا يحصل المتخصص في القسم العلاجي (التعامل مع الخراريج والالتهابات والحشوات الخ) من المردود المادي على كسر بسيط مما يحصل عليه زميله في القسم التجميلي من طب الأسنان (تقويم، تبييض، تجميل ابتسامة الخ) رغم الفارق الكبير في الجهد والتعامل المباشر مع مصادر الأخطار الصحية. كذلك الأمر في طب الجلدية يظل المتخصص في علاج الأمراض الجلدية الحقيقية والمعدية ليس ضالعا في عالم الثراء، لكن زميله المتخصص في صنفرة البشرة والشد والترقيع والشفط والنفخ يصبح مليونيرا في سنة واحدة.

هكذا تسير الأمور أيضا في عالم الرياضة والطرب والرقص والاستعراض وكل ماله علاقة بالجسد وقليل الصلة بالعقل والتفكير، المسوق يكسب.

هل هذه طبائع كل الأمور الدنيوية؟. يبدو الأمر كذلك بالفعل. لكن ماذا عن الروحانيات وأمور العقيدة والتقوى والصلاح وتقريب قلوب الناس إلى الله؟. شخصيا لا أعتقد أن الأمور تسير بطريقة مختلفة. كبار علماء الفقه والحديث والتفسير والباحثون المتبحرون في علوم الشريعة وفقه العبادات والمعاملات، أي أولئك العلماء الحقيقيين المنصرفين إلى الله بنيات أعمالهم، هؤلاء يندر أن نجد بينهم من يكون غارقا في نعيم الدنيا وتفوح منه روائح الفخامة والرفاه والعيش الرغيد. مع فارق القدر والمكانة، هؤلاء العلماء الأجلاء لا يختلفون كثيرا في مبدأ الجهد ومردوده عن الفلاح الذي يعرض محاصيله في السوق ليختطفها منه المسوق بتراب الفلوس.

لكن هل للبضاعة الشرعية المزجاة نية وعمل إلى الله تعالى مسوقون؟. نعم، لها مسوقون. الأشخاص الذين يتقافزون من محفل إلى محفل ومن فضائية إلى أخرى ومن ندوة إلى الندوة التالية ويقبضون عشرات الآلاف وبعضهم مئات الآلاف من الريالات عن محاضرة واحدة لا تزيد عن ساعتين، هؤلاء هم المسوقون. للمقارنة لا يوجد استشاري في جراحة القلب أوالدماغ يصل راتبه الشهري إلى ما يكسبه بعض هؤلاء المسوقين في ساعة واحدة.

اللهم لا حسد لهم على ما يجنونه من الأموال والثروات والعيش الرغيد، لوأنهم فقط لايروجون لأنفسهم عند البسطاء والسذج بالإيغال في التصنيف والتبغيض والتكفير وتفتيت الأمة إلى فرق ومذاهب. ليتهم يتنعمون بصمت بما يجنونه من ظروف الزمان والمكان ودون ضجيج إعلامي يجلب إليهم الأنظار والأنوار التي تجعلهم يتلامعون في الفضاء الإعلامي فيزدادون افتتانا بأنفسهم.

 

إلى الأمام
ألا إن نجوم التسويق هم الكاسبون
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة