Tuesday  16/08/2011/2011 Issue 14201

الثلاثاء 16 رمضان 1432  العدد  14201

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

طفلة سورية صغيرة في وسط الشارع تبكي بحرقة شديدة وألم مفجع تناقلتها جل الفضائيات، رشقتني بوابل من الحزن سرت في قلبي، وتسللت إلى مخدعي باعثة رعشة كبيرة تشبه تيار الكهرباء، لقد خفق بصري وانثنى، وتأججت حركة غريبة في أطرافي، حتى أصبحت مثل

التلال الوعرة، والأغصان اللاتفة على بعضها، ومثل طيف الشمس المتقلب، والطقس المتغير، أو كمثل صعلوك بكى من زمن تآمر عليه ولم ينصفه، لقد بات بعدها الأرق غذائي، والكمد نومي، ووميض الشك المخادع ينتابني، أيتها الطفلة الصغيرة، يا طوق الياسمين، ولون البنفسج، يا لصباح الندي، يالشمعة، يا عصفورة الفجر، يالمثقلة بالحزن والقتامة، حين يصبح الوعي الإنساني متحجرا داخل الغياب، والناس يتحولون إلى ذئاب بيد، ولصوص طرق، وخفافيش ظلام، وثعالب ماكرة، نتيجة الوقاحة وعهر البشر، يصبح هذا مصيرك صاعقا ومؤلما ومدهشا وغريبا، أو كمثل الإيقاع الهذياني المحموم، مراوحا بين التخفي في سراديب المخيلة الوحشية وذاكرة الوعي الإنساني المهجوس بالفجيعة، وبين الانكشاف على حقيقة الواقع المر وبدايته الغامضة، سهل أن نحزن، وسهل أن نبكي ونتشنج، وسهل أن ننسج من أصواتنا مواويل رثاء، وسهل أن نبني سقوفا رائعة للأيام الماطرة، لكن أن تتشرد الطفولة البريئة وتصيح في الطرقات بلا جدوى، وبيدين ممدودتين تشيران إلى أزمة التقويض والانهدام، وخضوعا لتحولات مفاجئة تتصادى فيها أجواء الرعب والغرابة والمحن، فعند هذا تبدو الحال في مجملها كأنها منقاد بمشيئة صاحب الهذيان والجنون والدوامة الكاسحة التي تأخذ العالم في مدارها الموار، نتيجة الرموز المبهمة والأجواء الكالحة، بعد هذا المشهد الفظيع الذي اكتسحني ورشقني بالهم والحزن والويل، لم يعد معي غصن رطب، ولا حبة زيتون، ولا وردة بيضاء، ولا فراشة ملونة، وكل الأشياء الجميلة ماتت بداخلي، ووددت أن أختفي تحت التراب، بعيدا عن الرخاء والنشوة والمتعة، هي الطفلة الصغيرة شاهدة على قدح الفراغ وهو يمتلئ بالدماء، هي الطفلة الصغيرة أصابها المطر الرمادي، وأحلام الغرباء، وليل القراصنة، والجنود الفاسدين البواسل، هي الطفلة الصغيرة شيء آخر مثل عش بلبل في أرض محمية لا يحق لأحد الوصول إليها سوى اللصوص الذين يعانقون الفجر، هي الطفلة الصغيرة تحاول أن تكتب اسمها وترسم حالها بين تقاطع الطرقات الأربعة أو على الرصيف الحارق، لكنها لا تعرف أول الحرف، ولا أول الهمهمة، فقط من بين شفتيها خرج سؤال: من ينمي حلمي بعد موت أبي وإخوتي وجدي؟

ramadanalanezi@hotmail.com
 

الطفلة الصغيرة التي رشقتني بالحزن!
رمضان جريدي العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة