Thursday  18/08/2011/2011 Issue 14203

الخميس 18 رمضان 1432  العدد  14203

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

صورة ترافق خبراً صحفياً يتحدث عن منع إحدى الطوائف الصومالية لإعداد (السمبوسة) التي اعتاد البعض على تناولها مع إفطار رمضان؛ بل إن مجموعات الشباب المتحمس هناك أصدروا فتوى بتحريمها بدعوى أنها تأخذ شكلاً مثلثاً وهذا بزعمهم فيه إيحاء بالشرك بالله سبحانه، ولو كان لي تعليق على الخبر لقلت: يا شباب الإسلام دعوا الجياع من ذويكم ومن بني قومكم يأكلون ما بيدهم مثلثاً أو حتى متوازي الأضلاع المهم أن يجدوا ما يسد رمقهم، لقد ضيقتم واسعاً، وحال جياع الصومال عندكم لا يسمح بمثل هذا التعاطي والتفنن بالفتاوى والبدع، الأطفال والنساء جياع ومرضى فاطلبوا لهم أي طعام وأجّلوا الفتاوى لحين التخمة.

موضوع سمبوسة الصومال ذكرني بموقف رمضاني آخر، أو هي صورة من التناقض، فقد كنت خارجاً من مأدبة إفطار رمضاني، والداعي كان كريماً إذ قدم أصنافا مما لذ وطاب حتى إني لم أتمكن من المرور على كثير من الأطباق، لأن ليس في جوفي سوى معدة واحدة، وفي الشارع وأنا أهم بركوب سيارتي شاهدت رجلاً اسمراً مسناً يكلم نفسه ويقلب يديه، وحباً في الخير في هذا المساء المبارك تقدمت إليه أسأله عما به وعن حاجته، وفهمت من كلامه أنه إفريقي دخل متسللاً للبلاد أغواه نفر من المستفيدين من تهريب العمالة, وأنه مريض وتصدق عليه محسن بقيمة كشف عند طبيب خاص في ذاك الحي وأن الطبيب نصحه بعدم أكل السمك والبيض، وعلمت انه يهمهم مع نفسه متعجباً من وضعه وموقفه الحرج، قال: أنا أتضور جوعاً والرجل ينهاني عن السمك والبيض وأشياء أخرى لو كانت بحوزتي لما شاهدتني على هذا الحال!! وعلمت من ذاك الشيخ الفقير (الهارب أو المهرب) أنه من الصومال وأنه اقتنع بفكرة الدخول غير النظامي لعله يجمع مالاً يمكنه من إيواء وإعاشة أطفاله وزوجته المريضة هناك، لكنه مصدوم من واقع الحال ونادم وناقم على من أغواه، صورة هذا لشيخ الفقير المريض آلمتني جداً بكل تفاصيلها حين أتخيل بداية فكرة قدومه غير النظامي والظروف المحيطة التي ولدت الفكرة لديه والأشقياء الذين مارسوا (عليه ومعه) النصب والاحتيال وسرقوا ما بين يديه من حفنة من مال آو دواب مقابل العملية فجنوا عليه وعلى أطفاله، فلا هو أفلح بمهمته ولا هو بقي ليعمل على إنقاذ أسرته من مخاطر محدقة بهم، هذه الصور المتتالية التي ترسمها مخيلتي عن أوضاعه المحرجة هنا وأوضاع من خلفهم في بلده، ذكرتني بأوضاع مزرية أكدتها لي صورة متلفزة عبر إحدى الفضائيات الخليجية وهي تنقل صورة حية لرجل صومالي كهل (بهيئة الرجل الذي شاهدته بعد المأدبة) وكان المشهد ينقل تفاصيل دفنه لخمسة من أطفاله، هلكوا جوعاً وأعياهم المرض وقتلهم الكمد وهم ينتظرون اجتماعات الهيئات الأممية والإقليمية التي تدرس كيفية وإمكانات إغاثة هذا الشعب البائس وكأنه ظهر للتو جائعاً ولم يكن أمام أعينهم منذ بداية أزماته.

 

سمبوسة الصومال
علي الخزيم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة