Saturday  20/08/2011/2011 Issue 14205

السبت 20 رمضان 1432  العدد  14205

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

الإسكان والوحدات السكنية تشييداً وتوزيعاً
محمد عبدالله العمر

رجوع

 

أي الخيارات أفضل على المدى البعيد للدولة والأجيال القادمة هل التمليك للمواطن، أم السكن المجاني وقت الحاجة للوحدات تحت الإنشاء. أوالمزمع إقامتها..؟

التقديرات تقول: إن 70% من السكان في الوقت الحاضر لا يملكون سكناً، وأن عدد المواطنين الذين تقدموا بطلباتهم للصندوق العقاري يتجاوز ثلاثة ملايين شخص خلال شهر واحد طالبين القرض، وأن من المتوقع ارتفاع العدد إلى خمسة ملايين طلب بنهاية العام. وأن معدل النمو السكاني يزداد بنسبة سنوياً، وأن هذه المشكلة ستظل عقوداً والله أعلم. دون القضاء عليها رغم الجهود التي تبذل من قبل الدولة والجهات الخيرية يقابله أكثر من مليوني مواطن مسجلين في برنامج «حافز» بحثا عن وظيفة عمل هذا بخلاف العدد من البطالة المقنعة، ورغُم ما مرت به المملكة من طفرة تنموية قبل عقود ثلاثة وطفرة حالية ظهرت في تعدد وتنوع وضخامة حجم المشاريع والتوسع العمراني السكني والتجاري لم تشهدها المملكة من قبل.

المملكة دولة رَيْعية تعتمد في مواردها على النفط منذ نشأتها، يتأثر دخلها بمستوى العرض والطلب في الأسواق العالمية إنتاجاً وسعراً، نزولاً وصعوداً، واستقراراً للأوضاع الاقتصادية والأمنية بالمنطقة والعالم.

الدراسات الرسمية تشير إلى انخفاض متوقع 20% في حصة صادرات المملكة من النفط والغاز بحلول عام 2024 مع تصاعد نسبي في الطلب المحلي على استخدام النفط ومشتقاته (انخفاض في الإنتاج يقابله زيادة في الاستهلاك المحلي) ومع هذه المعادلة الصعبة وتلك المعطيات لا بد من وقفة تأمل ومراجعة لعدد من القرارات والسياسات ومعه يُطرح السؤال عن ماذا أعددنا من الخطط والإستراتيجيات البديلة لتلافي أية سلبيات محتملة -لا قدّر الله- باعتبار النفط سلعة ناضبة.

وعن موضوعنا الآن وهو الإسكان فإنه يجب الأخذ في الاعتبار الظروف والمتغيرات الطبيعية والاقتصادية والسياسية احتمالات نقص الموارد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي وكذا عدم الاعتماد على الانفاق الحكومي المحرك للنشاط الاقتصادي في السوق المحلية، أو كمشغل رئيسي للقطاع الخاص متذكرين ما حدث منذ عقدين ونصف من الزمن.

عندما مرت على المملكة كغيرها من الدول دورات اقتصادية تأثرت بالكساد، وتدني مستوى الدخل؛ نتيجة شح في الموارد المادية لانخفاض الطلب على النفط، والبتروكيماويات مما أحدث ركوداً اقتصاديا، ونتج عنه لجوء الدولة للترشيد في الإنفاق العام، وتقليص في اعتمادات الميزانية العامة، وتأجيل وإلغاء لبعض المشاريع الضرورية، من تعليمية وصحية وبلدية وغيرها رغم الحاجة إليها في ذلك الوقت، وصدرت التوجيهات بإيقاف صرف ما نسبته 30% من اعتمادات الميزانية، وما ذاك إلا ناتج عن خفض في كمية الإنتاج من النفط، وتدني الأسعار إلى أقل من (10) دولارات للبرميل لانخفاض الطلب العالمي.

إن المنح بالسكن وقت التوزيع فقط لمن هو بحاجة إليه طيلة فترة احتياجه له دون تمليك، سيكون محفزاً له ولأسرته إلى العمل، ودافعاً للبحث عن فرص للكسب بجد مع ترشيد في الإنفاق في محاولة للاستغناء عن الوحدة التي يشغلها، مما سيتيح الفرصة لمواطن آخر للاستفادة من هذه الوحدة التي شغرت بإخلاء الساكن الأول أو الثاني لها، كما أن بعضا من الساكنين لهذه الوحدات ستتغير أحوالهم ونظرتهم مع طموح البحث عن مسكن أفضل من حيث مساحة الأرض، ومسطحات المبنى والتصميم وعدد الغرف، والحي والمدينة مما سيكون سبباً مقنعاً للاستغناء عن هذه الوحدة والبحث عن بديل، كما أن تمليك الوحدة السكنية للمواطن قد يدفعه إلى التواني والكسل، بل والإحجام عن الالتحاق بوظيفة في غير المدينة التي يوجد بها هذا المسكن مع إمكانية تخصيص عدد من الوحدات لفرص التمليك لبعض الحالات التي ترى الجهات المعنية ملاءمة تملكيها مثل (ذوي الاحتياجات الخاصة).

{ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (32) سورة النــور، ومع حسن الظن بالله، فإن علينا أيضاً أن نأخذ في الحسبان بعد الإيمان بمغير الأحوال ومدبر تقلبات الزمان أن بعض من كانوا يملكون مساكن تؤويهم وأسرهم أصبحوا الآن في عداد المستأجرين، ومن كانوا من الموسرين أصبحوا من المعوزين والمعسرين، أو هم من نزلاء السجون، ومن كانوا يوظفون غيرهم هم الآن موظفون أو يبحثون عن وظيفة تؤمن لهم ولأسرهم مصدر دخل يعينهم على العيش الكريم، وأن من كانوا يدفعون الزكاة والصدقات والإعانات للغير هم الآن من الثمانية.. نتيجة ظروف طارئة غيّرت مجريات حياتهم المادية والاجتماعية هذا والعكس صحيح في بعض الحالات..

(فاعتبروا يا أولي الألباب).

وهكذا الدنيا لا تدوم على حال، ولنا في الحياة شواهد وعبر، فمن سوق الأسهم حيث الفائزون والخاسرون وضحاياه كثر إلى سوق العقار ومن أصاب فيه حظاً، وفي المقابل من أغلق مصنعه أو متجره أو باع مسكنه لظروف الحاجة المادية التي أعادته إلى نقطة الصفر. ومنهم من نشأ في يتم وفقر وفتح الله عليه فشق طريقه في الحياة بنجاح، ومنهم من ورث عن أهله وعاش في بحبوحة من العيش لفترة من الزمن غير أن القدر له بالمرصاد، وهكذا الحياة دواليك وسبحان الواحد جلت قدرته الذي يغير ولا يتغير.

ألم تر أن الفقر يرجى له الغنى

وأن الغنى يخشى عليه من الفقر

إن بقاء مشاريع الإسكان (ملكاً للدولة أصولاً ثابتة منظورة) لمواجهة أي ظروف مستقبلية تمنح للسكن فقط وقت الحاجة. (وبإيجار رمزي إثبات للجدية ولتغطية تكاليف الصيانة والترميم وحافز للاستغناء مستقبلاً)، ومن ثم تعود متى انتفت شروط الحاجة إليها أو أحقية البقاء فيها، أو تم استغناء الساكن عنها لتحسن ظروفه المادية، وأن هذا المواطن الشاب بعد أن ينهي دراسته أو تدريبه سيلتحق بوظيفة أو عمل حر سيحصل منه على دخل منتظم واستقرار اجتماعي، وأن هذا المواطن الذي يعاني مادياً في الوقت الحاضر أن الله سينعم عليه وسيتحسن وضعه خلال سنوات لاحقة بإذن الله، ذلك أفيد للدولة وأجدى على المدى الطويل.

كما سيساهم ذلك في التوطين وإيقاف النزوح إلى المدن، والحد من البطالة أو الهجرة إلى غير مقر الإقامة الأصلية، حيث إن توفر السكن في أي من المدن والقرى يمثل عنصراً جاذباً وأساسياً في استقرار الحياة الاجتماعية للمواطن والأسرة تبعاً للمتغيرات والظروف.

إن الخطأ الذي حصل قبل سنوات الناتج عن قرار تمليك الوحدات بمشاريع الإسكان التي تم تشييدها في ذلك الوقت قد أفقد الدولة القدرة على التدخل، ولو أن هذه الوحدات ظلت ملكاً للدولة لتمكنت من الاستفادة منها للتخفيف من حدة الأزمة الحالية، هذا وينطبق ما تقدم ذكره على مشاريع الإسكان الخيرية والتنموية.

هذا ويحسن التركيز على بذل كل جهد ممكن لتمكين قطاع المقاولات الوطني، وكذا الصناعة الوطنية من أخذ الفرصة الكاملة للحصول على نصيب الأسد من مشاريع الإسكان بمرافقها وخدماتها مع متابعة جادة من الجهات المسؤولة على المقاول والاستشاري بما يحقق تنفيذ توجهات الدولة من خلال التأكيد على استخدام المنتجات والمواد المحلية الصنع قدر المستطاع مع التوسع في إقامة مصانع الخرسانة الأسمنتية مسبقة الصنع اختصاراً للزمن وحفاظاً على الصحة العامة والبيئة، ووفراً في المواد وعدد العمالة واقتصاداً في التكاليف.

ولا شك بأنه لن يغيب بإذن الله عن ذهن المسؤولون الاستفادة من التجربة في إنشاء مشاريع الإسكان السابقة في إيجابياتها وسلبياتها من حيث مراجعة تصاميم نماذج مشاريع الوحدات السكنية من حكومية وخيرية أو تعاونية بحيث تخضع لترشيد الاستهلاك في الماء والكهرباء والصيانة والبعد عن الإسراف في الشكل والتركيز على الحاجة، وأن نحسن الاستفادة من استغلال مصادر الطاقة المتوفرة لدينا, الشمس, الرياح قبل الكهرباء والنفط باعتباره مادة ناضبة. وخشية من أن يأتي يوم تنحسر فيه أسعار النفط، كما حصل في التسعينيات وتكون فيه المملكة -لا قدر الله- دولة غير قادرة على إقامة مشاريع سكنية جديدة، أو تضطر إلى التوقف أو تأجيل تنفيذ بعض المشاريع الخدمية ومنها الإسكان ومع عدم التشاؤم فإن علينا ألا نفرط أيضاً في التفاؤل، خاصة وأن الثروات الطبيعية معرضة للزوال إما بسبب الأخطار الناتجة عن عدم استقرار الأوضاع بالمنطقة أو التعرض للجفاف أو النضوب مع وجود جيل جديد من الشباب هو في حاجة إلى وحدات سكنية تؤويه وأسرته.. فها نحن نشاهد ونراقب المتغيرات الطبيعية والاقتصادية والسياسية في أرجاء الكرة الأرضية علينا أن نأخذها في الحسبان وتوقع تكرار الظروف والأسباب، وأن نتدبر الأمور بحكمة، وعدم المجازفة بالموارد. وأخيراً علينا أن نعيد دراسة الخطط والبرامج على ضوء التوقعات المستقبلية فدوام الحال من المحال.. وبالله التوفيق.

أمين عام غرفة ينبع

الأمين العام المساعد لمجلس الغرف السعودية (سابقاً)

alomar.mas@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة