Sunday  21/08/2011/2011 Issue 14206

الأحد 21 رمضان 1432  العدد  14206

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان نبأ وفاة «أبو مساعد» بمثابة هجمة حزن ألَمّتْ بي وأنا متهيئٌ للنوم في بلدة بخارج الوطن، لقد ظللْت برهة من الزمن مشتّت التفكير لدى علمي بالنبأ، وإن كنتُ مؤمناً بأنّ الموت حق!!! وهو مصير كل كائن حي. استرجعتُ وقتها ذكرياتي مع «الفقيد». صداقتي مع «عبدالله الغانم» الرجل الوديع ذو الخلق الرفيع امتدت عبر أربعين عاماً. ولم تنقطع هذه الصداقة، بل ظلَّت في وهج وتألُّقٍ وعدم انقطاعها بالنسبة لي كانت من نوادر الزمان في حياتي. أقول هذا لكثرة ما مر بي مِنْ تجارب في شأن الأصدقاء!!!

كان آخر صلتي «بأبو مساعد» حينما هاتفته راغباً في مقابلته، ولم أتمكن من مقابلته، وذلك لأنه كان يتهيأ للتوجُّه «لألمانيا» لتلقي العلاج.

ولكي أُخففَ من هجمة الحزن التي ألّمّتْ بي ردَّدتُ، وأردِّد، ولا أزال أردِّد، بل ولأكثر من مرة أردِّد البيتين التاليين:

كُنْ حليماً إذا بُليتَ بخطْبٍ

وصبوراً إذا أتتكَ مُصيبهْ

فالليالي مِنَ الزمان حَبَالَى

مُثْقلاتٍ يلدنَ كلّ عجيبهْ

وموت «الغانم» فَقْدٌ شخصيٌ مؤلم، ولكنه أيُّ فَقْدٍ!!! ليس بالنسبة لي فحسب ولكنه بالنسبة لأسرتي الصغيرة..... ولو كانت عمتي «منيرة»، عمتي الكفيفة رحمها الله، على قيد الحياة لتألّمت لفقدها. كانت العمة تبتهج حينما يرد ذكر اسمه لها... في شقتي التي كنت أسكن فيها آنذاك. ولطالما حاول «الغانم» جهده إدخالها في معهد النور - قسم الكفيفات - ليخرجها من عالم العمى!!! ولتتعلّم القراءة على طريقة برايل. ولكنها التقاليد التي حالت بينها وبين ما كان «الغانم» يطمح في تحقيقه لها.

«الغانم» ملحمة تاريخية في عالم المكفوفين في بلادنا. ولكن أين هم هؤلاء المكفوفون؟ كانوا في زوايا الإهمال إن لم يكن النسيان قبل «الغانم»، وأخشى أن يظلّوا كذلك بعد أن أبحر!!!

ما سبق ذكره ليس إلاّ مجرّد رموز أو إرهاصات لصداقة بيني وبين «الغانم»، وكانت صداقة ذات شفافية، وكانت صداقة ملؤها الود. ويعلم عن ذلك كل من يحس بنبض الحياة من كافة أفراد أسرته الكريمة، ناهيك عن أسرتي الصغيرة. ولكن لم يعكّر من صفو الود، ونقاوته، وصفوه أي معكر إلا الموت والموت حق!! ورسول الموت زائر قادمٌ، قادمٌ، قادمٌ لكل كائن حي لا محالة!!! وكما تقول «شهرزاد» في آخر معظم حكاياتها للملك «شهريار»، وهو قول مؤثرٌ مؤلمٌ للنفس: «وأقاموا بقية الزمان في ألذ عيش وأهنئه إلى أن أتاهم هادم اللّذات ومفرق الجماعات».

عبدالله الغانم كفيف البصر، ولكنه لم يكن أعمى البصيرة. وهذا ملمحٌ من ملامح شخصيته. كان ذا ذكاء متوقّد. وتميّز هذا الفقيد أنه:

- طالبُ علم إذ كان خريج كلية شريعة،

- شجاعٌ،

- شهمٌ،

- مستمعٌ ملفتٌ للنظر حينما يتحدث للآخرين،

- ويتكلم إذا وجد أن هناك ضرورة للكلام، وهذا منتهى الخلق.

كان يتصرف كما لو كان مبصراً.. عند اللزوم... كان في مظهره حسن الهندام، يختار أحسن الثوب، ولدرجة أن أحد ولاة الأمر، كما ذكره لي شخصياً، قد سأله مداعباً حينما التقى به بخارج المملكة كيفَ كنتَ تختار يا «عبدالله؟» ربطة عنقك؟؟؟ كان يحب الأناقة، وهو أنيق في مظهره.... وهو داهية في مخبره... «عبدالله الغانم» قامة مهابة، بل ومُعَلِّمٌ ومَعْلَمٌ، وتمكن الغانم أن يكون كذلك لأنه كان يتمثل في فيما أنجزه في مشوار حياته بشطر بيت: وإذا كانت النُّفوسُ كباراً ... كان الغانم متفانياً في سبيل تحقيق آمال وطموحات من فقدوا نعمة البصر في وطنه وخارج وطنه.

حينما يتحدث «الغانم»، وبصوت جوهري مسموع، وبلغة عربية فصحى، تخال أنه كما لو كان يُلقي درساً لطلبة في مدرج جامعي ذلك لأنّ الكل من جلسائه يكونون في حالة صمت مطبق!!!.

كان «أبو مساعد» وهو كفيف يمشي بخطوات محسوبة.. ونجح... أثناء حياته وبقدر ما يستطيع!!! وحقّق مبتغاه إلى حين.... حتى تربَّع فوق القمة في عالم المكفوفين في عالمنا المعاصر.

عبدالله الغانم في عالم المكفوفين والمعوقين قمة نادرة لا نظير لها في «المملكة العربية السعودية» في أيامنا المعاصرة. وهذه مفخرة لابن «جلاجل»، ولأسرته «الغانمية»، وكذا لأسرتي الصغيرة، بل ولعلها مفخرة لكل من شارك «الغانم» في تأهيل معاقي البصر في «المملكة العربية السعودية» الذين يذكرون له صنعه العظيم. وأكثر، إني أخال كل المعاقين بصرياً سيهتفون وبصوت عال في «المملكة العربية السعودية» أن «الغانم» كان: الرمز الأوحد في مناصرة كافة المعاقين من ذوي الإبصار وغيرهم في عهده في داخل المملكة وخارجها، ومن أنهم بعده ربما ضاعوا في مهب الريح.

ولقد كنت ممن ساعد «الغانم» شخصياً وذلك تنفيذاً لتوصية خاصة من أحد الرجالات العظام من أسرة آل الشيخ: إنه معالي الشيخ الصديق حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف في عهد جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز يرحمه الله. كان «الغانم» مسؤولاً عن المعوقين في الإبصار وغيره بوزارة المعارف في عهد معالي الشيخ حسن. ولصداقة تربطني بمعالي الشيخ «حسن» منذ أن كنت عميداً لكلية التجارة - جامعة الرياض وقتها «جامعة الملك سعود حالياً»، أخبرني فضيلته أن عنده رجل كفيف يتألق ذكاءً في وزارته في إطار «التعليم الخاص»، ولديه تطلعات في سبيل خدمة المكفوفين ليس في المملكة فحسب، ولكن في نطاق دول الخليج العربي. وكان من إنجازات «الغانم» وذلك قبل أن يتولى معالي الشيخ «حسن» وزارة العارف تبنيه تعليم المكفوفين في المملكة بطريقة برايل، وكان ذلك في فصول مسائية في «مدرسة جبرة الابتدائية» في الرياض، وزار جلالة الملك سعود رحمه الله هذه الفصول وتبرع بمقر لها في حي الظهيرة في مدينة الرياض بما في ذلك مطابع خاصة لطباعة برايل، وفي عهد صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف آنذاك اُفتُتحَ أول معهد رسمي لتعليم المكفوفين تحت مسمى «معهد النور»، وتولى «الغانم» إدارته. ولأن من أوليات معالي الشيخ «حسن» بعد توليه وزارة المعارف، وهذه تسجل له، دعم كل من له مبادرة في وزارته. كان معاليه لا يألو جهداً في سبيل مناصرة ونصرة «عبدالله الغانم» في كل ما كان يطمح إليه. وكان طموح «عبدالله الغانم» أن يهيئ ساحة مبصرة خضراء لكل من فقدوا نعمة خارج أطر الروتين الحكومي المحلي، وبالإضافة إلى ذلك كان طموحه أن يكوِّن تجمعاً ذا طبيعة مؤسساتية بمسمى مكتب إقليمي لشؤون المكفوفين وذلك بعد أن انتُخب في عام 1389هـ الموافق 1969م رئيساً للجنة الشرق الأوسط في الجمعية العمومية للمجلس العالمي لرعاية المكفوفين في الهند. عقدت اللجنة المشار إليها في عام 1390هت الموافق 1970م أول اجتماع لها بالرياض، واتخذت قرارات من ضمنها إنشاء مكتب إقليمي للجنة الشرق الأوسط في الرياض، وهي قرارات وافق عليها جلالة الملك فيصل رحمه الله حال رفعها له.

لم يكن «الغانم» ذا نظرة ضيقة، ولكنه كان ذا أفق واسع بحيث كان يرغب أن يستفيد من توهجاته المتوقدة كل من فقدوا «نعمة البصر» حتى في إطار بلدان الخليج العربي، وربما خارج نطاقه...

ولكن كيف تعرّفتُ على الغانم؟؟؟

كنتُ وقتها في درجة «أستاذ مساعد» بقسم القانون بكلية التجارة - جامعة الرياض في عام 1390هـ - الموافق 1970م، وكنتُ، كما سبق القول، على صلة وثيقة بمعالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف وقتها حينما كانت جامعة الرياض تحت إمرته.

وبالنظر لِعِلْم معالي الشيخ حسن عن طموحات «عبدالله الغانم» بوزارة المعارف حينما كان «الغانم» مسؤولاً عن «التعليم الخاص» بالوزارة، فقد وجَّهه أن يتصل بي لمساعدته فيما كان يرغب تحقيقه في إطار إعداد مشروع قانون يحقق طموحاته. زارني «عبدالله الغانم» في شقة كنتُ أسكن فيها في «حي الملز» في عام 1391هـ، وكانت الشقة تواجه عمارة كانت تحتلها شركة «بل كندا» آنذاك، وكانت الشركة الوحيدة المسؤولة عن التلفونات بالمملكة العربية السعودية وقتها.

تعرّفنا على بعض، وكان يقوده شاب ظريف اسمه «صالح الماجد»، وأخبرني «الغانم» عن كل طموحاته في مساعدة المكفوفين والمعاقين بالمملكة، ومن أنه يرغب أن يكوِّن مكتباً لهم، وكذا لنظرائهم بدول الخليج العربي.

تكررت اللقاءات «بالغانم» لمناقشة مشروع نظام أعددته له، وبحيث يحقق ما كان يرغب تحقيقه، وكانت «للغانم» نظرات صائبة في مشروع النظام أثناء إعداده، وكانت نظراته محل اهتمامي، وكان يرافقه أحياناً شاب ذو مُحيا، وحيوية، وأدب جَم، وكان يسمى «محمد بن عبدالله الوعيل». كان «الوعيل» بمثابة ابنه، ولم أكن أتوقع، فيما بعد، أن «الوعيل» سيكون في يوم من الأيام الصحفي الموهوب الناجح.

حاز النظام على موافقة مجلس الوزراء، وكان ذلك بدعم من معالي الشيخ «حسن» يرحمه الله. ومن ثم ظهر إلى النور فتكوَّن ما كان «عبدالله الغانم» يرغب تحقيقه، وهو إيجاد مكتب إقليمي ليضمَّ دول الخليج، وبالفعل أنشئ المكتب، كما أوصت به لجنة الشرق الأوسط في الجمعية العمومية للمجلس العالمي لرعاية المكفوفين في الهند تحت مسمّى: «المكتب الإقليمي للجنة الشرق الأوسط لشؤون المكفوفين»، وضمَّ المكتب بالإضافة إلى دول الخليج العربي دولاً أخرى بالشرق الأوسط، ورأس «الغانم» المكتب، كما شُيِّد للمكتب مبنى ضخم يحمل اسمه في الحي الدبلوماسي ضمّت أجنحته مختلف أوجه نشاط المكتب الإدارية والتنفيذية والمكتبية والتربوية.

وكان الهدف الأساس من المكتب، وبموجب نظامه، أن يتسم بطابع الديمومة، وبحيث يكون منارة للمكفوفين في المملكة ولغيرهم خارجها، وعلى أن لا يرتبط المكتب باسم مؤسِّسه «الغانم»، بل أن يظل مباشراً لمهامه بصفة دائمة، وأن يتعاقب على إدارته من تتوفر فيه الكفاءة المماثلة لكفاءة مؤسِّسه.

وبعد أن أنجز «الغانم» ما أنجز في فترة قياسية وذلك منذ تأسيس المكتب في عام 1393هـ، أرسل لي معالي الصديق الدكتور القصيبي، وبخط يده، ستة أبيات من الشعر في إطار مداعباته معي. وأكتفي بنشر أربعة أبيات منها، وتُقرأ كما يلي:

قُلْ لابن مُلحِم فارس العُميان

لله درُّك من فتى مُتفان

نَظَّمت للعُميان أعظم مركز

في سائر الأوطانِ والبلدانِ

وجعلتَ «عبدالله» فيه رئيسه

ومنحتَه ما عَزّ من سُلطان

ومنحتَه حقَّ السيادة فاغتدى

وكأنه ملكٌ عزيزُ الشَّان

وتوسعت أوجه نشاط المكتب في الإطار المحلي والإقليمي. فعلى سبيل المثال، أنشئ في الأردن المركز السعودي لتأهيل وتدريب الكفيفات، كما أنشئ معهد النور للمكفوفين في البحرين وذلك بموجب قرارات من اللجنة التنفيذية للمكتب، وتمت تسميته فيما بعد بالمعهد السعودي البحريني للمكفوفين. كما كان للمكتب تواجد مشهود في البحرين وذلك بالنسبة للخدمات التي كان يقدمها فيها. ولم يكتف معالي الدكتور غازي بالأبيات المشار إليها سلفاً إذ كان مذهولاً إزاء ما حققه «الغانم» من منجزات فأرسل مداعباً، وبخط يده الأبيات التالية:

يا مُلحِمَ العُميان ضلَّت عُصبةٌ

جعلتْك أنت دليلها وخبيرها

أعمى يقود العُمْي يا لِفضيحةٍ

شَنعاءَ تحمل يا ابن مُلحِم نيرَها

أسهمتَ في وضع النظام فلم تَدَعْ

منْ عُقدةٍ إلاّ وكنتَ نصيرَها!

ومن باب الأمانة لا بد من ذكر أن معالي الدكتور غازي كان متعاطفاً مع «الغانم»، وقد ساعده، ولكن كان ذلك على استحياء وفي الخفاء!

وتكوّن المكتب وبدأت مسيرته، وكان للغانم نشاط مذهل فيه لدرجة أنه أصبح شخصية سعودية ذات مَعْلَم أممي إذ انتهى به الأمر رئيساً للاتحاد العالمي للمكفوفين في أكتوبر 1984م بعد دمج الاتحاد الدولي للمكفوفين والمجلس العالمي لرعاية المكفوفين في مؤتمر عُقِد بالرياض، كما ساهم «الغانم» في تطوير اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وحماية المكفوفين وضعفاء البصر مما جعله مؤهلاً، وبجدارة، ليخاطب العالم في شأن المكفوفين في منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في اليوم العالمي للمكفوفين، وذلك بصفته رئيساً للاتحاد العالمي للمكفوفين...

ولم ينس «الغانم» الكفيف، وهو يلقي خطابه في عالم «هيئة الأمم المتحدة»، أن ينوّه عن دعم بلاده له، ومن أنه لولا دعمها لم يصل إلى ما وصل إليه.

جهود «الغانم» في عالم المكفوفين يصعب حصرها، وكان ذا حس وطني إذ لم يألو جهداً في إبراز دور بلاده الذي هيأ له الفرص لشق طريقه إلى الأمام محققاً ما كان يصبو إليه. وكان الغانم يحدثني، وفي شدوٍ، عن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي لم يدخر وسعاً في مساعدته، وتذليل الصعوبات التي كانت تواجهه.

وتوطّدت علاقتي بعبدالله الغانم، ناهيك عن علاقتي الوثيقة الشخصية بمعالي الشيخ حسن آل الشيخ.

وتشكّلت وزارة كنتُ فيها وزير دولة وعضو مجلس وزراء، وكانت علاقتي بالشيخ «حسن» تتوطّد أكثر وأكثر، وبما في ذلك التشاور مع معاليه يما كان يتعلق بشؤون وزارة التعليم العالي التي شَرُفَ برئاستها، وكان الأمر الغريب عندي، وهذه حقيقة من الناحية التاريخية، أرغب التنويه عنها، هو أن معالي الشيخ «حسن» كان يوصيني دائماً «بعبدالله الغانم» خيراً وكان يكثر، ويكثر من ذلك!! لقد استغربت من الأمر كثيراً ولم أكن أعلم عن السبب وقتها... ولكنني حينما علمتُ السبب فيما بعد، تأكد لي أن معالي الشيخ حسن كان وفياً «للغانم».. وذلك لموقف «للغانم» حيال معاليه بوزارة المعارف. وبالفعل مكَّن معالي الشيخ حسن «الغانمَ» في كل ما يطمح إليه...

قلتُ لمعالي الشيخ حسن وقتها: سوف أكون نصيراً لصديقك الكفيف مهما كانت الأحوال، وأنا وزيرٌ كنت في صف «أبو مساعد» حتى النهاية، وتوفى الله معالي الشيخ الوزير المُعِين «لأبو مساعد».

أما الهرم الشامخ الذي بنى «أبو مساعد» أُسُسَهُ في عام 1393هـ وهو «المكتب الإقليمي لشؤون المكفوفين» فقد تم تفريغه وهو في ذروة نشاطه من محتواه «كمكتب إقليمي» في عام 1416هـ، كما تم توصيفه كمكتب محلي مع ضمِّه إلى الأمانة العامة للتعليم الخاص بوزارة المعارف، ولقد ترتب على ذلك إلغاء «المكتب»، وتوارى «نظامه العتيد عن الأنظار»، وهكذا طُويت صفحتا «النظام» و «المكتب» بصفة نهائية، تم كل ذلك أمام بصيرة «الغانم» في شكل مأساوي.. مؤلم.... ومؤثر.

تأثّر الغانم من ذلك كثيراً، ولكنه صَمَد متمثلاً بمقولة: يا جبل لا تهزك ريح!!! ورحل رمز وطني، ولكنه ترك بصماته في المجال الذي جنّد نفسه له باقياً للذكرى، من الناحية التاريخية للمعاقين بصرياً حيثما كانوا.

و «للغانم» إنجازات تاريخية، وهي كثرٌ، ويصعب عليَّ حصرها ولكن منها على سبيل المثال:

- تنفيذ مشروع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم بطبعة برايل الذي وُزِّع على المكفوفين في الشرق الأوسط عام 1400هـ.

- إنشاء ثالث مكتبة ناطقة للمكفوفين في العالم والأولى في الشرق الأوسط بالرياض في عام 1396هـ.

- توحيد كتابة برايل في الشرق الأوسط.

- إنشاء أول حاسب من نوعه في الشرق الأوسط والثالث عالمياً للطباعة بطريقة برايل وطباعة المناهج الدراسية والكتب للمكفوفين في عام 1402هـ توزع مجاناً للمكفوفين.

- وأخيراً، طبع القرآن الكريم بطريقة برايل بدعم سخي من الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله في عام 1406هـ.

وبعد أن ترجَّل «الغانم» عن عمله مدافعاً عن شؤون المكفوفين في الداخل والخارج فكَّر منذ سنة ونصف مضتْ في ممارسة «مهنة المحاماة» وعلى أن يحصل على ترخيص رسمي بذلك من وزارة العدل فاستشارني.

لقد شجَّعته على ذلك، وكان ذلك بعد أن انتهت فترة عضويتي في «لجنة قيد وقبول المحامين» بوزارة العدل.

لقد أعددتُ «للغانم» ملفاً يحتوي على كل الوثائق التي تؤهله للحصول على ترخيص: كان «الغانم» يحمل مؤهلاً من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حينما كانت كليتَي شريعة ولغة. كما أن سجله خلال عقود من الزمن كمنافح ومدافع ومحامٍ عن المكفوفين والمعوقين قد أهّله، وبجدارة، للحصول على ترخيص لممارسة المحاماة، بما في ذلك معالجة قضايا المكفوفين والمعوقين وغيرهم.

وبالفعل حصل «الغانم» على ترخيص بمزاولة مهنة المحاماة من «لجنة قيد وقبول المحامين» بوزارة العدل برقم «51-31» وتاريخ 19-6-1431هـ. وبرفقه صورة من وثيقة الترخيص.

ولقد اتخذ «الغانم» المحامي ما يلزم من استعدادات لمزاولة مهنة المحاماة، إلاّ أنّ المرض الذي انتابه فجأة ولعدة شهور لم يمكنه من مباشرة مهنته.

رحم الله «أبو مساعد» وألهم أبناءه:

مساعد، وخالد، وعادل، وفهد، وأسامة، وبندر، وتركي وشقيقاتهم، وحرم الفقيد أم أسامة، والأخ الصديق أحمد بن علي الوادي، وأسرتي الصغيرة، وكافة المكفوفين، الصبر والسلوان. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق

 

في «أبو مساعد» من أعزِّي؟ هل أعزِّي أسرته؟ أو هل أعزِّي كافة المكفوفين في بلادي وفي العالم؟
د. محمد بن عبداللطيف الملحم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة