Monday  22/08/2011/2011 Issue 14207

الأثنين 22 رمضان 1432  العدد  14207

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

 

في ذكر الفصحاء من الرجال
محمد بن فراج الشهري

رجوع

 

(من التراث صفحات نتذاكر فيها قول الماضين فإن في أقوالهم الحكمة المرسلة ،النكتة الفكهة، القول المعجب، النصيحة البالغة، وفي جملة أقوالهم إمتاع ومؤانسة.. لغة وأدب.. فصاحة لسان وسرعة بديهة.. وبالصورة نسترجع تاريخ أمة سلفت.. وتراث حضارات سادت ثم بادت.

دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم فأحب الحسن أن يتكلم فزجره وقال يا صبي تتكلم في هذا المقام فقال يا أمير المؤمنين إن كنت صبيا فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السلام حين قال أحطت بما لم تحط به ثم قال ألم تر أن الله فهم الحكم سليمان ولو كان الأمر بالكبر لكان داود أولى ولما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز أتته الوفود فإذا فيهم وفد الحجاز فنظر إلى صبي صغير السن وقد أراد أن يتكلم فقال: ليتكلم من هو أسن منك فإنه أحق بالكلام منك فقال الصبي يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك قال: صدقت فتكلم فقال يا أمير المؤمنين أنا قدمنا عليك من بلد نحمد الله الذي من علينا بك ما قدمنا عليك رغبة منا ولا رهبة منك أما عدم الرغبة فقد آمنا بك في منازلنا وأما عدم الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فنحن وفد الشكر والسلام فقال له عمر رضي الله عنه عظني يا غلام فقال يا أمير المؤمنين إن أناسا غرّهم حلم الله وثناء الناس عليهم فلا تكن ممن يغرّه حلم الله وثناء الناس عليه فتزل قدمك وتكون من الذين قال الله فيهم( ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) فنظر عمر في سن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة فأنشدهم عمر رضي الله تعالى عنه:

تعلم فليس المرء يولد عالما

وليس أخو علم كمن هو جاهل

فإن كبير القوم لا علم عنده

صغير إذا التفت عليه المحافل

(وحكي) أن البادية قحطت في أيام هشام فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلموه، وكان فيهم درواس بن حبيب وهو ابن ست عشر سنة، وله ذؤابه وعليه شملتان فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان..

فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً، فقال يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً، وأنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن إذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته، فأعجبه كلامه وقال: انشره لله درك..

فقال : يا أمير المؤمنين إنه أصابنا سنون ثلاث، سنة إذابة الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإن كانت لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم فعلام تحبسوها، وإن كانت لكم فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين..

فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة ؟ قال : مالي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين، وخرج من عنده وهو من أجل القوم.

وقيل: إن سعد بن ضمرة الأسدي لم يزل يغير على النعمان ابن المنذر يستلب أمواله حتى عيل صبره، فبعث إليه يقول: إن لك عندي ألف ناقة، على أنك تدخل في طاعتي، فوفد عليه وكان صغير الجثة فاقتحمته عينه وتنقصه فقال : مهلا أيها الملك، إن الرجال ليسوا بعظم أجسامهم وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، إن نطق نطق ببيان، وإن صال صال بجنان، ثم أنشأ يقول:

يا أيها الملك المرجو نائله

إني لمن معشر شم الذرى زهر

فلا تغرنك الأجسام إن لنا

أحلام عاد وإن كنا إلى قصر

فكم طويل إذا أبصرت جثته

تقول هذا غداة الروع ذو ظفر

فإن ألم به أمر بأفظعه

رأيته خاذلا للأهل والزمر

فما أحسن أن نجني من حدائق التراث مثل هذه الفواكه الجنية ونأخذ العبر والدروس والكيّس من استفاد وأفاد...

alfrrajmf@hotmail.com
 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة