Sunday  28/08/2011/2011 Issue 14213

الأحد 28 رمضان 1432  العدد  14213

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

ليس من باب المبالغ حينما نقول: إنك قد لا تجد موطئ قدم لك في ساحات الحرم المكي الشريف في هذه الأيام الرمضانية المباركة، فقد رأيت ذلك وعشته في ساحة المطاف حينما تراكمت جموع الطائفين، وتدفقت أمواجهم البشرية في وقتٍ واحد بصورة عجيبة. كان منظراً مهيباً في تلك الساعة، وكان زحاماً لم أر له مثيلاً حتى في أيام الحج، توقف الناس في صحن المطاف في المساحة المحيطة بالحجر الأسود، وتعالت أصواتهم رجالاً ونساء يطالبون الموج البشري الراكد بالتحرُّك، كما تعالت أصوات الأطفال بالبكاء أمَّا الأقدام فما كانت في تلك اللحظة تطأ على الأرض، إنما تطأ على أقدام بشرية، أو تُوطأ هي بأقدام، وما كان أشدها تلك الوطأة التي عانى أحد الإخوة من ألمها وقتاً ليس بالقصير من قدم رجلٍ عريض طويل كادت وطأته تفتت قدم ذلك الأخ وتنثرها على الأرض مُشطاً مُشْطاً.

في تلك اللحظات التي يشتد فيها تزاحم الطائفين لا تكاد تسمع إلا عبارات الاستنجاد، أو اللوم والعتاب، أو المطالبة بالحركة، وغير ذلك من العبارات التي يعبر بها المتزاحمون عن شعورهم بالتضايق الشديد من الزحام.

أما إذا قدِّر لك أن تُطِلَّ على هذه اللوحة المكية الفريدة من شرفات الدور الثاني من الحرم المكي الشريف، أو شرفات السطح العالية، فإنك ستشاهد لوحة بشرية مدهشة لا يمكن أن تجد عبارة مهما كانت للتعبير عنها وتصويرها -هنالك ستشعر بإحساس نادرٍ من المهابة والرهبة، والمتعة والنشوة الروحية العجيبة، كما ستشعر -بصورة عميقة بعظمة هذا الدين الحق الذي يدفع بهذه الجموع الغفيرة إلى هذا المكان الطاهر المبارك، طلباً للأجر والمثوبة في زمان متميز، ومكان متميز، سترى طواف الناس حول الكعبة بطيئاً بسبب الزحام، ولكنك ستعيش لحظة من أغنى لحظات التأمل في عظمة مشاعر هذا الدين الحنيف.

هنا تستطيع أن تحدد معالم الأخطاء التي تتمنى أن تُصحح لتخف معاناة الطائفين، لأنك ترى اللوحة كاملة بتفاصيلها.

إن أبرز خطأ تراه العين في مثل هذا المقام هو «التكتلات البشرية، التي تتكون من عددٍ من الرجال والنساء قد يصل إلى الثلاثين، ينطلقون إلى المطاف متشابكين، يتشبث بعضهم ببعض، يقودهم رجل معه كتاب الأدعية يتلو ما فيه، وهم يرددون وراءه بأصوات مرتفعة، هذه التكتلات، لها أثر سلبي كبير في ساحة المطاف، لأنها تأتي، دفعة واحدة، كتلة واحدة، لا مجال -في نظر أصحابها- لانفصال بعضهم عن بعض مهما كلَّف الأمر، وكأنني بهم ينطلقون وفي وجدان كل واحدٍ منهم أنه هو الأولى بالمطاف ما دام موجوداً فيها، وهذه الكتلة البشرية ذات أثر كبير في زيادة التزاحم والتدافع، وزيادة معاناة الطائفين.

أليست هنالك طريقة لمنع هذه التكتلات البشرية، خاصة بالنسبة إلى الرجال؟ ألا يمكن توجيه مؤسسات الحج والعمرة لتقوم بدورٍ في هذا الشأن؟ إنَّ بإمكان الرجل أن يطوف منفرداً، بعيداً عن هذا التكتل الذي يجعله مرتبطاً نفسياً بجماعته لا يرضى بالانفصال عنها حتى لو كان في ذلك ما يؤذي المسلمين، وما أظن أحداً، رجلاً كان أم امرأة سيجد صعوبة في معرفة عنوان سكنه الذي يعود إلأيه بعد أداء عمرته، مع وجود وسائل الاتصال المختلفة، ومع وجود العناوين الواضحة التي يحملها كلُّ شخص معه ليسأل عنها وقت الحاجة.

يمكن تنظيم هذه المسألة، وتوعية المعتمرين بأهميتها، وإقناعهم بأنها أكثر راحة لهم من الانضمام إلى مجموعة كبيرة لا ينفكون عنها، ويبقون حريصين على متابعتها ومدافعة الآخرين من أجلها.

إشارة:

اللهم، إنهم عبادك أتوك راجين عفوك ومغفرتك، وأنت أدرى بهم وأعلم، فأفض علينا وعليهم من رحمتك ومغفرتك وعفوك ما تنيلنا وتنيلهم به رضاك وجنتك يارب العالمين.

 

دفق قلم
مكة المكرمة وموطئ القدم
د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة