Sunday  04/09/2011/2011 Issue 14220

الأحد 06 شوال 1432  العدد  14220

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

قراءة القراءة
تأليف الأستاذ/ فهد بن صالح الحمود

رجوع

 

تؤدي القراءة دوراً فعالاً وهاماً في تنمية التقدم الفردي والعلمي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي في المجتمع الذي تدور فيه بل في جميع جوانب الحياة ومجالاتها المختلفة، والقراءة ضرورية للإنسان ولمجتمعه الذي يعيش فيه عامة، وحاجته إليها كحاجة الجائع إلى لذة الطعام بل في أحايين كثيرة تكون الحاجة أشد وأقوى، وفي حقوق الإنسان العالمية ما يشير أن لكل إنسان الحق في أن يقرأ وكما قيل: إن الحروب تبدأ في عقول الرجال، فكذلك يقرر دستور هيئة اليونسكو حقيقة هامة وهي انه في عقول الرجال يجب أن تشيد قلاع السلام، والكتب هي إحدى قلاع السلام وذلك بسبب تأثيرها في مناخ الناس الفكري والعقلي، ومن هنا تتأكد حقيقة هامة وهي وجوب تكوين الميول القرائية وتطويرها وتنميتها وتكوين العادات الصحيحة عند القراءة.

وقد كانت دكاكين الوراقين التي ملأت أحياء بغداد أشبه بمراكز ثقافية عالية المستوى يجتمع فيها الأدباء والعلماء وتقام فيها حلقات المناظرة والمناقشة بحرية فكرية غير محدودة لم يكن لها مثيل في العالم قط وقد تخرج من هذه الدكاكين أفذاذ العلماء، وأفراد النبهاء، كالجاحظ الذي كان يكتري (يستأجر) دكاكين الوراقين ليقرأ معارفها الثقافية وكنوزها العلمية، بل قد حفظ لنا التاريخ أسماء القراء من العلماء الذين كانوا يتقنون فن الخط والنسخ ولم يقتصر هذا العمل على الرجال بل وردت أسماء خطاطات عربيات في كتب العلم القديمة فمنهن على سبيل المثال لبنى وفاطمة وغيرهما(1) بل إن ابن الجوزي نفسه ذلك العالم الطلعة المشهور قد أخذ العلم على ثلاث عالمات ذكرهن في مشيخته.

والسؤال الذي يطرح نفسه على مؤلف الكتاب الأستاذ الفاضل: فهد بن صالح الحمود - حفظه الله ورعاه - كيف يمكن تنمية عادة القراءة في طباع النشء؟

ويجيب على سؤالنا بعمق ونضج وإسهاب ليقول لنا: (إن الأشياء والهوايات التي نمارسها في حياتنا اليومية إنما صارت عادات بتعلمها أولاً ثم بممارستها والمواظبة عليها ثانياً وبهذا تتكون عادة ومهارة وطبيعة ثانية، ومن واقع الناس تعلم المهارات المختلفة كالسباحة وقيادة السيارة بأنها كما هو معروف لا تنال إلا بالمران والتدرب عليها حتى تصبح عادة بعد حين من الزمن، ومن هنا لا يجد طريقة أخرى لتكوين عادة عملية إلا عن طريق إعمالها وممارستها، فلا تتم من خلال التعلم النظري فقط، وإنما من خلال الممارسة والتمرين، والتمرين مع الوقت ينتج الكمالات، والبدايات شاقة لكن لا بد منها، وأشق الخطوات هي تلك الخطوة الأولى التي يخرج العمل إلى حيز الوجود، ولكن لا تنال إلا بالصبر والمثابرة و(الاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية) كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ابن القيم: (مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري هو الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها) ثم حدد المؤلف - حفظه الله - طرقاً عديدة لتنمية مهارة القراءة عند المبتدئين فقال: البدء بالكتب الصغيرة والقصص المفيدة والكتب المشوقة والروايات التاريخية ثم التدرج في ذلك حتى تصبح القراءة لدى الإنسان متعة ولذة والتدرج في الزمن سنة الحياة كلها.

أن تكون القراءة نوعاً من الاكتشاف وتنمية للعقل.

الاجتماع على القراءة والتواصي على ذلك.

ويؤكد المؤلف على أهمية القراءة الجماعية فيقول:

إن القراءة الجماعية ذات أهمية لا سيّما عند قوم يحبون الاختلاط مع الآخرين والأنس بهم فيمكن أن تُفعل تلك التجمعات والسهرات التي يدار أكثرها فيما لا ينفع بالقراءة الجماعية، ومن فوائد الاجتماع على القراءة شحذ الهمم وإيقاد العزائم بين المتجالسين).

ثم يوضح لقراء كتابه ما مقصوده بالقراءة الجماعية فيقول: (يقصد بالقراءة الجماعية هي تلك القراءة التي تقوم على عدة أطراف وهي تفيد المبتدئين في القراءة أو المعرضين عنها الصادين عن متابعتها وكذا من يقرأ على شيخ مستفيداً من توجيهاته وتعليقاته).

ثم يقسم القراءة الجماعية إلى قسمين:

(القسم الأول: القراءة الجماعية المتعارف عليها، حيث يجتمع مجموعة في وقت معين فيقرأ أحدهم والبقية يستمعون ويتابعونه في الكتاب وهذا دواليك حتى ينهوا الكتاب.

القسم الثاني: أن تكون قراءة الكتاب على انفراد والمناقشة لمضمونه جماعياً).

والجميل في حديث المؤلف أن يذكر المآخذ على أي قسم من الأقسام التي ذكرها مما يوحي إليك كقارئ بأنك بين يدي مؤلف راعٍ يعرف من أين تؤكل الكتف، وعلّى أصفه من قوله نفسه: (الكتب كما تقوم أمد الفكر وترعى تجلياته وهذا الأصل فإن منها ما يمرضه ويعطبه. واختيار نوع الكتاب دال على عقل من اختارها ومدى تفكيره، كما قيل: أخبرني ما تقرأ؟ أخبرك من أنت).

ويذكرني قول المؤلف - حفظه الله - هذا باستدلال العلماء على عقول الرجال من أسئلتهم فيهم يقولون: السؤال دال على عقل صاحبه، وفي وصفه صلى الله عليه وسلم لعقلية حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما، قال عنه - بما معناه - إنه فتى عقول له لسان سؤول، فما أصدق فراسته صلى الله عليه وسلم فهي الخبر اليقين (ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) وقد قيل لأرسطو وهو عقلية الأمة اليونانية وفيلسوفها الفصيح، كيف تحكم على إنسان، فأجاب: أسأله كم كتاباً يقرأ؟

ماذا يقرأ؟

ولله در أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

تجد الكتب على النقد كما

تجد الإخوان صدقاً وكذبا

فتخيرها كما تختاره

وادخر في الصحب والكتب اللبابا

صالح الإخوان يبغيك التقى

ورشيد الكتب يبغيك الصوابا

ومن جميل الكتاب الإشارة إلى شذرات ذهبية، وفوائد لؤلؤية من تراجم العلماء وما فيها من العبر والعظات التي توحي بأن الإعاقة ليست حجراً يعترض طريق المتعلم، فبالإرادات يستطيع الإنسان أن يهز الجبال، ويصل إلى قعر البحار ومن رائق وشائق ما استهواني وأخذ بتلابيبي ما أورده المؤلف في كتابه نقلاً عن الدر الكامن وفحواه: (كان شافع بن علي العسقلاني - ت 730هـ - كفيفاً وكان مغرماً بجمع الكتب حتى إنه من شدة حبها إذا لمس كتاباً منها يقول: هذا الكتاب قد ملكته في الوقت الفلاني وإذا طلب منه شيء منها قام إلى خزانة كتبه فتناوله كما وضعه فيها).

وليس هذا بعجيب ولا غريب فمن جعل الإنسان يقرأ بعينين قادراً على جعله يقرأ بقلبه وحسه وشعوره.

ويوضح لنا العالم بافلوف حقيقة هذه القدرة العجيبة عن العالم شافع بن علي العسقلاني الكفيف حيث يوضح أن الفرد من خلال عملية تفاعله مع العالم الخارجي يقوم بتوجيه نشاطاته نحو التوازن مع العالم الخارجي نحو تحقيق غرضية حقيقية في العلاقات العامة عن طريق التكيف معه ويرجع الفضل في الوصول الرئيسي والأقوى والمستمر الذي يتأتى من دراسة النشاط العصبي الراقي بمنهجنا لهو أقصى مستويات المرونة لهذا النشاط وإمكاناته الهائلة بحيث لا يبقى أي شيء مستحيلاً أو غير مرن وإنما أي شيء يمكن تحقيقه دائماً ويمكن تغييره للأفضل).

ومن هنا يقول عالم الفعالية والتعلم ل. ي. روفنسكي ما نصه: (إن التعلم الذاتي قوة واقعة عظمى على النمو العقلي تفتح باب مرحلة جديدة في التفاعل بين الفرد والعالم الخارجي أو قبل مرحلة جديدة في نموه وفوق هذا فإن التعلم الذاتي يظل دائماً عملية تتحدد اجتماعياً فهو ذو طابع اجتماعي ويرتبط كثيراً بالعلاقات الاجتماعية وبظروف الحياة فالوجود الإنساني في صورته الذاتية انعكاس للنشاط الاجتماعي وما يصنعه الفرد بنفسه يصنعه للمجتمع ويوحي لذاته بكينونته الاجتماعية، وهكذا فإن ظاهرة العمر بما يعنيه من تقمص وتقليد تلقائي يتم بصورة لا شعورية سوف تسقط بتأثير الاتجاه الواعي لتقليد نماذج السلوك الإيجابي والأفكار السليمة، إن التطابق اللا شعوري لا يتوقف بالضرورة وإنما يتم تحديد نماذج من التطابق في النهاية عن طريق وعي الفرد وفي التأثير على عمليات ما قبل الشعور حيث يمر التعليم الذاتي نفسه عبر مراحل مختلفة ترتبط بزيادة وعي الشخص بذاته كفرد في عملية تفاعله مع العالم الخارجي، ونحن هنا بإزاء قدرات خارقة، وطاقات بارعة وهي كما يقول الشاعر:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه واحد

وعلّ مؤلف الكتاب - يحفظه الله - يقبل الرأي السابق على علاته.

وفي الكتاب فوائد عزيزة جداً، وفرائد عظيمة جداً، منها ما جاء في ترتيب المدارك أن أحمد بن عبدالله المهدي كان آية في الدرس والمطالعة لا يكاد يسقط الكتاب من يديه حتى عند طعامه، وفي كتاب الحيوان عن الحسن اللؤلؤي قوله: (غبرت - أي مكثت - أربعين عاماً ما قِلت ولا بت ولا اتكأت إلا والكتاب موضوع على صدري).

وعن ابن القيم رحمة الله عليه في روضة المحبين قوله: (حدثني عبدالرحمن بن تيمية عن أبيه قال: كان الجد يعني أبا البركات بن تيمية إذا دخل الخلاء يقول: اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتك حتى اسمع).

فلله درهم ما أقوى عزائمهم، وأجلد مواهبهم، وأثمر ملكاتهم

نفس عصام سودت عصاما

وعلمته الكر والإقداما

وصيرته بطلاً هُماما

حتى علا وجاوز الأقواما

وفي الدرر الكامنة صور ذكرها المؤلف فيها تحد للمرض وكسر للحاجز وشحذ للإرادة وهي (أنه عرض للفقيه أحمد بن محمد بن الرفعة وجع المفاصل بحيث كان الثوب إذا لمس جسمه آلمه ومع ذلك معه كتاب ينظر ربما انكب على وجهه وهو يطالع).

وتذكرني هذه الهمم التي تفتق الإرادات بالصحفية الشهيرة إيرينا تريوس وهي مؤلفة كتاب (الحياة بشيء ثمين) وذكرها العالم الروسي ل. ي دوفنسكي في فعاليته وتعلمه الذاتي فأشار إلى أنها حصلت على الدبلوم وتعلمت خمس لغات أجنبية واضطلعت بكتابة العديد من الأعمال وانخرطت في زخم العمل العلمي كل ذلك وهي طريحة الفراش وباتت جامعة يتجه إليها الناس ليتعلموا منها دروس التفاؤل وكانت تقول: (لا زلت أؤمن بأن سعادة المرء مشروطة بأن تخلق داخله فهي تعتمد أساساً على خصائصه الشخصية وعالمه الداخلي).

ومن هنا يتضح لنا أن العامل الأساسي والمقصد الرئيسي في القدرة على القراءة هو الإرادة أولاً وأخيراً وقد وضح عالم النفس المعروف ديمتري أوز نادزي أن قراءة القراءة التي هدف إليها مؤلفنا الحمود هي بعينها عصارة التعلم الذاتي، وهي التي تؤدي إلى نمو وتطور القدرات الفردية الذاتية والذهنية والعقلية.

قراءة : حنان بنت عبدالعزيز آل سيف ( بنت الأعشى )

عنوان المراسلة: ص. ب 54753 الرياض 11524 - فاكس 2177739

(1) لمحات من تاريخ الكتب والمكتبات - د/ عبداللطيف الصوفي - ط 1 عام 1987 - دمشق، دار طلا

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة