Tuesday  06/09/2011/2011 Issue 14222

الثلاثاء 08 شوال 1432  العدد  14222

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يتضح يومًا بعد الآخر بأننا لا نمر بفترة ربيع عربي، كما يقال، بل ربما الأصح هو أننا نمر بفترة خريف عربي. خريف عربي سقطت فيه الأوراق بكافة ألوانها وأطيافها. نعم سقطت بالفعل بعض الأنظمة العربية، وربما تؤول أخرى للسقوط،

ويتم إضعاف القبضة السياسية في الدول الأكثر تأثرًا بما حدث، ولكن الرؤية لم تتضح بعد حتى في ليبيا التي أتي التغيير فيها بشكل أكثر جذرية تم معه القضاء على قوة النظام البائد العسكرية، بينما ما زالت الأوضاع تتأرجح في الدول الأخرى بالرغم من التغيير الشكلي في الواجهة السياسية. فالأوضاع في هذه الدول لا توحي بأنها في ربيع مزهر، بل في خريف مقحط غير معروف العواقب. والأمور كما يقال بخواتيمها.

وفي مقال سابق، حذّر الكاتب من الإفراط بالتفاؤل حتى تتضح خواتيم الأمور، لأنَّ البناء أصعب بمراحل من الهدم. فما حصل في تونس، أول الدول التي طالها التغيير، هو أن النظام السابق سقط، لكن دهاليز السلطة السياسية، والأمنية، والعسكرية بقيت كما هي. ولم يطرح حتى الآن أي بديل حقيقي، ديمقراطي، أو أوتوقراطي للسلطة البائدة، وما زالت البلد تحكم بسلطة أمنية، كما كانت في السابق أو ربما أشد، فالتغيير كان في الشكل ولم يمس الجوهر.

أما في مصر، أكبر الدول العربية، فقد فسر المتسرعون بقاء الجيش على الحياد على أنه اصطفاف مع الثورة، ولكن واقع الحال يقول: إن هذا الحياد الظاهري لم يكن عن قناعة بضرورة تغيير حقيقي في نمط السلطة في مصر. فالجيش الذي يعتقد البعض بأنه أرغم من قبل النظام السابق على توقيع معاهدة سلام مجحفة مع إسرائيل، سارع في أول تصريحات له بالتأكيد على التزامه بها. وما زال مطلوب من إسرائيل بأي زيادة شكلية في عدد القوات المسموح بها في سيناء. وفي الواقع يمكن القول بأن كل ما حصلت عليه الثورة المصرية حتى الآن هو محاكمة مسرحية لبعض رموز النظام السابق الذين طالهم التغيير فقط، وفي هذه المحاكمات الطريفة زاد الهياط والعياط من قبل كم هائل غير معهود من المدعين على متهم رئيس مستلقٍ على قفاه، لا يراهم ولا يسمعهم. وانتقل النظام القضائي في المحكمة من التفريط في الإجراءات القضائية كما كان معهودًا في السابق، للإفراط فيها كما يحصل الآن.

أما في اليمن فالصراع لا زال يراوح مكانه بين جيش قبلي، وقبائل مجيشة بحيث خلق نوعًا من توازن الرعب المنذر بتدمير البلاد مما جعل الأمور تتوقف على انتظار تنازل أحد السلطتين للأخرى، الجيش للقبيلة، أو القبيلة للجيش. بينما تشغل جموع المواطنين ساحات المدن من فرط التذمر من هذه الأوضاع غير المحسومة، ومن انسداد الأفق السياسي والاقتصادي.

ولو نظرنا للوضع الليبي الذي حسم عسكريًا ضد دولة بلا جيش، دولة كانت تشبه عصابات كولومبيا من حيث اعتمادها على ميلشيات مسلحة هدفها الوحيد تطويع السكان لطاعة حاكم عسكري يقبع في حصن، ومسكون بحب الزعامة، ويعاني من استفحال مرض جنون العظمة، لوجدناه أكثر غموضًا. فاغتيال عبد الفتاح يونس، في عملية انتقامية من قبل بعض العناصر الإسلامية التي حملته مسئولية تعذيب، أو تصفية عناصر منها سابقًا، توضح بجلاء أن الوقت لم يحن بعد لحسم الأمور. كما أن التغيير تم بمساعدة خارجية ما زالت ترتهن النظام الحالي بأرصدته المجمدة في الخارج.

أما في سوريا، التي بنى حزبها ذو الواجهة القومية، جيشًا ونظامًا يرتكز على حسابات مذهبية لها امتدادات خارج حدودها سواء في العالم العربي في لبنان والعراق، أو خارجه في إيران، فقد اتضحت مؤخرًا حقيقة مهمة جيشها المتقادم المعدات، وقليل التدريب، ومعدوم الانضباط، وهي مهمة موجهة للداخل ولا علاقة لها بأي عدو خارجي محتل.

ومن المعروف تاريخيًا أن حكومات الأقليات هي الأكثر دموية، وهي الأكثر خوفًا من التغييرات سواء في الداخل، أو في المحيط. وتحالف النظام السوري مع إيران ربما لا يكون صادرًا من رغبة حقيقة بل من خوف من محيط الأكثرية المباشر، والإيرانيون بدورهم يعرفون ذلك، ولذلك فهم لا يثقون بسوريا ثقتهم في دويلة حزب الله في جنوب لبنان.

وما يستخلص من كل ذلك هو أن الديمقراطية، أو أي شكل من أشكال تداول السلطة، أمر دخيل على الثقافة السياسة العربية، وليس له أي جذور عربية أو إسلامية يستند عليها. فكل ما كان المسلمون والعرب يصبون إليه هو، كما يقال في تراثنا السياسي، حكم «المستبد العادل».

وبالرغم من التناقض الواضح بين طرفي معادلة الاستبداد والعدل، إلا أن الفكر السياسي العربي كان يرى إمكانية التوفيق بينهما، ويرى أنها هي قمة ما يصبو إليه. ولم يحص في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية أن حكمت بشكل ديمقراطي. فما نراه اليوم من مخاضات متخبطة في عالمنا العربي، وما حصل سابقًا أيضًا في دول مجاورة لنا تشاركنا تاريخ منطقتنا مثل إيران، هو تغيير أو تنويع في التنظيمات الاستبدادية، أقل أو أكثر عدلاً. والأمر برمته غير مستغرب في أجواء ومناخات خلت تمامًا من أي نوع من أنواع التثقيف السياسي. فالثقافة السياسية، علمًا أو ممارسة، تكاد تكون غائبة تمامًا عن عالمنا العربي، وهذا ما يفسر هذا التخبط الذي نعيشه، فالجماهير التي خرجت للشوارع تطالب بالتغيير، ولكنها لا تعرف أي اتجاه التغيير. وقد يكون هناك من يرى بأن لنا خصوصية فكرية شكلها تاريخنا السياسي والديني، وهذا ما تقول به معظم القوى السياسية الإسلامية، بكافة أطيافها، وهي قوى تنظر الخروج صراحة على السطح في كافة الدول التي طالها التغيير، وسبق وأن فازت بعض منها في انتخابات نزيهة كما حصل في الجزائر. ولكن، ومع كامل الأسف، فلم تقدم لنا هذه القوى أي أطروحات سياسية معاصرة ومتطورة، ولم تنجح في تطوير الفكر الإسلامي ليوافق العصر، وبقيت مترددة وجلة أمام كثير من قضايا العصر، ولا زالت الأغلبية منها ترى أن حاضر الأمة لن يصلح إلا بما صلح به أولها، أي أنها، كما يرى خصومها، تجر الأمة للوراء.

والخلاصة هي أن أي تغيير سياسي في العالم العربي، مثله مثل التغييرات السياسية الأخرى الني شهدها العالم، لا بد وأن تأخذ وقتًا طويلاً، واستقرار الأنظمة، وتجنبها للتقلبات مرهون بانتشار الثقافة السياسية في هذا الجزء من العالم. فالثقافة السياسية التي تعد الأساس التي تقوم عليه التعددية السياسية شبه معدومة في ثقافتنا. والعسكر، أو بعبارة أخرى الجيوش، فهي تعتمد على الطاعة العمياء التي تتناقض صراحة، فكرًا وتطبيقًا، مع أي مفهوم ديمقراطي. فعسى أن تغير الجيوش العربية هذه النظرية وتأتي بأنظمة ديمقراطية، صالحة، رشيدة، ومنفتحة لشعوبها.

latifmohammed@hotmail.com
 

الخريف العربي
د. محمد بن عبدالله العبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة