Thursday  08/09/2011/2011 Issue 14224

الخميس 10 شوال 1432  العدد  14224

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تجاوز عدد خريجي الثانوية العامة للعام الدراسي 1431-1432هـ (340000) طالب وطالبة وفقاً لما ورد في نص كلمة سمو وزير التربية والتعليم بمناسبة إعلان نتائج الثانوية العامة الذي نشره موقع الوزارة على الإنترنت. ومن هذا العدد سوف

يتمكن ما يزيد عن 90 % من الالتحاق بالجامعات الحكومية والأهلية التي أتاحت هذا العام ما يقارب (320000) مقعد لهؤلاء الخريجين - حسبما صرح به معالي وزير التعليم العالي (الاقتصادية في 24-8-1432هـ)، علماً أن ذلك لا يشمل المقاعد المتاحة في مسارات التعليم فوق الثانوي الأخرى ومن ضمنها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والكليات والمعاهد التقنية التابعة للمؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني ومعهد الإدارة العامة وكليات الجبيل وينبع والقطاع العسكري. وجاء تفصيل لذلك في بيان صحفي أصدرته وزارة التعليم العالي (جريدة الرياض في 13-9-1432هـ) أوضح فيه سعادة الوكيل للشئون التعليمية أن الجامعات قبلت حتى ذلك التاريخ زهاء (212) ألف خريج محتفظة بما يقارب (108) آلاف مقعد نصفها للمنتظمين والباقي للمنتسبين وطلاب التعليم الموازي إضافة إلى كل ذلك هناك أكثر من واحد وعشرين ألف مقعد دراسي تتيحها الكليات والجامعات الأهلية أما مؤسسات التعليم فوق الثانوي الأخرى فسوف توفر أكثر من (65.000) فرصة دراسية أخرى. ومع أن مجموع هذه الأرقام يزيد عن عدد الخريجين المعلن عنه بما يقارب ستين ألفاً - إلا أنني هنا لست بصدد تدقيق الأرقام أو محاولة التوفيق بينها بقدر ما يهمني إبراز دلالتها العامة. فمن الواضح أن النسبة العظمى من خريجي الثانوية العامة سوف يلتحقون بكليات جامعية تمنح البكالوريوس، ومن هذه النسبة العظمى نسبة ضئيلة سوف تلتحق بكليات تقنية تمنح البكالوريوس أيضاً. فماذا يبقى للتعليم الفني والمهني ما دون البكالوريوس؟؟

إن هذه النسبة المنحازة لصالح التعليم الجامعي تعكس التوجه العام نحو تشجيع وتفضيل السعي للحصول على البكالوريوس (أو ما يعادلها). وربما يحتج البعض بالقول إن من حق هؤلاء الطلاب والطالبات الذين وصلوا إلى قمة التعليم العام وحصلوا على الثانوية العامة أن يلتحقوا بالجامعات وأن يحصلوا على البكالوريوس، لأن هذا أصلاً كان الدافع وراء طموحهم واجتهادهم. وهذه حجة قوية ومنطقية، وقد تدعمها حجة أخرى غير مصرح بها تتمثل في الفائدة الاجتماعية التي تتحقق من وراء احتضان الجامعات لمئات الآلاف من خريجي الثانوية لمدة لا تقل عن أربع سنوات - هي الفترة الحرجة من عمر الشباب، وذلك أفضل للمجتمع من ترك الآلاف منهم يسرحون بلا أمل ولا عمل. ولكن عندما يتخرج حملة البكالوريوس من خريجي ثانوية هذا العام بعد أربع إلى ست سنوات (حسب نوع الدراسة) فإنهم سيحتاجون إلى ما يقارب (340000) فرصة عمل، وهذا العدد هو ناتج سنة دراسية واحدة.

أما الذين يتخرجون بأدنى من البكالوريوس - أي بالدبلوم أو قريباً منه. فهم على الأرجح لا يزيدون عن خمس هذا العدد. إنهم أولئك الذين لم يلتحقوا بالتعليم العام الثانوي بعد المرحلة المتوسطة - أي ما يقارب 10 % من طلابها - وأولئك الذين لم يجتازوا المرحلة الثانوية أو لم يجدوا مقاعد في الكليات الجامعية. فهل ستكون حاجة العمل الحكومي والخاص - أي حاجة سوق العمل - في أية سنة من السنوات إلى حملة البكالوريوس أضعاف حاجتها إلى حملة الدبلومات الفنية وغير الفنية؟؟

الجواب على ذلك نشاهده في الأعداد الغفيرة من حملة البكالوريوس الذين لا يجدون فرصة عمل. ذلك أن حامل البكالوريوس (في التخصصات العملية خاصة) قد يحمل معلومات أكثر، لكنها لا تفيده بدون إتقان المهارات اليدوية والتشغيلية والتقنية.

أتذكر جيداً أننا في السنوات الأولى من إنشاء مركز الحاسب الآلي بوزارة الصحة - قبل عشرين سنة - كنا نرقب برضاء تام فعالية خريجي البرنامج الإعدادي بمعهد الإدارة العامة (سنتان بعد الثانوية العامة) في إدارة وتشغيل عمليات المركز مقارنة بأقرانهم من خريجي كليات الحاسب الآلي، لأن كمية التدريب العملي وتطوير المهارات التقنية في المعهد موازية وملازمة للتحصيل العلمي، ولذلك يكون نضجهم المهني أسرع وأنجع. أما فيما يخص حملة البكالوريوس في التخصصات النظرية فإن المشكلة تكمن - بصرف النظر عن مستوى التحصيل العلمي - في الكثرة التي تفيض عن الحاجة.

البعض منا يرى أن المشكلة الكبرى كامنة في مخرجات التعليم الجامعي التي لا تلبي حاجة سوق العمل. وهذا قد يكون صحيحاً ولكنه ليس أساس المشكلة بل ناتج عنها. ذلك أن المشكلة بدأت قبل التعليم الجامعي من جانبين. الأول جانب التعليم الثانوي نفسه. ذلك أنه في وضعه الراهن لا يهيئ ذهنياً وعلمياً لمرحلة التعليم الجامعي وما بعدها، لأسباب لا يجهلها أحد مثل أسلوب الحفظ والتلقين والملخصات الذي درج عليه الطلاب ومعلموهم، والحشو المكثف في المواد والمقررات الذي لا غناء فيه ويقلل من قدرة الطالب على الاستيعاب والتركيز، وكذلك السخاء والتسامح في تقويم الطلاب ومتابعتهم أو لغير ذلك من الأسباب. فلا غرو إذن أن يستطيع أكثر من 93 % من الطلاب والطالبات اجتياز امتحان الثانوية العامة ثم يتبين الفارق بين نتيجة الامتحان العام ونتيجة اختبار القدرات والاختبار التحصيلي.

الجانب الثاني من المشكلة أنه لا يوجد - فيما يبدو- خطة للتوزيع المتوازن بين مستويات التعليم المختلفة للوفاء بمتطلبات التنمية وحاجة السوق. فمن جهة يلتحق أكثر من (90 %) من طلاب المرحلة المتوسطة بالمرحلة الثانوية، ومن جهة أخرى فإن المقاعد المتاحة في الجامعات تستوعب أكثر من (90 %) من خريجي الثانوية العامة. هل هذه قسمة عادلة؟ هل نحن في حاجة إلى هذه النسبة العالية من خريجي الثانوية العامة الذين يحملون معهم - فوق ذلك - مثالب التعليم الثانوي - لكي نجهزهم بشهادات بكالوريوس، قد لا تنفع الكثيرين منهم في شق دروب حياتهم؟ لن نكون (أشطر) من دول العالم المتقدم ! فلو نظرنا إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي OECD لوجدنا أن نسبة خريجي الثانوية العامة الملتحقين بالجامعات في المتوسط لهذه الدول 56 %، وتتراوح بين 30 % في بلجيكا و70 % في فنلندا.

موضوع التوازن المطلوب ليس جديداً، فقد أشار إليه الباحث التربوي الدكتور محمد المنيع في بحث أجراه قبل اثني عشر عاماً، وأعطى مثالاً لذلك أن نسبة خريجي المعاهد الصناعية إلى خريجي الثانوية العامة بلغت 5 % تقريباً في عام 1415-1416هـ. وعندما نقارن هذه النسبة بما تحقق عام 1428-1429هـ - أي بعد مضي 13 عاماً نجد أنها لم تتجاوز 4 % - وهناك بالطبع معاهد أخرى وكليات متوسطة (مثل كليات المجتمع) ومعاهد أهلية نشأت بأعداد كبيرة بعد عام 1416هـ - وهي لا تقبل - في الأغلب - إلا خريجي الثانوية العامة - أي أن مستوى القبول ارتفع ولكن مثلما أشرت إليه من قبل فإنهم - في تقديري - قد لا يزيدون عن خُمس عدد الملتحقين بالكليات الجامعية، وهذا يعني أن رفع مستوى القبول لم يحدث التوازن المطلوب من الناحية العددية، كما أنه لم يصاحبه تحول نوعي في أسلوب التعليم والتدريب يجعل الطالب مؤهلاً لممارسة المهنة قبل استلام شهادة التخرج - من خلال التدريب والتطبيق العملي في الفصل وفي ميادين العمل، لا أن يبدأ في تعلم الممارسة بعد التخرج، مما يجعل جهات العمل غير عابئة بالشهادات وحامليها، وغير مقتنعة بمستواهم العلمي والمهني وتتوهم أن القفز إلى شهادة البكالوريوس هو الحل السحري في كل الأحوال. لا شك أن العديد من المهن - تتطلب بحكم التطور العلمي والتقني وأساليب الإدارة والتشغيل، مستوى من التأهيل لا يقل عن البكالوريوس، ولكن العديد من المهن ايضاً تتطلب أولاً المهارة اليدوية والتقنية والعمل الميداني والتشغيلي ولا ينفع لها ولا يشترط لإتقانها البكالوريوس بل الدراسة التي يغلب عليها الجانب التطبيقي والتدريب العملي واكتساب المهارات المتخصصة أثناء فترة التعلم، فإن المؤهلين على هذا النحو من الفنيين والتقنيين وغيرهم من الفئات العملية والتشغيلية - حتى الإدارية كالسكرتير التنفيذي - هم عصب العمل والإنتاج - سواء كانوا حملة دبلوم أو أقل من ذلك أو أكثر، وسواء دار العمل والإنتاج في المصانع أو مراكز البنية التحتية أو الخدمات البلدية أو الصحية أو التجارة. وبدون هؤلاء سوف نستمر في الاعتماد على أولئك الذين نستقدمهم من الخارج للعمل مؤقتاً في بلادنا ثم يغادرون - تماماً كأصحاب الكفاءات والخبراء الأجانب - دون أن تنتقل خبراتهم ومعارفهم إلى غيرهم من المستقرين أبناء الوطن، فنضطر إلى استقدام غيرهم - وهكذا دواليك- دون تواصل معرفي يدير عجلة التطور والنمويضمن استمرار دورانها. وبدلاً من ذلك تتزايد أعداد العمالة الفنية الوافدة، وتتكدس العمالة الوطنية غير المنتجة أو تتزايد أعداد العاطلين من حملة البكالوريوس. إن حدوث ذلك أمر يخشى منه. لأن حاملي البكالوريوس منهم من لا يقبل ممارسة الأعمال التي يمارسها عادة من هو أقل تعليماً، ولأن منهم من يريد العمل فقط في عواصم المحافظات والمدن الكبيرة، وهذا في حد ذاته يوجد خللاً في التوازن بين المناطق الحضرية والريفية. وقد أشرت من قبل إلى أن الحصول على البكالوريوس هو ما يدفع الكثير من الطلاب إلى السعي لبلوغ قمة التعليم الثانوي. فما هو البديل الذي يمكن أن يصرف بعضهم عن ذلك ويقنعهم بالتوجه إلى غير الجامعة؟ إنه البديل الذي يقلص الفارق الاجتماعي والمادي بين حامل البكالوريوس وحامل الدبلوم، بالتأهيل الصحيح لحامل الدبلوم الذي يفتح له الفرص الوظيفية ووضع الحوافز لأصحاب العمل وبذل الجهد الإعلامي والتربوي لإعلاء مكانة الفنيين وإبراز أهميتهم في النهوض بوطنهم. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى ضرورة خلق التوازن بين مستويات التعليم في ضوء متطلبات التنمية.

من أجل ذلك علينا أن نهدئ من ركضنا وراء البكالوريوس وأن نلتفت إلى من يشيدون البناء بأيديهم.

 

الركض وراء (البكالوريوس) والتخلف عن الركب!
عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة