Friday  09/09/2011/2011 Issue 14225

الجمعة 11 شوال 1432  العدد  14225

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

ثمة قناعة بأن العلاقات التركية الإسرائيلية دخلت منعطفاً جديداً يميل إلى الاتجاه لمزيدٍ من القطيعة في المرحلة القادمة.. ولعل ما يرسخ هذه القناعة ذلك التحول الإستراتيجي المتصاعد في حدته وتلك السياسة الملتهبة التي هيمنت على الساحتين التركية والإسرائيلية.. لقد أدركت تركيا أن تصعيد الإجراءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين لم تعد لِتُحتَمل وأن العناد والعنجهية الإسرائيلية التي رفضت الاعتذار عن الهجوم الذي شنته على أسطول الحرية قبل عامين لن يُقابل إلا بإصرارٍ لتقديم اعتذار واضحٍ أمام المجتمع الدولي.

وبين العناد والإصرار جاءت الصفعة المفاجئة والقوية من تركيا والتي تمثلت بطرد السفير الإسرائيلي من أنقره وتعليق الاتفاقيات العسكرية بينهما.. صفعةٌ موجعة تخسر إسرائيل من خلالها الحليف الوحيد لها في منطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن تركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949م، وعلى الرغم أيضاً من قوة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تربط بينهما إلا أن هذه العلاقة بدأت تتجه اتجاها مغايراً إثر انسحاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان غاضباً من مؤتمر دافوس الذي انعقد بتاريخ 29-1-2009م احتجاجاً على منعه من إتمام تعليقه على مداخلة استمرت لأكثر من نصف ساعة للرئيس الإسرائيلي بشأن الهجوم على غزة وكانت حجتهم في ذلك أن ساعة الغداء قد حانت. وبانسحابه دَوَنَ هذا الرجل موقفاً مشرفاً في سجلات التاريخ عندما صدع بكلمة الحق ثم أدار ظهره قائلاً: (لا عودة إلى دافوس).

موقفٌ لم يكن متوقعاً في حسابات الزمن وتداعيات الأحداث.. موقفٌ أعاد تركيا وبقوة إلى أحضان الضمير العربي.. وإلى وجدان القضايا العربية والإسلامية، ودرسٌ بليغ لإدانة الظلم واستنكار الجريمة واحترام حق الشعوب في الدفاع عن النفس.. وإفادة واضحة بأن عهد العنجهية ولى وانتهى.

لقد استطاع رجب طيب أوردغان أن يقلب الموازين ويعيد خلط الأوراق في مراجعة لسياسة دولته إزاء إسرائيل وسياستها المتعجرفة فانتهج نهجاً سياسياً أكثر جرأة وحدة دون خشية من ردة فعل عنيفة قد تواجهه من التحالف الأمريكي الإسرائيلي أو التحالف الغربي بشكل عام؛ فتركيا التي باتت تخاطب المجتمع الدولي بلغة الواقع والعقل صار يحسب لها حساب في السياسات الدولية. لقد أثبت رئيس الوزراء التركي بأنه رجل المواقف والمبادئ، عندما قال: (كفى لتصرفات إسرائيل، ولم يعد وارداً إغماض أعيننا على المظالم التي ترتكبها إسرائيل ولا ثم لا للتصرفات الإسرائيلية التي تنسف السلام الإقليمي). لقد بلغ التدهور في العلاقات التركية الإسرائيلية ذروته.. فطردُ السفير الإسرائيلي من أنقره وتخفيضُ التمثيل الدبلوماسي وإلغاء الاتفاقيات العسكرية مؤشر على إنهاء التحالف الإستراتيجي التركي الإسرائيلي وربما اتخاذ قرار نهائي إلى العودة إلى نقطة اللا عودة..

السؤال المطروح: ترى هل هذا التصعيد الدبلوماسي الشديد وزيادة التدهور في العلاقات يتحول إلى مواجهة عسكرية بين تركيا وإسرائيل؟ يقول الصحفي «دينز زيرك»: (لا يمكن أن نستبعد تماماً هذا الاحتمال الخطير.. انتهى). لقد بات تفاقم التوتر في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مقلقاً للدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لأن ذلك سيعصف بجسور التحالف الإستراتيجي بين الدول الغربية وتركيا خاصةً وأن تركيا قد تعززت مكانتها في المجتمع الدولي.. وزادت قرباً من بعض الدول العربية.

لقد نجحت تركيا نجاحاً باهراً صفق له الجميع عندما اتخذت موقفاً شجاعاً وصائباً متحديةً بذلك الغطرسة الإسرائيلية القائمة على التعالي والتعند، وكأنها تقول أنا فوق القانون. قراءة سريعة لما بين السطور ونظرة متأنية لمسرح الأحداث بين تركيا وإسرائيل وطوفان التوتر المتأزم بينهما يثير حفيظة التساؤلات في ذهن متابع مشهد الأحداث وتداعياتها، ولعل أبرز هذه التساؤلات التي قد تطرح.. هل ستكون تركيا في مستقبل الأيام لاعباً أساسياً ومحوراً رئيسياً في الساحة الدولية؟ وهل سترضخ لإملاءات أمريكية بعد اهتزاز التوازن الإستراتيجي وزيادة وتيرة التوتر القائم بينها وبين تل أبيب وانتقاد السياسة الإسرائيلية بصراحة صارخة؟.

الغضب التركي لم ولن يخمد، والقرارات التي اتخذتها تركيا تنم عن ثقة بمدى قوة سياستها الخارجية ووزنها وثقلها الحقيقي في المجتمع الدولي ولربما ستتعامل القوى الكبرى بحذر شديد مع تركيا مستقبلاً فالعمق الإستراتيجي والعمق التاريخي وعمق الجذور الإسلامية لهذه الدولة ثم السياسة الخارجية التي تنتهجها والقائمة على الحوار أولاً وقبل اتخاذ أي قرار كل ذلك أعطى تركيا ميزة التحدي الصائب لتلعب دوراً حقيقياً على الصعيد الدولي.

 

عود على بدء
المعادلة الصعبة بين.. الإصرار... والعناد
زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة