Friday  09/09/2011/2011 Issue 14225

الجمعة 11 شوال 1432  العدد  14225

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودُهَاة العرب، وقادتهم وولائهم، إنه الصحابي المغيرة بن شعبة بن أبي عامل الثقفي، كان قد ولد في الطائف، قبل الهجرة النبوية بعشرين سنة، وقد بَرِح الطائف قبل الإسلام، مع جماعة من بني مالك، فدخل الإسكندرية في مصر، وافداً على المقوقس، وعاد إلى الحجاز، فلما ظهر الإسلام تردد في قبوله.

إلى أن كانت سنة 5هـ، خمس من الهجرة، فأسلم وكان ذلك عام الخندق، ثم شهد الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله في صلحها كلام مع عروة بن مسعود، الثقفي وفي شدّته عليه حتى لا يلمس لحية رسول صلى الله عليه وسلم لأن عروة مع المشركين، ويناصرهم بقوم ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم (ابن هشام 3: 328).

تحدثت كتب السير والتراجم عنه كثيراً وجاء ذكره في كتب الفقه.

ومما جاء في وصفه، من آراء وصفات حرص الذهبي على تجميع ما تيسر منها في موسوعته التي تعتبر من أوسع ما كُتب في التراجم، فقال: المغيرة بن شعبة، بن أبي عامل بن مسعود الأمير أبو عيسى.

ويقال: أبو عبدالله، وقيل أبو محمد، من كبار الصحابة أولي الشجاعة، والمكيدة شهد بيعة الرضوان، وكان رجلاً طوالاً مهيباً، ذهبت عينه يوم اليرموك وقيل يوم القادسية.

وروى مغيرة بن الريان عن الزهري قالت عائشة رضي الله عنها، كَسفَتْ الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه، قال ابن سعيد: كان المغيرة أصهب الشعر جداً، يفرق رأسه فروقاً أربعة، أقلص الشفتين، مهتوماً ضخم الهامة، عبْل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين، وكان داهية يقال له: مغيرة الرأي.

وعن الشعبي: أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمساً، وقد نقل ابن سعد عن أبي موسى الثقفي قال: كان المغيرة رجلا طِوالاً، أعور أصيبت عينه يوم اليرموك، وعن غيره: ذهبت عينه يوم القادسية وقيل بالطائف، ومرّ أنها ذهبت من كسوف الشمس (سير أعلام النبلاء 2213 - 23).

وقد أورد ابن عساكر في تاريخه عن الشعبي، قال: سمعت قبيصة بن جابر يقول: صحبت المغيرة ابن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بحيلة، لخرج من أبوابها كلها، وروى أبو السفر أنه قيل للمغيرة: إنك تُحابى؟ قال: إن المعرفة تنفع عند الجمل الصّئول، والكلب العقور، فكيف المسلم (تاريخ ابن عساكر 17: 43-44).

وكان المغيرة أول من سُلِّم عليه بالإمارة، ويعني بذلك قول المؤذن عند خروج الإمام إلى الصلاة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكان المغيرة علاوة على ذكائه وحِنكتِهِ قائداً مظفراً، فقد فتح همذان عنوة، وقد جعله عمر بن الخطاب أميراً على البصرة، فغضب عليه في التهمة المنسوبة إليه، واختلاف الشهادة المشهودة في كتب الفقه، فعزله عن البصرة، وعينه أميراً بالكوفة، وقال ابن سيرين: كان الرجل يقول للآخر: غضب الله عليك، كما غضب أمير المؤمنين على المغيرة: عزله عن البصرة فولاه الكوفة.

وذكر الذهبي: أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة، على البحرين، فكرهوه فعزله عمر، فخافوا أن يردّه، قال دهتانهم: إنْ فعلتم ما آمركم به، لم يردّه علينا، قالوا: مُرْنا؟ قال: تجمعون مائة ألف حتى أذهب بها إلى عمر، فأقول: إن المغيرة اختان هذا، فدفعه إليّ، قال: فجمعوا له مائة ألف، وأتى عمر فقال: ذلك، فدعا المغيرة ليسأله، قال: كذب أصلحك الله، إنها كانت مائتي ألف، قال: ما حملك على ذلك: قال: العيال والحاجة، فقال عمر للعلج: ما تقول؟

قال: لا والله لأصدقنك، ما دفع شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً، فقال عمر للمغيرة: ما أردْت إلى هذا؟ قال الخبيث كذب عليّ فأردت أن أخزيه.

كما روى الشعبي عنه قوله: أنا آخر الناس عهداً برسول الله، لما دُفِنَ خرج علي بن أبي طالب من القبر، فألقيت خاتمي، فقلت: يا أبا الحسن خاتمي؟ قال: أنزل فخذه، قال: فمسحت يدي على الكفن ثم خرجت (سير أعلام النبلاء 3 :26-27، وتاريخ ابن عساكر 27 :36)، قال الزركلي: إن للمغيرة 136 حديثاً، انفرد البخاري بحديث، ومسلم بحديثين، وأوضح الذهبي أن له في الصحيحين 12 حديثاً، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديثين، وقد حدّث عنه بنوه: عروة وحمزة وعمار، والمسور بن مخرمة، وأبو أمامة الباهلي وقيس بن أبي حازم ومسروق وأبو وائل، وعروة بن الزبير وطائفة خاتمتهم: زياد ابن علاقة.

وفي المجال الفقهي: كان من فقهاء الصحابة المعدودين، وقد وردت له مسائل فقهية، وروى أحاديث تعتبر سنداً قوياً في الحكم الشرعي، فقد حدث أبو إدريس الخولاني، قال: قدم المغيرة بن شعبة دمشق فسألته: فقال: وصلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك، فمسح على خُفيه. أخرجه البخاري، في باب المسح على الخفين (1 :265)، وصفة ذلك المسح كما روي عن رجاء بن حَيْوه، عن كاتب المغيرة وهو ورّاد عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله.

ففي المسح على الخفين يقول المغيرة وجملة من كبار الصحابة: إن المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة، يمسح على الخفين وعلى العمامة، وهذا هو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وأحمد وجميع أصحابهم، ودليلهم حديث عليّ: كان رسول الله يأمرنا أن يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثا، أخرجه مسلم والنسائي (معجم فقه السلف 1 :26).

وعن المسح على الخفين ورد المسح على الخفين في المحلى، لابن حزم عن المغيرة عن شعبة، كما روى عن أنس وسلمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي أمامة الباهلي، وعلي بن أبي طالب، ودليلهم حديث عمرو بن أميّة الضمري، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين (معجم فقه السلف 1 :61).

وفي الأحق بالإمامة: روى مسلم عن المغيرة بن شعبة، قال: أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الناس الآخرة، فلما سلم عبدالرحمن بن عوف، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، أقبل عليهم ثم قال: أحسنتم أو قد أصبتم، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها.

قال المغيرة: أردتُ أن أؤخر عبدالرحمن بن عوف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، (معجم فقه السلف 2 :5).

وفي سجود السهو، فقد صلى المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين ولم يجلس للتشهد الأول، فقيل له: سبحان الله فقال: سبحان الله، فلما انصرف قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت رواه أبو داود (معجم فقه السلف 2: 100).

وفي الطلاق قبل الدخول، قد قضى المغيرة بن شعبة في امرأة عنين، فرّق بينهما بجميع الصداق، وفي هذا يقول زرارة بن أوفى: قضى الخلف، والراشدون المهديون: أنها إذا أغلق الباب، أو أرخى الستر، فقد وجب الصداق، (معجم فقه السلف 7: 18).

وفي الولاية بالنكاح، خطب المغيرة بن شعبة، بنت عمة عروة بن مسعود، فأرسل إلى عبدالله بن أبي عقيل، فقال: زوجنيها، فقال: ما كنت لأفعل، أنت أمير البلد، وابن عمها، فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص، فزوجها منه، وأمر رجلاً أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه (معجم فقه السلف 7: 15).

وروى مجالد عن الشعبي قال: دهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمر بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه: فأما معاوية فللأناة، وأما عرو فللمعضلات، والمغيرة للمبادهة، وأما زياد فلصغير والكبير، ذكر ذلك الذهبي في (سير أعلام النبلاء 3: 58).

أما في الفتنة فإنّ دهاتهم كما قال الزهري خمسة: فمن قريش عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان، ومن الأنصار: قيس بن سعد، ومن ثقيف: المغيرة بن شعبة، ومن المهاجرين عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فكان مع عليّ قيس وابن بديل، واعتزل المغيرة بن شعبة (سير أعلام النبلاء 3: 22).

وقال الجماعة: مات المغيرة أمير الكوفة، في شعبان سنة خمسين وله سبعون سنة.

 

رجال صدقوا .. المغيرة بن شعبة
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة