Sunday  11/09/2011/2011 Issue 14227

الأحد 13 شوال 1432  العدد  14227

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

العقل أحد السمات العظيمة التي ميز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات، ولهذا يعد العقل سمة بشرية عالية القدر، عظيمة المنزلة، رفيعة الشأن، به يختلف الناس ويتمايزون قيمة وتأثيرا ومكانة، وبه يتحقق الفوز والنجاح، فبالعقل الراجح، والتفكير الصائب، يتحقق الفهم والفقه والتحليل والاستنتاج، وكافة العمليات العقلية التي تهدي للرشد وإلى الطريق المستقيم.

في القرآن الكريم ثلاث عشرة آية ختمت بـ«أفلا تعقلون»، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «قوام المرء عقله» و«لا دين لمن لا عقل له»، ويقول الإمام علي رضي الله عنه: «الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام باتر، فاستر خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك» ويقول ول ديورانت: «عقلك كالمظلة لا يعمل إلا إذا انفتح» ويقول الفرزدق:

لا خير في حسن الجسوم ونبلها

إن لم تزن حسن الجسوم عقول

كثيرة هي المقولات في العقل، ولا غرو في ذلك، فالعقل زينة صاحبه ومصدر فخره، هو من يجعل صاحبه أقدر على التعامل مع المعطيات وتفعيلها، على تفهم الأمور واستيعابها، على تحليل المواقف وحل مشكلاتها، وعلى الاعتبار واستخلاص النتائج. وكما ارتقت الروح في شهر رمضان وارتبطت بخالقها، ارتقى العقل وسما، فتخلص من هموم الدنيا ومشاغلها، وألغى من سلم الخيارات والأولويات كل ما يفسد الصوم والطاعات، وخلا صاحب العقل الراشد بذاته وتفرغ إلى ما يقربه من ربه، فوجه طاقاته وسخرها في أعمال الخير والبر، ووظف قدراته وتفكيره في مراجعة حاله وتقويم سلوكاته، وعرف سلبياته، وشخص نقاط ضعفه، وعزم على محاسبة نفسه وقهرها عن شهواتها التي تدفعه نحو مواطن الهلاك والردى، فصار في كل يوم يقلل في قائمة الأخطاء والسلبيات، ويزيد في قائمة أعمال الخير والبر، وبعد أن كان عبدا للشهوات، تسيره العواطف والنوازع، صار يبحث في الخيارات والبدائل، يختار منها الأفضل والأصلح، وبعد أن كان خفيفا عشوائيا لا يميز بين الغث والسمين، صار يحسن إدراك المواقف، ويعرف قيم الأشياء، ويرتب الأولويات حسب الأهمية والقيمة، والتأثير والعلاقة. ومن سمات التغير العقلي عند الصائم في رمضان، النظر في الاحتمالات والعواقب قبل الإقدام على الفعل واتخاذ موقف، فبعد أن كان الصائم لا يلقي بالا بالنواتج ولا يأبه لها، صار يضع نصب عينيه ما الذي سوف يترتب على هذا الخيار أو ذاك، بهذا انكسرت الأقفال التي كانت تحجر على عقله وتمنعه من النظر في احتمال وجود خيارات أخرى ربما تكون أفضل وأجدى، وبناء على هذه المرونة تبين أن هناك جملة من الحلول بالإمكان أن يختار من بينها الخيار الذي يحقق له أفضل النتائج وأصلحها، وهذا مما مهد وسهل فتح نافذة كانت مغلقة، ألا وهي قابلية مناقشة الأفكار، والحوار والتفاهم مع الآخرين، فبعد أن كانت العقول مقفلة، بحيث لا يرى أحدهم إلا ما يرى، ليس هذا فحسب بل، يعد نفسه على صواب دائما، وغيره على خطأ مهما قيل من مسوغات وبراهين، تمخض عن هذه المرونة وتبين أن هناك دوائر أكثر إضاءة وإشراقة، وأكثر عقلانية ومنطقية ومناسبة وقبولا، لهذا اتسعت دائرة الخيارات وتقبل الآخر، وإمكان التفاهم معه، والإنصات إليه، وترجيح الصواب بغض النظر عن القائل به، وهذا بدوره أفضى إلى توسيع دائرة مصادر المعرفة، والتدقيق فيها وفق معايير واضحة، بدل الاقتصار على مصادر محدودة، مغلفة بعواطفلانقياد الأعمى والتقليد البليد، وبالتالي تم تنحية مداخل اتباع الهوى، والانحياز إلى قناعات وخيارات فجة عقيمة أودت المتبعين لها إلى مهاوي وانحرافات فكرية وممارسات عملية خارجة عن الشرع والقانون. وحيث إن الصائمين يجتهدون في أداء العبادات والمحافظة عليها، فقد تبين للمتسرعين الذين يطلقون أحكاما على الآخرين بناء على انطباعات وظنون وأقاويل مكذوبة أنهم مخطئون عندما عدوا هذا علمانيا، وذاك فاسقا، واتهموهم بتهم هم منها براء، فقد تبين أن من وضعوا في دائرة العلمنة والفسق يماثلون غيرهم في المحافظة على الصلوات والنوافل، يرفعون أكف الضراعة لله خاشعين منيبين، يرجون رحمته ويخافون عذابه.

إن العقل زينة، ومما يزيده بهاء وحسنا، المحافظ عليه من الزلات والهنات، واستثماره في الأعمال النافعات الصالحات.

ab.moa@hotmail.com
 

أما بعد
اللياقة العقلية
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة