Sunday  11/09/2011/2011 Issue 14227

الأحد 13 شوال 1432  العدد  14227

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

وزعم بعضهم بأنه كيف يترك الحساب القطعي ويأخذ بالظني وهو الشهادة فالجواب: هو ما جاء في فتاوى عليش من علماء المالكية حين سئل: (ما قولكم في شهادة عدلين برؤية الهلال مع قول أهل الحساب أنه لا تمكن رؤيته قطعاً فهل يعمل بها ويطرح كلام أهل الحساب أو لا؟.

فأجاب بما نصه: يعمل بشهادة العدلين ويطرح كلام أهل الحساب، كما قاله العلامة الحطاب ونصه: لو شهد عدلان برؤية الهلال، وقال أهل الحساب إنه لا تمكن رؤيته قطعاً فالذي يظهر من كلام أصحابنا أنه لا يلتفت لقول أهل الحساب)(14).

وأوردت هذا النقل لأبيّن أن أهل الحساب من قديم وهم يجزمون باستحالة الرؤية، ومع ذلك لم يلتفت لهم علماء الشرع، بل ونصوا على إطراح قول أهل الحساب..

علماً أنه قد يترك القطعي ويعمل بالظني فالقاضي لا يحكم بعلمه مع كونه قطعياً، ويحكم بالشهادة وهي ظنية ويدع علمه.

فهل يقال والحالة هذه: لا تصح الشهادة حتى تنفك عما يكذبها، مع أن مكذبها لم يعتبره الشرع ولم يلتفت إليه.ثم القول بأنه الرائي للهلال قد يكون اشتبه عليه الأمر فرأى كوكباً، لكون الفلكيين قالوا باستحالة الرؤية للهلال فيقال: إن الواجب على المسلمين هو الترائي للهلال فإذا شوهد الهلال تعلق به الحكم ولو سُلِّم أن الرائي رأى كوكباً واشتبه عليه وشهد بأنه رأى الهلال فالله لم يكلفهم إلا بما رأوا، مع أن هذا الاحتمال موجود في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصر القرون المفضلة ومع ذلك لم يرجعوا للحساب بل قبلوا شهادة الشهود مع احتمال أن ما رآه الشاهد كوكباً.

ولا يظن بمن تمرس على رؤية الهلال سنين عديدة يخلط بين الكوكب والهلال بل صغار أطفالنا لو قيل له ارسم هلالاً وارسم كوكباً لوجدت الفرق بينهما حتى في رسم الأطفال، فكيف بمن كان حاد البصر مجرباً في الرؤية عارفاً بالقمر وأحواله.قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: (ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خروجاً وهم معتمدون في إثباته على ما صحت به السنة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن عليهم في ذلك بأس، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ولو تركوا ذلك من أجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً لكانوا آثمين وعلى خطر عظيم من عقوبة الله عز وجل، لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم)(15). فإن قيل كيف يعتمد على الحساب في مواقيت الصلاة ونحوها ولا يعتمد عليه في أمور الهلال، فيقال ما قاله القرافي -رحمه الله- في فروقه(16): (والفرق وهو المطلوب ها هنا، وهو عمدة السلف والخلف أن الله تعالى نصب زوال الشمس سبب وجوب الظهر، وكذلك بقية الأوقات..

فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات، وأما الأهلة فلم ينصب صاحب الشرع خروجها من الشعاع سببا للصوم، بل رؤية الهلال خارجاً من شعاع الشمس هو السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم، ويدل على أن صاحب الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال عن شعاع الشمس سبباً للصوم قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ولم يقل لخروجه عن شعاع الشمس، كما قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} فواقع الحال هو المطلوب في أوقات الصلاة ونحوها إذا غربت الشمس وجبت صلاة المغرب وإذا طلع الفجر الصادق وجبت صلاة الفجر، بخلافه دخول الشهر وخروجه فالعبرة برؤية الهلال أو إتمام ثلاثين إن لم ير.

على أن إجماع الفلكيين ولو أجمعوا ليس بحجة، ولا يجب الأخذ به، وهذا معلوم عند من له معرفة بعلم أصول الفقه، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- : (ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة، لأنهم ليسوا معصومين، بل يجوز عليهم الخطأ جميعاً، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به، هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية، لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة. وأما غيرهم فليس إجماعهم حجة تعارض بها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، كما يعلم ذلك من كتب الأصول، وعلم مصطلح الحديث)(17).

وبعد هذا أقول وأناشد أن يكف أصحاب البلبلة والتشويش والتهويش والإثارة من المشككين في صيام الناس وأعيادهم بعد اعتماد ولي أمر المسلمين ما صدر من المحكمة العليا وهم بذلك التشويش قد ارتكبوا نوعاً من أنواع الخروج على ولي الأمر، وأعجب منهم من ارتكب ضلالة على ضلالة من صيامه ليوم العيد فيصبح صائماً والناس مبتهجون بعيدهم، ولذا قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-: (الحسابون فلا يلتفت إليهم ولا يعول على حسابهم، ولا ينبغي لهم أن ينشروا حسابهم، وينبغي منعهم من نشر حساباتهم، لأنهم بذلك يشوشون على الناس، لا في مسألة رؤية الهلال ولا في مسألة الكسوفات، لما في إعلانهم من التشويش على الناس، ولأنه لا يجوز العمل بقولهم، وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إجماع أهل العلم على أنه لا يعتمد على قول أهل الحساب في دخول رمضان ولا في خروجه)(18).

فائدة: ذكر الشيخ وليد بن هادي من مشايخ دولة قطر في مقال له ما نصه: (وأما ادعاؤهم بأن الرائي لا يمكن أن يرى ما لا تراه المراصد الفلكية (التلسكوبات) فادعاء باطل فقد كان علماء الهيئة يقولون قبل سنوات باستحالة الرؤية بالتلسكوب في حالات ادعيت فيها الرؤية بالعين، والآن يقرون بأن الأجهزة تثبت صحة ما ادعي فيها الرؤية البصرية، وقد ذكر د. محمد بخيت المالكي -دكتوراه في الفلك من جامعة جلاسكو- أن الاعتماد على العين قد يكون أفضل من المراصد حيث قال: «يظن الكثير أن المراصد الفلكية (التلسكوبات) تُحسن فرصة رؤية الهلال، والواقع قد يكون العكس، تقوم فكرة المراصد الفلكية على زيادة كمية الضوء الواصلة من الجسم المراد رصده (القمر هنا)، لا تكبير حجم ذلك الجسم، حيث يعد ذلك خدمة ثانوية في المرصد الفلكي، لأن أغلب الأجرام السماوية بعيدة جداً وإمكانية تكبيرها تكون صعبة بالنظر المباشر في المرصد، ولكن التكبير يحدث بتصويرها ضوئياً -وهذا يعتمد على كمية الضوء الساقط على اللوح التصويري- ومن ثم تكبير هذه الصورة إلى أقصاها.

وفي حالة الهلال، فإن القمر يكون قريباً جداً من الشمس في الحالات الصعبة، وهنا ستكون كمية ضوء الشمس من الكبر بحيث تؤثر على عين الراصد مما قد يعرضه للعمى لا قدر الله، أما إذا كان القمر بعيداً عن الشمس فإمكانية رؤيته بصرياً ستكون سهلة ولن يقدم المرصد الفلكي كبير خدمة هنا، حيث إن منظاراً مكبراً بسيطاً سيكون كافياً، في حالة عدم رؤية الهلال بصرياً».

والعجب أن الاعتراض في كل عام يكون أكثره من علماء الحساب السعوديين مع أن الأمة الإسلامية منذ عقود تبع لرؤية المملكة فما أن تعلن المملكة عن دخول الشهر وخروجه إلا وأكثر العالم الإسلامي يتبعها في ذلك، وهذا من فضل الله ونعمه عليها أن تثق دول العالم في صدق تحري المملكة وصدق علمائها ومكانتهم ولكن قومهم لا يعلمون)..

انتهي ما كتبه الشيخ القطري وفقه الله، تقبل الله من الجميع صيامهم وقيامهم وغفر ذنوبهم.

****

(14) (1-160).

(15) الفتاوى (15-133).

(16) الفروق (2-179) .

(17) الفتاوى (15-132).

(18) الفتاوى (15-135- 136).

*عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

 

يا أهل الفلك تعالوا إلى كلمة سواء (2-2)
د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة