Wednesday  14/09/2011/2011 Issue 14230

الاربعاء 16 شوال 1432  العدد  14230

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

حينما يؤكد - الشيخ - عبد المحسن العبيكان - المستشار بالديوان الملكي -، على أن مقاله التوضيحي لرؤية هلال شوال، الذي نشر - قبل أيام -، جاء؛ لحماية سمعة الدين من أن يُتهم بالتخلف، والجمود، ومخالفة الحقائق العلمية؛ ولكي تسلم عبادات

المسلمين من التشويش، والتخبط، والاعتماد على الخيالات، والأوهام، فهذا - بلا شك - تأكيد على أن الحسابات الفلكية، أصبحت خاضعة لعلوم تجريبية قطعية، مما يجعل الأخذ بها يفيد القطع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهو دليل على أن دين الإسلام، لا يصادم العلم، ولا يقف حجر عثرة في طريقه، بل هو الدين الذي يحث على العلم، والتعلم، والقراءة، والبحث، وإعمال الفكر، والنظر في الكون؛ من أجل استخلاص النظريات الكونية التي تفيد الإنسان.

وعلى رغم أن الإسلام لا يُصادم العلم أبدا، فإن هناك من يرى، عدم جواز استخدام المناظير الفلكية في إثبات رؤية الهلال؛ لاعتبارات تتعلق بالرؤية المجردة، حسب التوجيه النبوي بزعمهم، كون الرؤية تعبدية؛ ولأن الله - سبحانه - ربط أحكامه بعلل، وأسباب شرعية، فإذا وُجدت العلة الشرعية، وُجد حكم الله. حتى خرج أحدهم مدعيا: أن الاستعانة بالمراصد الفلكية في رصد الهلال غير ممكن - حاليا -، حسب الإمكانات الموجود عالميا، إلا في حالات يمكن للعين البشرية، أن ترى فيها الهلال ببساطة، مما يجعلها قليلة الجدوى.. وأن الغلو يجري في تضخيم دور المراصد في رؤية الهلال، وأنها تغني عن الرؤية البصرية، بدون تثبت، ولا تحرٍّ، مما يضعف من شأن الرؤية الشرعية بالعين المجردة، وهي الأصل.

أقول: رغم ما سبق، فإن تعليق مفتي عام المملكة - سماحة الشيخ - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - قبل أيام -، حول ما ذكره علماء فلكيون: من عدم التمكن من رؤية هلال العيد - لهذا العام - بالعين المجردة، فأشار إلى: « إمكانية الأخذ برأي الفلكيين، إن شوهد الهلال بالمنظار « الرؤية المكبرة «، وليس شرطا الاقتصار على الرؤية المجردة «؛ ليغلق الجدل المتكرر حول موضوع جواز استخدام المناظير الفلكية، ودعوته لذلك.

فحوى هذه الدعوة من مفتي عام المملكة، هو ما يتوافق مع بيان مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها الثانية والعشرين، التي انعقدت بمدينة الطائف، ابتداء من العشرين من شهر شوال، حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام « 1403هـ «، حيث بحث المجلس موضوع إنشاء مراصد فلكية، يستعان بها عند تحري رؤية الهلال، بناء على الأمر السامي، الموجه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية، والإفتاء، والدعوة، والإرشاد برقم « 4-ص-19524»، وتاريخ: 18-8 /1403هـ، والمحال من سماحته إلى الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم « 2652-1-د «، وتاريخ: 1-9-1403هـ، وبعد أن اطلع على قرار اللجنة المشكلة، بناء على الأمر السامي رقم « 6-2 «، وتاريخ: 2-1-1403هـ، والتي درست فيه موضوع: الاستعانة بالمراصد على تحري رؤية الهلال، وأصدرت في ذلك قرارها المؤرخ في 16-5-1403هـ المتضمن على ست نقاط، وفيه:

3- إذا رئي الهلال بالمرصد رؤية حقيقية بواسطة المنظار، تعين العمل بهذه الرؤية، ولو لم ير بالعين المجردة؛ وذلك لقول الله - تعالى -: « فمن شهد منكم الشهر فليصمه»، ولعموم قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم... «، الحديث يصدق أنه رئي الهلال، - سواء - كانت الرؤية بالعين المجردة، أم بها عن طريق المنظار، ولأن المثبت مقدم على النافي.

ومن أجمل البحوث التي اطلعت عليها في بيان كيفية رصد الهلال، بحث قُدم لاجتماع الخبراء؛ لدراسة موضوع ضبط مطالع الشهور القمرية عند المسلمين، بعنوان: « الهلال بين الحسابات الفلكية والرؤية «، - للأستاذ - محمد شوكت عودة. فعند تحري هلال الشهر الجديد، يقوم الفلكيون - أولاً - بإجراء الحسابات الفلكية للهلال - يوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري الحالي - وينظرون إلى موعد الاقتران « المحاق، أو تولد الهلال «، فإن كان موعد الاقتران سيحدث بعد غروب الشمس، يكون حكمهم - قطعاً - باستحالة رؤية الهلال بعد غروب شمس - اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري الحالي -، وأن - غداً - هو اليوم الثلاثون من الشهر الهجري الحالي، وعليه يبدأ الشهر الهجري الجديد، يوم بعد غد، أما إذا كان الاقتران سيحدث قبل غروب شمس - اليوم التاسع والعشرين -، فينظرون - بعد ذلك - إلى موعد غروب القمر، فإذا كان القمر سيغرب في هذا اليوم قبل غروب الشمس، فيكون حكمنا - قطعاً - باستحالة رؤية الهلال بعد غروب شمس هذا اليوم، وأن - غداً - هو المتمم للشهر الهجري الحالي، وأن الشهر الهجري الجديد، سيبدأ يوم بعد غد.

أما إذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس، وغرب القمر بعد غروب الشمس، فعندها يرجع الفلكيون إلى أحد معايير رؤية الهلال، وليكن معيار « مرصد جنوب إفريقيا الفلكي « - مثلا -، ويقومون بحساب فرق السمت بين الشمس، والقمر وقت غروب الشمس، ويحسبون ارتفاع القمر عن الأفق لحظة غروب الشمس، ولنفرض: أن فرق السمت بين الشمس، والقمر كان «10 « درجات، وكان ارتفاع القمر عن الأفق أربع درجات، فإن رؤية الهلال غير ممكنة، إذا كان ارتفاع الهلال عن الأفق أقل من « 4.9 « درجة، وحيث إن ارتفاع الهلال عن الأفق في مثالنا - هذا - هو أربع درجات، نستنتج - إذاً - أن رؤية الهلال غير ممكنة في هذا اليوم، أما إذا كان ارتفاع الهلال تسع درجات - مثلاً -، فنلاحظ أنه من المتوقع رؤية الهلال في هذا اليوم، وأن يوم غد، هو أول أيام الشهر الهجري الجديد.

و عن كيفية الحصول على موعد الاقتران، ومواعيد غروب الشمس، والقمر، وقيم السمت للشمس، والقمر، وارتفاع القمر عن الأفق، فيتم الحصول عليها باستخدام أحد برامج الحاسوب الفلكية، التي يمكن معرفة بعضها باستشارة إحدى الجهات الفلكية المتواجدة في المنطقة العربية. ومن الطرق البسيطة لمعرفة إمكانية رؤية الهلال في يوم ما، استخدام برنامج الحاسوب « المواقيت الدقيقة « ( Accurate Times )، ويمكن الحصول على البرنامج مجاناً من الموقع التالي:

http://www.icoproject.org/accut.html

وبمجرد إدخال التاريخ المطلوب، يقوم البرنامج برسم خارطة العالم، موضحاً عليها المناطق التي يمكن أن يُرى منها الهلال بالعين المجردة، والمناطق التي يمكن أن يُرى منها الهلال باستخدام المراصد الفلكية - فقط -، وتلك المناطق التي لا يمكن رؤية الهلال منها، - ولا شك - أن هذه الطريقة، تتميز بسهولتها، وإمكانية استخدامها من قبل أي مهتم، دون الحاجة لإلمامه بالحسابات الفلكية، وتفاصيلها.

أتصور أن الفكرة قد وصلت، وعسى أن نتعاون في حل إشكال القضية الخلافية السنوية، والتي تُجسد حال الفرقة التي تحياها الأمة الإسلامية - اليوم -، كي ننهي الموضوع دون رجعة، ولعل التعليق المشار إليه من سماحة مفتي عام المملكة - الشيخ - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، يكون بادرة حسنة نحو الأخذ بأسباب علم الفلك الحديث في إثبات رؤية الهلال، - لاسيما - وأن علم الفلك له قواعد تحكمه، وولادة الهلال مسألة قطعية، لا تقبل الجدل بين علماء الفلك. فمتى رُئي الهلال بالمراصد الفلكية رؤية حقيقية، تعيّن العمل بها. ولا تعارض بين هذه الخطوة، وبين قول رسول الله - صلى الله عليه وســلم -: « صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته «، فإذا رُئي بالمراصد الفلكية، يصدق أنه رُئي الهلال، وإن لم يُر بالعين المجردة.

ويبقى السؤال الكبير الذي طرحه - الشيخ - عبد المحسن العبيكان - قبل أيام -، عن مدى فائدة حضور الفلكيين بالمراصد الفلكية، التي تقرب البعيد مئات المرات عن نظر العين البشرية، ثم يقبل دعوى الشاهد برؤيته مع عدم رؤيته بالمرصد الفلكي، فإن هذا مما يستحيل عقلًا، وشرعًا، وحسًا، إذ لا بد في قبول الشهادة من أن تنفك عما يكذبها عقلًا، وحسًا، وشرعًا. ومع اجتماع المرصد، والشهود، والفلكيين، يتلافى الخطأ، والوهم؛ لاستحالة أن ترى العين المجردة، ما لا يرى بالمرصد الفلكي في المكان الواحد، والزمان الواحد؛ لأن المرصد الفلكي يكبر حجم الهلال إلى المئات.

drsasq@gmail.com
 

هلال المراصد الفلكية !
د.سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة