Thursday  15/09/2011/2011 Issue 14231

الخميس 17 شوال 1432  العدد  14231

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

للرحلات الاستكشافية (Tour) في الدول الغربية خصائصها وسماتها، وهي ثقافة مجتمعية أخذت أبعادها وفلسفتها من النظام الحياتي للسائح والمواطن الغربي، ونحن لهم في هذا تبع.. وآخر رحلة استكشافية قمت بها صيف هذا العام كانت في نيويورك، تبدأ الرحلة من السنتر ويسير الأوتوبيس حسب خط سير محدد وعبر دوائر معلمة بألوان مختلفة والتوقف عند نقاط محددة.. لن أصف الرحلة ولن أقول ماذا أعجبني وما هو الجديد الذي رأيت، ولكنني أركز على نقطة مهمة ألا وهي.. كيفية تعزيز روح العداء للمسلمين من قبل المرشد السياحي النيويوركي الذي جزماً تم اختياره بعلم ودراية، والشركات السياحية تعلم غالباً ماذا سيقول وترشده بماذا يتحدث!!

لقد مررنا على برج مرتفع يزيد على المائة دور، (.. هذا المبنى هو أطول مبنى في نيويورك حالياً بعد سقوط برج التجارة العالمية)، توقفت بنا هذه الرحلة الاستكشافية عند أرض برج التجارة العالمية ونزل الجميع تقريباً لمشاهدة بقايا المكان، هناك عدد من الأشخاص يتحدثون مع بعضهم بعضا عن البرجين.. وبجوار المكان أرض كبيرة أريد لها أن تبقى شاهداً على ما حدث.. وعلى يمينه معرض ضخم يحكي القصة من ألفها إلى يائها ويباع في داخله هدايا مختلفة كلها تعمق أثر المأساة وتجذر الكُره لمن قتلوا الأبرياء.

كانت الأنظار تتجه لي ولزميلي بشكل عجيب، والكل يلتقط الصور ويحاول أن يحلل الحدث.. طبعا جنسيات مختلفة وألوان متعددة وغالباً لغة واحدة هي اللغة الإنجليزية.. عدنا إلى أتوبيس الرحلة وبدأ المرشد السياحي من النقطة التي توقفنا عندها، تحدث طويلا عن (11 سبتمبر) وبشكل مسيس قال مثلاً.. (لا تعتقدوا أن من مات تحت الركام وبسبب هذه الحادثة هم فقط الأمريكان بل مات أناس كثر من جنسيات مختلفة لكن أبرزهم وما يهمنا الحديث عنه من بينهم أربعة عشر سعودياً!!.. لم يكن الحدث سهلا ولا اعتباطاً لقد جاءت الطائرة الأولى وضربت الدور (84) ومن زاوية مؤثرة جدا على مركز المبنى وللعلم فهذا الدور هو محل ومركز الاتصالات في المدينة ولذا انقطعت جميع الاتصالات ولا يعرف أحد ما الذي حدث.. أنا شخصياً - والحديث للمرشد السياحي- فقدت أعز أصدقائي ورفيق دربي في 11 سبتمبر.. أعرف (71) شخصاً كلهم ماتوا بسبب ضرب البرجين العالميين لم يكن لهم ذنب ولا يمكن أن نقول عنهم إنهم رجال سياسة أو يخططون ضد المسلمين أو لهم أهداف غير أخلاقية.. إن ما حدث يحكي مأساة إنسانية وليس أمريكية.. استمرت الجولة ولم يترك المرشد السياحي فرصة لإعادة الحديث عن هذا الحدث إلا وظفها وبشكل عجيب وغريب وبلغة مفهومة للجميع ومبسطة وواضحة وكأنه يريد أن يوصل رسالة خطط لها بشكل جيد.. مررنا في أطراف المدينة مثلاً على برج حديد زرع بطريقة لا تتوافق مع ما هو معروف من تنظيم وتخطيط للمدينة، قال لنا (.. التفتوا يميناً سترون قريباً منكم برجاً حديدياً هذا هو برج الاتصالات الذي شيد على عجل ليكون مركزاً للاتصالات بعد تدمير برج التجارة العالمية الذي ضربه المسلمون!!).

هذه الحكاية كان يستمع لها جميع من في هذه الرحلة وجزماً كررها هذا المرشد وغيره من زملائه على مسامع الجميع ممن يزورون مدينة نيويورك وهم من جنسيات مختلفة وبأفهام متباينة ومدارك بعضهم منها واسع والآخر ضيق، وهي كما هو واضح تغرس في نفوس المستمع لمثل هذا المتحدث المجيد للتوظيف والبارع في إيصال الرسالة،، تغرس الكره وتجذر الحقد وتثير العاطفة وتجعل التساؤل يعيد نفسه مرة أخرى بعد مروركل هذه السنوات العشر. ترى لماذا كان هذا الحدث وما هي الفوائد التي جنيناها وهل استطعنا أن نحسن الصورة الذهنية لدى العالم تجاه المسلمين على مدى عقد من الزمن؟ وهل استطعنا أن نمحو الآثار السلبية التي لحقت بنا جراء الربط المفتعل بين الإرهاب والإسلام؟ اعتقادي الشخصي بأن ما نفعله حكومات وشعوبا قد يفسده أمثال هؤلاء المرشدين السياحيين، وقد يكون مع كل ذكرى سنوية أحاديث وصور تجعل الغرب لا ينسى المأساة وتتجدد لديه الأحزان حتى لا يبقى أهالي نيويورك يوظفون مأساتهم توظيفاً سياحياً والتي ما زالت في نظري لغزاً محيراً لم ولن ينفك بسهولة،، ولا أخفيكم أن اللغز ازداد عندما رأيت موضع برجي التجارة العالمية في وسط تلك المباني المرتفعة التي لم تهتز ولم تتأثر لا من بعيد ولا من قريب وكأنها أبعد ما يكون عن موقع الحدث.. باختصار إن الجولات السياحية في نيويورك تعمل بطريقة منظمة لجعل 11 سبتمبر الحدث المفصلي الهام في تاريخ بلادهم «الولايات المتحدة الأمريكية» وتحاول أن تغرس في نفوس السائحين أن من ضربنا بل ضرب الإنسانية في الصميم هم المسلمون. وهذا يُحمل المخطط الاستراتيجي المسلم مسئولية التجديد في وسائل وأساليب وطرق بناء الصورة الذهنية الإيجابية للمسلمين في كل مكان خاصة في نيويورك وعلى وجه الخصو ص في الأماكن القريبة من محل الحدث. وإلى لقاء والسلام

 

الحبر الأخضر
نيويورك.. وتجارة الكراهية
د.عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة