Thursday  15/09/2011/2011 Issue 14231

الخميس 17 شوال 1432  العدد  14231

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

تبدو ردود الفعل حول انتخابات الأندية الأدبية، كما تعكسها الصحافة المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة، وكأنه لا قبول لنتائجها ولا رضا بها إلا لدى الفائزين بها ومن حولهم..

ولكنه رضا لا يكاد يعلن عن ذاته فهو أقرب إلى الصمت إن لم يكن هو الصمت ذاته. وما يلفت النظر بشكل واضح هو اندلاع حملة صاخبة من النقد الموجَّه إلى المسؤول متمثلاً في شخص وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان. وهو نقد يحمل، في بعض تجلياته، طابعاً شخصياً ويصل إلى حد الشتيمة والإساءة. فمن التقليل في كفاءة الإدارة للثقافة إلى التشكيك في النزاهة وتزوير النتائج، وبين هذا وذاك اللجوء إلى معالي الوزير، وطلب بعضهم رفع المقترحات والشكاوى إليه، كما في شكوى أعضاء من الجمعية العمومية لنادي الرياض تطالب بالانتخاب الورقي وليس الآلي (الوطن 8-9-2011).

ما لا يبدو هو الرضا بالانتخابات وتقبل نتائجها لدى من لم يفز من جهة، ومن لم يتقدم بترشيح اسمه لعضوية مجلس الإدارة من جهة أخرى، ومن كان راضياً بها وعنها ثم لم يتحدث بذلك. وهذا لا يعني أن الرضا غير موجود، أو في حكم الأقل، بل هو الأكثر كثرة ساحقة، ويمكن أن نأخذ مؤشر هذه الكثرة من انتخابات نادي الأحساء بوصفها أكثر الانتخابات في عدد الذين قاموا بالانتخاب (525 عضواً) وأكثرها إثارة للجدل من خلال بعض المرشحين الخاسرين، وما جرت الإحالة عليه فيها لدى المشككين والمتوجسين في الأحساء وفي مناطق أخرى، من اتهام أجهزة التصويت الإلكتروني. فحين كشف تقرير الوزارة الفني عن عدم تغير نتيجة الانتخاب، وطلب الاحتكام إلى رأي الجمعية العمومية في إعادة الانتخاب أو الرضا به، كما تقضي اللائحة، لم يتقدم في المهلة المعلنة إلى الأربعاء 9 شوال سوى 11 عضواً. وهذا معنى الرضا بالانتخابات من خلال التعبير بالصمت، ودليل كثرته الطاغية.

ترى، لماذا يحضر الاعتراض والطعن والتشكيك والشتم أكثر من الرضا؟ ولماذا لم يبد صمت الراضين تآمراً إضافياً على الطاعنين؟ أليس من المنطقي مادام الصامتون راضين بدسيسة أن يُتَّهَموا بالشراكة في صفقة معقودة في الخفاء مع الوزارة؟ هل اتفقت كثرتهم على هذا السر؟! و –إذن- لماذا لم يشمل هجومُ المعترضين صمتَ الراضين؟ لماذا اتهم المعترضون والمتوجسون الوزارة فقط؟. وفي مدار إجمالي: هل كان الهجوم على الوزارة تالياً للانتخابات أم سابقاً عليها؟ ثم –وهو سؤال جوهري- هل نالت مجالس إدارات الأندية بالتعيين في الفترة السابقة هجوماً أكثر مما تناله في أيام الانتخابات هذه أم أقل؟ ما دلالة ذلك؟ وما أسبابه؟

هذه الأسئلة تكشف عن الوعي المتخلق مع الانتخابات وفي غضونها وبسببها، وذلك لأنها أسئلة تقصد وصف ردود الفعل تجاه الانتخابات في المسافة بين الصمت والكلام، والقبول والرفض، والثقة والشك، وبين الجبر والحرية، والتعيين والانتخاب، والشخصنة والمأسسة. ولنبدأ من مسافة الاختلاف بين التعيين والانتخاب، فلَمْ تواجه وزارة الثقافة هجوماً وتشككاً من المثقفين حين عينت مجالس إدارة جديدة قبل أكثر من خمس سنوات بالقدر الذي تواجهه الآن. وعلى الرغم من تعالي أصوات، آنذاك، تنتقد التعيين وتطالب بالانتخاب وأخرى –على قلتها وانتمائها إلى المجالس القديمة- مضادة للتغيير، فإن ما شهدناه من طعن وتشكيك وهجوم كان أقل في نوعيته وكميته مما يحدث الآن.

وهذا يقودنا إلى ما خلقته الانتخابات من فضاء التعبير عن الذات والإحساس بها والرغبة في تأكيدها وتلمس مساحة حريتها. ولا ريب أنها -لدى مثقفينا- الممارسة الأولى على هذا النطاق، أو هي بتعبير غير واحد: «سَنَة أولى انتخاب» قياساً على سنوات التعليم أو العمر التي تدلل في أولياتها على الطفولة والأمية وبدايات الخطو والتلفظ والتعلم. لهذا لم يكن مفاجئاً أن تضاءل في الوعي مغزى الانتخابات في تأكيد اللوائح والقانون وسيادة العمل المؤسسي، ولم يكن غريباً أن بدا تمثل روح الموضوعية والحياد، وتطامن الذات إلى الحدود الديموقراطية، ضئيلاً وفقيراً. بل لقد بدا الانتخاب مناسبة لإعلان الذات وفرضها ليس للفائزين بالنتائج الذين حقق لهم الفوز هذا المعنى بل للخاسرين وللمعلقين من خارج مسافة الانتخاب. وبدا رفع الصوت على مقام الوزارة وبروز أصوات شديدة النقمة على وكيل الثقافة جزءاً من دلالة التأشير على الذات المألوف شعبياً.

ولن يغفل المرء عن الانتباه إلى تكرار ذكر اللائحة والإحالة عليها في كل جدل حول الانتخابات أو اختلاف بشأن إجراءاتها، فأصبحت تسمع من يعلل إجراء بحجة المطابقة للائحة، أو يدحض آخر لأنه يخالفها، أو يطالب بحق لأن اللائحة تكفله... إلخ. وهذا أمر يتشاركه المسؤولون في الوزاة وأعضاء الأندية والمثقفون خارجها، ومعناه أن سلطة المسؤول التي تفرض رأياً شخصياً أو انحيازاً بشكل أو بآخر قد تأخرت أمام تقدم القانون، وأن المسؤول لم يعد شخصاً بل نظاماً. أمام سلطة المسؤول الشخصية لا ينالك من خير إلا جُودُه وهباته ولا يصلك من كرم إلا تفضله وبذله. المسؤول هنا ضرورة بذاته لا بدوره، برضاه وبهجته والتقرب إليه ومديحه...

إن الشعور بالتحرر من شخصانية السلطة هو حافز الانفجار تجاهها، وهكذا يبدو أنه لا تثريب على من ينتقد المسؤول، بل إن من الطبيعي أن يبدو المسؤول -أي مسؤول- في موضع النقد والاعتراض ومنازعة الفهم والتفسير، مادامت مسؤوليته متمثلة بدوره تجاه اللائحة وليس في شخصه. لكن المشكلة تبدو حين نستبدل شخصانية بأخرى، ويكون النقد حضوراً ذاتياً لا موضوعياً لفاعله، فندحض شخصانية المسؤول ونخرقها من أجل حضور شخصاني لنا. وهذا هو ما يصف معظم الانتقاد والتشكيك والهياط الذي يتعالى في ساحتنا بوجه الوزارة.

كان مسؤول الوزارة في أكثر من مشهد، وأمام غير اتهام أو اعتراض، ناكراً لذاته، متواضعاً لما يطلب منه، متخلياً عن دور الحَكَم أو دور الكبير أو العارف. فما الذي نقرأه –مثلاً- في قول الدكتور ناصر الحجيلان: «أيُّ جمعية عمومية لأي ناد أدبي تريد أن تجري انتخاباتها ذاتياً وتبلغ الوزارة بالنتائج فإن وكالة الوزارة لا تمانع في ذلك» أو قوله: «إذا رغب المثقفون أن يشرفوا بأنفسهم على الانتخابات فإن وكالة الوزارة ترحب بذلك»، وإشراف الوزارة على الانتخابات هو مطلب المثقفين «لأنهم هم من وضعوا لائحة الانتخابات»؟. وماذا يعني نفيه أي فوقية لفرض التمديد للتسجيل في جمعية نادي الرياض، لأن رفض التمديد أو إقراره من صلاحيات النادي وليس الوزارة؟ (انظر عكاظ والوطن 12 سبتمبر 2011). وما مسافة الفرق بين المطالبة للدكتور الحجيلان لأنه فُهِم من حديث إذاعي له أنه يصف المثقفين بالمرضى النفسيين والمجانين (الحياة السعودية 10 سبتمبر 2011) وإعلانه التراجع إن كان فُهِم منه ما يسيء إلى أحد (الحياة السعودية 11 سبتمبر 2011)؟!.

هذه الصورة التي تتجلى للمسؤول، متواضعاً وشفافاً وموضوعياً وبلا تسلط، هي ما يثير مخاوفي من لجاجة النقد والطعن ودعوى التآمر والدسيسة. فمادامت هذه اللجاجة حال الطبقة الممتازة وعياً وتعليماً ورغبة في الترقي الحضاري والإنساني، فكم هي المسافة الزمنية إليها لمن هم دونها؟ كم علينا أن ننتظر اللحظة التي يمد الخاسرون في الانتخابات أيديهم باسمين في ثقة إلى أندادهم أو خصومهم الفائزين مهنئين لهم بالفوز ومعلنين بأنفسهم خسارتهم؟ هل كانت هذه المخاوف سبباً في إحجام أسماء معروفة عن التقدم للتسجيل في جمعيات الأندية وممارسة حقهم في الترشح والانتخاب؟ ثم ما الذي يصنعه الفوز بالأصوات لاسم غير قادر على إدارة مؤسسة ثقافية؟.

حقاً، إنها تجربة تثير بعض الخوف وكثيراً من التفاؤل بالضرورة، فمن دون التفاؤل والرجاء ليس إلا المراوحة في المكان إن لم يكن التراجع. وقد هرمنا ونحن ننتظر، فلا لمزيد الانتظار.

 

انتخابات الأندية الأدبية: الحاضرون هم المعترضون!
د.صالح زياد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة