Friday  16/09/2011/2011 Issue 14232

الجمعة 18 شوال 1432  العدد  14232

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يقول سبحانه الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (7-9 سورة السجدة).

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: «اللهم ربّ كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي» (جامع الأصول 4: 3)، وقد أجاب الله دعوته، وقال وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4 سورة القلم). والنصوص في حسن الخلق كثيرة، ومنها: نرى علماء الإسلام قديماً وحديثاً قد اهتمّوا بالتعمق في الفكر للتبصّر في مخلوقات الله، والاعتبار بما في النفس البشرية، ودراسة ما أودع الله فيها من غرائب وأمور دقيقة الصنع، محكمة العمل، لأن الله سبحانه أمرهم بذلك في كتابه العزيز، ليزداد إيمانهم، وتتمكن التقوى من قلوبهم.

فعلماء الطب المسلمون، الذين تشبّعت نفوسهم بالإيمان: وأن الله هو الخالق، الموجد للإنسان من العدم، قد امتلأت أفئدتهم بمعاني القرآن الكريم، فهم يربطون ما يجدون في مهنتهم، وما يتفتح أمامهم من أمور قد ضاق فهمها أمام غيرهم، بما وهبهم الله من علم في جسم الإنسان من عجائب، وبما برز بالتجربة وفي المختبر، ليربطوا ذلك بمقارنة ما يجدون في مهنتهم من أمور فتحها الله بالعلم والتجربة، وهي قليلة في علم الله َمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85 سورة الإسراء).

وهذا يربطهم بالأمر التشريعي في العقيدة، وبما عرفوه في القرآن الكريم والسنة المطهرة لأنهما المصدران اللذان فتحهما الله سبحانه بالآفاق العميقة في التوجيه والتعليم، ليرتبط العلم بالعمل، فيسّر الله بهما فهماً وإدراكاً، لأمور كثيرة، تبرز منها عظمة الخالق سبحانه وقدرته.

وهذا مما يزيدهم إيماناً ويقيناً، مما يثبت التجربة العلمية بالحقيقة الإسلامية ولذلك برز التدين عند بعض الأطباء أكثر من غيرهم، ونحن في هذا العصر الذي توسّع فيه: الطب والعلوم الحديثة بأجهزتها ومختبراتها، فعرفت بعض الخفايا، وخاصة في الجسم البشري: في تكوينه وتركيبه، وفي وظائف كل خلية فيه، والأعمال التي يقوم بها كل جزء منه مهما صغر، وفي خصائصه وعجائبه، والوظائف التي يؤديها كل جزء مهما صغر.. بل في خفاياه والعمل المحكم، بإرادة العزيز الحكيم الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (7 سورة السجدة).

وخاصة في انتظام الأمور المتعددة، بحيث يُسْتَبْدلُ شيء بشيء، كأنه احتياطي مهيأ للحاجة، وفي انتظام الأمور المتعددة، وهذا مما هيأ الله للإنسان من الفهم والعلم بالحقائق الكونية، التي من علم الله ودقة صنعته، لتوظيف ذلك في الفهم الحقيقي الذي أمر الله به في كتابه الكريم في مواطن كثيرة، ولذا فإن عقيدة الإسلام المطلوبة، من كل مسلم والعلماء على وجه الخصوص، إلى ربط ذلك بحسن العلاقة بالله سبحانه أولاً، وجوهر ذلك حسن التوكل على الله، وأداء الشكر لله سبحانه، على الوجه الذي يرضيه جل وعلا عنا، وأحبها إليه جل وعلا، ما افترضه على عباده، كما جاء في الحديث القدسي (وما تقرب إلي عبدي، بأحب إلي مما افترضته عليه) الحديث.

لأن ذلك هو السر الأساسي لوجودنا في هذه الحياة، فهل: فكّر أي واحد منا مثلاً: في سر اللعاب الذي يتدفق في فمه، وعن أهميته في الغذاء، من حيث التنظيم والمرونة، والإعانة على الكلام، والهضم، وتسهيل جريان الطعام في الجسم في جهاز الهضم ومسيرته في الجسم، ثم بما ظهر من خصائص: حيث إن اختلاط اللعاب بالمواد النشوية في الطعام يحولها إلى سكرية، يحتاجها الجسم، فيختزن ما زاد عن الحاجة للضرورة، ويتخلص من الباقي، إلى غير هذا من فوائد عديدة، وهذه من الفوائد الكثيرة من هذا اللعاب الذي أوجده الله في أفواهنا، وله منابع يتدفق منها، كما يتدفق الماء من الينابيع، ثم ما هي أسرار ذلك، وما كيفية الاستفادة من ذلك، وهل يمكن أن نجد بديلاً، فيما لو جفّت واحدة من تلك الغدد اللعابية الموجودة في الفم، وما تأثير ذلك على الفم واللسان والأسنان، بل والجهاز الهضمي كله.. وبكم يستطيع المرء الإنفاق على البديل، إن أمكن، مع تيسّره أمامه.. كما هو الحال في قطع الغيار المختلفة للمخترعات البشرية.

أمور وأمور عندما يجيل العاقل الفاهم، عقله فيها، فإنه سيدرك فضل الله عليه، وحكمته البالغة سبحانه في خلقه، مما يزيد الإيمان، والحقيقة تمكيناً، كما جاءت الاستفهامات التقريبية من الله جل وعلا لعباده، في سورة الواقعة من الآية 58 فما بعدها.

لذا فإن هذا المنهج يحسن بكل مسلم: الطالب والعالم ذكوراً وإناثاً: استغلال هذا الأمر في الدعوة إلى الله سبحانه والحوار بالتي هي أحسن، مع أصحاب الديانات الأخرى، والنزعات المختلفة، لأن العقول تختلف في مداركها كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مخاطبة العقول بما تعرف حتى لا يكذّب الله رسوله.

والواحد منا لو أمعن النظر في العين أيضاً: وكيفية إبصارها، وعكسها للأشياء، ثم إبرازها في مخ الإنسان -وهو لا يدرك- شكلاً ومضموناً، ثم ما سر الدموع التي تنهمر في أوقات الفرح أوالحزن، أو عندما يدخل حدقة العين، شيء غريب أو تتعرض لأي طارئ أياً كان هذا الطارئ؟

ولماذا يسيل الدمع عندما تفوح رائحة نافذة، أو عندما يتعثر المرء أوالمرأة: البصل أو الثوم، أو يأكل شيئاً غير ما هو معتاد عليه، بطعمه أو ريحه، أو ينتابه أي طارئ أو قذاة، ثم لماذا دمعها مالح بينما اللعاب حلو، وهما سوياً ينبعان من مصدر واحد، وهو الرأس الصغير في حجمه، وما تأثير ذلك في دفع الضرر والهموم عن الجسم.

إنها أمور عجيبة ومما حل خفية في أجسامنا، أفاض فيها المختصون، وعلّلوا لبعض التقليلات، لكنهم لم ينتهوا في مشوارهم بحل مقنع، فقد أودع الله في العين ودموعها خاصية تنقيها وتحرسها، بإحكام وتقدير العزيز الحكيم، نظراً لدقة صنعها، وحاسيتها المرهفة، مهما كان هذا الطارئ كما قال سبحانه في قصة موسى مع فرعون قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50 سورة طـه). وعن غسيل العين وتجديد نشاطها وأعصابها بهذا الدمع، الذي هيأه الله لطرد كل غريب يحاول التسلل إليها، أو المساس بالمهمة التي أوجدها الله لمنفعة الإنسان وهي الدقيقة في صنعها، ذات الحساسية من أي مؤثر مهما كان دقيقاً، قد يضر بها.

وعن غسيلها وتجديد نشاطها وأعصابها بهذا الدمع الذي هيأه الله سبحانه لطرد كل جسم غريب يحاول التسلل إليها، أو المساس بالمهمة التي أوجدها الله فيها لمنفعة الإنسان مع الدقة في صنعها، والحساسية المفرطة فيما يؤثر فيها. فإن الله سبحانه قد حماها بالعظام التي تقيها عن الصدمات، إذ عظام الحاجب قوية، تتحمل أكثر من سائر العظام، ولا يوجد ما هو أقوى منها في الجسم كما يقوله المختصون إلا عظام الإنسان التي يقول أطباؤها: أسنانك خُلقت معك لتبقى مدى الحياة فحافظ عليها.

ثم حمى الله هذه العين بحاجز آخر وهو الجفن الذي ينطبق تلقائياً ودون أي شعور من الإنسان عند الإحساس بأدنى خطر قد يداهم العين، أو ما حولها، فينغلق لحمايتها من ذلك الخطر، مهما كان صغيراً لئلا يدخل في العين، ثم يأتي السلاح الثالث: الداخلي المدافع عن العين، فيندفع الدمع لوقايتها من ذلك الخطر، ومحاصرة ذلك الذي تسلل لداخلها للقضاء عليه وطرده، بعدما تخطى الحواجز السابقة أو تسرب من خلالها كما يحصل في الأمور العسكرية والمدنية المختلفة في عملية التسلل.

يخرج الدمع تلقائياً عندما تدعو الحاجة لغسل العين وتطهيرها، وتنظيفها مما علق بها، ومن ثم تجديد نشاطها، وبدمعها المالح تقتل الطفيليات الدقيقة، وتنظفها مما علق بها، أو تسرب من خلالها في الحواجز الأخرى مما يدعو لإراحة النفس من المؤثر الخارجي الذي وقع أثره عليها، فجادت بالدمع تأثراً ومدافعة، وقد عرف الشعراء بعض أسرار الدمع في العواطف فسجلوا ذلك في أشعارهم لكنهم لم يدركوا مدافعة الله سبحانه وحكمته في هذه الجنود الخفية، ودورها في درء الأخطار الكثيرة المحيطة بالإنسان، وحمايته من الآفات، إلا بما قدره عليه.

فهل كانت هذه الأمور من جهد الإنسان أو عفوية الوقوع أو جاءت من المصادفة؟؟ بل الحقيقة أنها جنود خفية جعلها الله للإنسان، وتستحق الشكر، والعرفان بالفضل له سبحانه عليها، كجزء من النعم: والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.

إن الدارسين لهذه الأمور التي تعتبر أولاً من حقيقة الإيمان، يدركون ما هو أدق وأجود، حسب الحالة التي تحصل، فسبحان الكبير المتعال، ما أعظم قدرته، وأدق صنعته: فأروني ماذا صنع الذين من دونه الذين أعجزهم الله بخلق ذبابة، وحيّر البعوض الطاغية النمرود، الذي ادعى الربوبية، فساقه الله عليه ودخل في أنفه، أربعين سنة، حتى هلك.. وهكذا يُري الله البشر من آياته فسبحان من أهلك الجبابرة، وجعلهم عبرة لمن خلفهم، فهو عليم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وطبائع الجسم البشرى جزء من ذلك.

فهل كان لنا جميعاً ونحن الحريصون على سلامة نفوسنا، حباً في الحياة، دور في هذا: أخذاً وعطاء، وهل ندرك بعضاً من الأسرار التي تعتمل في أجسامنا، والأجهزة المدافعة -بقدرة الله- وبما أودعه الله فينا ونحن عنه غافلون، وما يعتمل في أجسامنا: صاحين أو نائمين، وهذه الجنود الخفية المتعددة التي تحافظ علينا وتحرسنا، وهي جنود لا تحصى ولا ترى بالنظر، أمينة في العمل بقدرة العزيز الحكيم سبحانه، وتستحق من كل فرد شكرها والثناء: حمداً وعبادة، على موجدها سبحانه.

وعملها الكثير الدقيق حيث يسير بجد وإخلاص، وبدون مقابل بل تزيد بالشكر لله لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ (7 سورة إبراهيم).

إن مثل هذه العجائب هي من الله فضل، ولا تعد ولا تحصى، وتدعو للتفكر والتأمل، وربط ذلك بالحكمة التي خُلق الإنسان من أجلها وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (56-58 سورة الذاريات). والشكر يكون عملياً واعتقاداً بالوجدان، وذكراً لسانياً: بالدعاء، والاعتراف لله بالحمد والفضل على ذلك.. لأن نعم الله لا تحصى ولا تعد، والمحافظ على العبادات من الشكر.

وهذه الكلمة من إيماء رمضان وروحانيته.

 

مكانة الحواسّ..
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة