Sunday  18/09/2011/2011 Issue 14234

الأحد 20 شوال 1432  العدد  14234

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

في اليوم الأول من رمضان يكثر المصلون الذين طالما هجروا المساجد وتكاسلوا عن أداء الصلاة فيها، بعد أداء صلاة المغرب من اليوم الأول، سأل أحد المحافظين على أداء الصلاة في المسجد جاره، من ذاك الذي يصلي في طرف الصف ؟ رد عليه وعلامات الاستغراب والتعجب بادية على وجهه، معقول ما تعرفه، إنه جارنا أبو علي، وضع السائل كلتا يديه على رأسه، وقال: معقول هذا أبو علي؟ مضت سنة كاملة لم نره يصلي معنا في المسجد، والله ما أدري هل نلومه أم نلوم أنفسنا؟ افتقدناه طوال العام ولم نسأل عنه، دعنا نسلم عليه، ذهبا وسلما عليه، وبعد أن هم أحدهما بلوم أبي علي ومعاتبته، سارع الآخر إلى خطف الحديث مباركاً لأبي علي شهر رمضان، خشية من لوم يكدر مزاج أبي علي ويوسع هوة نفوره وإعراضه عن أداء الصلاة في المسجد، انصرف الثلاثة وفي نفس كل واحد منهم الكثير والكثير من التساؤلات وعلامات التعجب والاستغراب.

لقد أحسن صنعا خاطف الحديث حيث لم يمكن صاحبه الذي بدت عليه علامات التحفز والاستعداد للوم أبي علي، اللوم يجرح الكبرياء، ويؤذي النفس، ويفسد العلاقة، ويدفع الملوم إلى المدافعة والتسويغ، ولا ريب أنه يترتب على اللوم صد وهجر، وخير من اللوم وأجدى البحث عما يقرب النفوس ويؤلف بينها، ويسهل تفهم الحالة ويعلي مقامها، ويفتح سبل التواصل ويعززها، ويظهر مدى تقدير الآخر، والثناء عليه ومساعدته مادياً ومعنوياً في التغلب على ظروفه القاهرة، وتجاوز أزماته ومعوقات توافقه وتكيفه مع محيطه الاجتماعي، وإشعاره أن التقصير من طبائع البشر ومن متلازمات حياتهم، لذا يجب التريث والأناة وعدم التسرع في مواجهة الآخرين قبل النظر في المسوغات التي غالبا ما تكون منطقية ومقبولة ومتفهمة لأوجه التقصير التي قد تبدو للمتسرع شنيعة منكرة.

ما أجمل هذا البيت حيث يقول قائله:

تأن ولا تعجل بلومك صاحبا

فلعل له عذر وأنت تلوم

ثم إن اللطف محبب للنفس، وكذا السماحة، كلاهما يحقق ما لا يمكن أن يتحقق بالعنف والشدة والفظاظة، الكلمة الطيبة صدقة وبلسم يشفي الجراح، ويداوي القلوب وينسيها الألم والأسى، اللهم إني صائم، بهذا اللفظ الجميل، والرد الحسن، يواجه الصائم المواقف المتأزمة، ويحل بها عقد المشكلات والصعوبات، اللهم إني صائم، عبارة في منتهى اللطف، ينطق بها الصائم ويرددها في نهاره وليله، بها يتم تجاوز كل صور المجادلة والانفعال والغضب والمواجهة التي يتعرض لها الصائم في شهر رمضان، كم هو حميد أن تتأصل هذه العبارة في سلوكياتنا، ونواجه بها ما يعترضنا في حياتنا اليومية من بعض الحمقى أو السفهاء أخص قائدي سيارات الأجرة والمتهورين الذين يستثيرون ويدفعون إلى أفعال تسفر عن كثير مما لا تحمد عقباه، لو استحضر كل واحد مثل هذه العبارة وواجه بها المواقف غير السارة، لتم تجنب الكثير من الويلات والحسرات، ولاستقامت الحياة، وخلت من صور التناحر والتدابر.

ومن قيم رمضان التي تتجدد بها العلاقات الاجتماعية، زيارات التهنئة والمباركة بحلول شهر رمضان، بعضهم ينقطع عن ذويه أهلة أشهرا، لا يسأل عنهم ولا يعرف بأي حال يحيون، لكن مع بدء رمضان تزداد أواصر صلة الرحم وتتجدد وتتواصل، وتحيا بعد انقطاع وبرود، وحري بمن من الله عليه بهذا الفضل أن يستمر عليه، ويجعله يقظا في شعوره وسلم أولوياته، بحيث يخصص يوما كل شهر-على أقل تقدير-، يزور فيه الأقارب والجيران والأصدقاء، والمرضى من الأقارب والأصدقاء والزملاء يجب أن يحظوا بمثل هذه الزيارات ففيها مواساة للمريض ومشاركة له وتسلية ودعاء، بهذه المبادرات يشعر الزائر الآخرين بدفء عاطفته ونبل مشاعره، وهذا مما تأتلف به القلوب وتسعد.

في رمضان كسرت كل حواجز القطيعة وأسبابها، وزالت الضغائن والأحقاد، وتم تجاوز أيام الهجر والكراهية، في رمضان بنيت علاقات إنسانية نبيلة، اطمأنت بفضلها النفوس وهدأت، وحري بمن حظي بمثل هذا أن يحافظ عليها، وأن يحرص على تقوية أواصره، وأن يجاهد كل سبب قد يفضي إلى النكوص والقطيعة والهجران.

ab.moa@hotmail.com
 

أما بعد
اللياقة الاجتماعية
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة