Sunday  18/09/2011/2011 Issue 14234

الأحد 20 شوال 1432  العدد  14234

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وَرّاق الجزيرة

 

آثارنا محل الاهتمام منذ القدم
د. سعيد بن فايز السعيد

رجوع

 

بدأ العالم يتعرف على آثار المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية بصفة عامة عندما زارها الاستكشافيون والمغامرون الأوربيون بدءاً من القرن السادس عشر الميلادي وزاد تدفقهم خلال القرون التالية بعد أن بدأ تأسيس الأقسام العلمية بالجامعات الغربية التي تُعنى بالدراسات العربية. فالرحالة الأوائل استهوتهم الصحراء وحياة سكانها، وقد سجلوا ملاحظاتهم عنها في مذكراتهم وكتبهم بلغة رصينة، وهي تعد من قبيل الوصف الإثنوغرافي، حيث وصفو العادات والتقاليد وطرائق العيش مما رسخ صورة تبدو غرائبية في المخيلة الأوربية لوقت طويل. وقد وصف بعض الرحالة المدن والمواقع الأثرية وسجلوا الرسوم والنقوش التي شاهدوها بإعجاب وعكفوا على دراستها ومنهم نيبور وتوماس ارنو وجوزيف هالقي وأدورد جلازر وتشارلز هوبر ويوليوس أويتنج وغيرهم كثير. ومن هؤلاء من ارتبط اسمة بتاريخ المملكة الحديث مثل: هاري سانت جون فيلبي صاحب الاهتمامات الواسعة التي تشمل النقوش والفنون الصخرية والتاريخ وحضارة الجزيرة العربية بصفة عامة، كما ارتبط اسمه بالأحداث السياسية في الأربعينيات والخمسينيات الميلادية، وقد ترك من المؤلفات ما كان له الأثر البالغ في نشر المعلومات المهمة عن آثار المملكة وتاريخها، وتعرفت من خلالها المجتمعات الغربية على المملكة وتاريخها الحضاري. لقد كان ما قام به هؤلاء الرحالة والاستكشافيون فاتحة للدراسات المنهجية اللاحقة، كما أن كتاباتهم تشير في واقع الأمر عن حوار حضاري تعرف من خلاله الغرب على المجتمعات العربية، كما كان أيضاً فاتحة لمدرسة الاستشراق وما انطوت عليه من رؤى وأفكار نالت حظها من المناقشات، وذلك لأثرها البالغ في السياسة وعلاقة الشرق بالغرب.

دخلت بعد ذلك إلى المملكة بعثات أجنبية لعمل مسوحات ميدانية ومن أشهرها البعثة البلجيكية في 1951م، قادها ركيمانز وليبنز وشاركهم فيلي، حيث سجلوا آلاف النقوش والرسوم الصخرية في جنوب غرب المملكة. وقد نشر هذه المواد في عدد من المجلدات تعرف من خلالها العالم على ثراء البلاد في فنون ما قبل التاريخ وحضارتها المبكرة. ومن البعثات الأجنبية نذكر البعثة الدنمركية وأعمالها في المنطقة الشرقية بقيادة بيبي، كما قام بعض هواة الآثار الذين كانوا يعملون في شركة النفط أرامكو بالبحث الميداني عن مواقع ما قبل التاريخ في المنطقة وجمع مواد أثرية، مما فتح مزيداً من آفاق البحث الأثري عن المملكة في مراكز البحث العلمي العالمية.

كل ذلك تزامن مع اهتمام محلي، فاستشعرت الدولة مبكراً أهمية الآثار والتراث الوطني، وعندنا خطت البلاد خطوات مهمة نحو التنمية الشاملة كان نصيب قطاع الآثار ملموساً، حيث صدر القرار السامي بإنشاء الإدارة الخاصة بالآثار في 1963م -1383هـ وألحقت بوزارة المعارف آنذاك. وكان قانون الآثار الصادر في ذلك الوقت موجهاً نحو المحافظة على الآثار بصيانتها وتطويرها وتشجيع البحث العلمي وإنشاء المتاحف في العاصمة والمناطق. وتحولت هذه الإدارة إلى وكالة مساعدة للآثار والمتاحف والتي يعد تأسيسها الانطلاقة الحقيقة لإدارة التراث الأثري والتاريخي والبحث العلمي في المملكة. ومن جملة الإنجازات أجراء المسح الأثري الشامل في المملكة (1975- 19980)، حيث جرى وللمرة الأولى تسجيل المواقع والتنقيب في بعضها ونشرت نتائجها تباعاً, ونتج عن ذلك تعميق المعرفة عن التاريخ الحضاري للمملكة. وتبين أن المواقع الأثرية المعروفة على امتداد المساحة الجغرافية للبلاد يبدأ تاريخياً من أقدم مراحل العصور الحجرية مروراً بالممالك العربية القديمة ثم العصور الإسلامية لتستمر في تعاقب متواتر حتى تصل إلى القرى والمستوطنات التراثية التي نجد بعضها مؤهلاً والبعض الآخر مهجوراً ماثلاً أمامنا ليعبر عن تواصل الاستيطان البشري عبر آلاف السنين. وتتمثل هذه الاستمرارية في أكثر من ظاهرة ملفته منها الرسوم الصخرية المتنوعة التي لا تخلو منطقة منها وتغطي فترة زمنية من نحو 12.000 ق.م إلى العصر الإسلامي المبكر. وهي في مجملها تعبر عن موضوعات تغطي حياة الإنسان على أرض المملكة العربية السعودية الاجتماعية والمعيشية والدينية. والسمة الأخرى الملفتة لأنظار الباحثين في حقل آثار المملكة هي النقوش والكتابات القديمة التي جعلت من بعض مناطق المملكة مستودعاً لهذه الخطوط العربية القديمة، وهي ما حفز الكثير من العلماء لإبداء شغفهم الشديد بها. فقاموا بتسجيلها وعملت كبريات الجامعات الغربية على أنشاء كراس خاصة لدراستها، وقد كانت موضوعاتها اللغوية والفكرية مجال ناقش بين العلماء والباحثين في الحضارة العربية. أما الظاهرة الأخرى التي تعزز الاستمرارية في مسيرة التاريخ الحضاري للمملكة فهي الطرق التجارية القديمة وطرق الحج الداخلية والخارجية، وقد كان لهذه الطرق الأثر الكبير في توزيع مواقع الاستيطان التي قامت على هذه الطرق أو قريبة منها.

وعبر هذه الطرق انتقلت المنتجات المحلية من داخل الجزيرة إلى خارجها كما وصلت عبرها المؤثرات الحضارية والمادية المختلفة، حيث مثلت وسائل اتصال حضاري بين سكان الجزيرة العربية والأقاليم المجاورة في فارس والعراق وبلاد الشام ومصر وشرقاً حتى الهند، وتعرفت شعوب المنطقة القديمة على بعضها وتبادلت المنافع فيما بينها.

وعوداً إلى مراحل التطور الحضاري في المملكة فقد أكدت الأبحاث الأثرية وجود السلالات البشرية المبكرة التي يعود تاريخها إلى نحو مليون سنة من خلال ما اكتشفت من أدوات حجرية، ويرى كثيرون أن أرض المملكة العربية السعودية كانت معبراً انتقلت من خلاله الجامعات البشرية المبكرة من شرق القارة الإفريقية إلى آسيا وشرق المتوسط ومن ثم إلى أوروبا. وخلال العصر الحجري الحديث توسعت مواقع الاستيطان في المناطق التي تتوافر فيها المياه والموارد الطبيعية وعلى سبيل المثال - ازدهار حضارة العبيد في المنطقة الشرقية حيث كشفت التنقيبات الأثرية عن مستوطنات يعود تاريخها إلى الألف السادس قبل الميلاد.

ومن جملة المعثورات فخار العبيد المدهون بأشكاله وزخارفه الهندسية الرائعة، وكان السكان قد أقاموا منشآت سكنية مخططة واعتمدوا في معيشتهم على صيد الموارد المائية والبرية وصنعوا من الأدوات والمعدات ما يكسبهم قدرات فنية كبيرة. وكانت لهم صلات تجارية مع سكان جنوب الرافدين والخليج، بل هنالك مؤشرات لهجرات متبادلة بين هذه الأقاليم.

وتشير الاكتشافات أيضاً إلى حالات مماثلة من التطور الحضاري في شمال غرب المملكة وعلى ساحل البحر الأحمر حيث عرف معدن النحاس والبرنز في الألف الثاني قبل الميلاد وطورت المجتمعات هناك بعض الصناعات الحرفية والخزفية، وقد توسعت أيضاً في علاقاتها مع الحضارات المجاورة. ومما تحقق من منجزات حضارية ظهرت البلدات الكبيرة التي تحولت إلى مدن في وقت وجيز، وفي الفترة الممتدة من منتصف الألف الثاني ق.م ظهر ما يسمى بدويلات المدن. وبلغ هذا التطور لأعلى مستوياته بظهور الأنظمة الإدارية والسياسية والمعتقدات الفكرية والفنون، وتشكل نظام المجتمع في ما يعرف بالممالك العربية القديمة.

حيث انتشرت هذه الممالك على امتداد الجزيرة العربية مما يعد أصدق تعبير عن وحدة الجغرافيا والتاريخ. لقد وجدت كل هذه الممالك قوتها من خلال السيطرة على شبكة الطرق البرية والبحرية وبالتالي التجارة مع دول الجوار وغيرها وكان من موادها البخور والتوابل والذهب والفضة. وتجلى أثر النمو الاقتصادي والاتصال الخارجي في عمارة القصور والمباني العامة والمقابر المنحوتة في الجبال، وقد تركت هذه الممالك تراثاً فنياً وثقافياً يعكس حيوية فكرية جمعت ما بين عناصر الحضارة المحلية والخارجية في آن واحد. ومنذ القرن الأول ق.م دخل الأنباط مسرح الأحداث في شمال الجزيرة وكانت لهم دولة في جنوب الأردن.

وخلال الأربعة قرون التالية دخلت أقاليم شمال الجزيرة طرفاً في الصراعات السياسية بين الرومان والبيزنطيين، مما أدى إلى تدهور الممالك العربية، ومع بزوغ فجر الإسلام دخلت الجزيرة العربية منعطفاً تاريخياً تجاوز كل ما كان موجوداً قبله وبدأت عالمية الدعوة الإسلامية عندما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وانتقل مركز الثقل السياسي من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام ومن بعدها بلاد الرافدين. ومع أن البحوث الأثرية المذكورة قام بها العديد من الأكاديميين الوطنين ومن قبلهم أجانب غربيين وآخرين استعانت بهم إدارة الآثار فهناك من أشار إلى أن المملكة قد تأخرت نسبياً في مباشرة البحث الأثري المنهج. وهذا ما تم تداركه مؤخراً، فاليوم يعمل على أرض المملكة أكثر من عشر بعثات أثرية علمية محلية ودولية مشتركة في التنقيب في مواقع أثرية مهمة وفق خطط علمية تخدم أهداف البحث الأثري في المملكة. وقد تزامن ذلك مع التطورات التي طرأت مؤخراً على كامل إدارة التراث الثقافي في المملكة. حيث أنشأت الهيئة العليا للسياحة والآثار لتجمع وفق نظام جديد الآثار والتراث العمراني والشعبي مع قطاع جديد للسياحة، وقد جاء إنشاء الهيئة بعد دراسات معمقة واستشارات محلية ودولية طرحت أفقاً جديداً للبحث في التراث الثقافي بحيث يرتبط مباشرة ببرامج التنمية الشاملة في البلاد من خلال الاستثمار في السياحة الداخلية والخارجية وتوظف الآثار والتراث عموماً في خدمة الاقتصاد والتنمية الثقافية. وللهيئة خطط طموحة في إنشاء المتاحف الإقليمية الخاصة بالآثار والتراث وصيانة المواقع الأثرية والتراثية وتأهيلها سياحياً. وتهدف برامج الهيئة ضمن ما تهدف إليه ربط المجتمع المحلي بتراثه المادي والمعنوي عبر إقامة المعارض والندوات وحلقات التدريب التوعوية حتى تتعمق المعرفة بهذا التراث في المجتمع. ومن التوجهات الجديدة التوسع في مجالات البحث الأكاديمي بدعوة الجامعات والمعاهد العلمية للمشاركة في الأعمال الميدانية المختلفة، كما حرصت الهيئة على تكثيف إقامة معارض التراث السعودي في عدد من العواصم العالمية وذلك بهدف وضع التاريخ الحضاري للمملكة العربية السعودية في إطاره الحقيقي. وفي الوقت الذي تمضي فيه الهيئة نحو تحقيق أهدافها أنشأت جامعة الملك سعود كلية للسياحة والآثار لتضيف إلى قسم الآثار والمتاحف قسمين آخرين، هما قسم الإدارة السياحة والفندقية وإدارة موارد التراث والإرشاد السياي.

وقد كانت تجربة قسم الآثار على مدى أكثر من ثلاثين عاماً في التدريب والبحث العلمي مستمرة ولها سمعة إقليمية عالمية طبية. والمطلع على برامج أقسام الكلية التدريسية يتحقق للوهلة الأولى مواكبتها للمتطلبات الحديثة في التعامل مع التراث الثقافي إن كان على مستوى التحصيل والتدريب العلمي أو على مستوى رابط المجتمع بتراثة الثقافي وتوظيفه لخدمة التنمية الاقتصادية الشاملة في المملكة العربية السعودية.

عميد كلية السياحة والآثار

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة