Tuesday  20/09/2011/2011 Issue 14236

الثلاثاء 22 شوال 1432  العدد  14236

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

دوليات

 

آخر أيام القذافي
يوريكو كويكي

رجوع

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بنغازي ـ وأخيرا، بلغت المرحلة الأخيرة من الصراع الليبي منتهاها. أصبحت العاصمة الليبية تحت سيطرة الثوار.

إن العجز العسكري الذي تتسم به القوات الموالية للعقيد معمر القذافي ـ والذي كان واضحاً لمدة أسبوع ـ كان يسير بالتوازي مع الفوضى السياسية المتنامية التي أظهرها النظام. فقد انشق عدد من كبار المقربين من القذافي ـ وأحدثهم نائب وزير الداخلية ناصر المبروك عبد الله، الذي فَرَّ إلى القاهرة وبصحبته تسعة من أفراد عائلته، ثم بعد بضعة أيام وزير النفط الليبي عمران أبو كراع رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.

ما الذي قد يحدث الآن إذن في ليبيا بعد القذافي؟ قبيل حرب العراق نبه كولين باول وزير الخارجية الأميركية آنذاك الرئيس جورج دبليو بوش قائلاً له «ما تكسره فعليك أن تتحمل ثمنه». ولكن بوش تجاهل تحذير باول، ولم ينقض وقت طويل قبل أن يراقب العالم في رعب وقد بات من الواضح أن أميركا لم تكن لديها أي خطة تفصيلية لحكم أو إعادة بناء العراق في مرحلة ما بعد صدّام حسين. وما حدث بدلاً من ذلك هو أن البلاد عانت من حرب بشعة خاضها الجميع ضد الجميع، وخلفت آلافاً مؤلفة من القتلى.

ولكن هل نستطيع أن نزعم أن بلدان حلف شمال الأطلسي التي أخذت على عاتقها شن التدخل العسكري في ليبيا أفضل استعداداً لإعادة بناء ليبيا المدمرة؟ من حسن الحظ أن أهم أحجار البناء التي لم تكن متاحة للرئيس السابق بوش ـ حكومة شرعية تتولى المسؤولية ـ متاحة الآن في ليبيا.

فقد تم تشكيل المجلس الوطني الانتقالي، الذي تأسس في فبراير/شباط بواسطة تحالف من الثوار في بنغازي، تحت قيادة مصطفى عبد الجليل، الذي استقال من منصبه وزيراً للعدل في حكومة القذافي في 26-2-2011م رداً على الحملة العنيفة التي شنها النظام ضد المتظاهرين السلميين. ولكن هل يتمكن المجلس الوطني الانتقالي من ممارسة السلطة وضمان الأمن لليبيين العاديين، وبالتالي منع تكرار عمليات الثأر الدموية التي حطمت العراق بعد سقوط صدّام؟

بوصفي رئيسة لجمعية الصداقة اليابانية الليبية، قررت أن أتوصل إلى الإجابة على هذا السؤال بنفسي. ففي الخامس من أغسطس/آب، وفي وقت متأخر من الليل، قمت بزيارة عبد الجليل في البيضاء، التي تقع على بعد 200 كيلومتر تقريباً من بنغازي. ولقد وصلت إلى المنزل الصغير الذي يقطنه رئيس المجلس الوطني الانتقالي بعد منتصف الليل، وذلك لأننا في شهر رمضان، حيث يصوم المسلمون أثناء النهار.

ولقد قدم لي عبد الجليل الذي كان يرتدي الزي الليبي التقليدي مقعداً أحمر وثيرا، في حين جلس هو على كرسي خشبي بسيط. والواقع أن سلوكه المتواضع كان متناقضاً بشكل صارخ مع سلوك القذافي، الذي كان يجلس دوماً على أريكة فاخرة أشبه بالعرض عندما يستقبل ضيوفه.

ولِد عبد الجليل في عام 1952، ولقد اتخذ بعض الخطوات الأولية لإقامة حكم القانون حتى في ظل زعامة القذافي، ومن المعروف عنه أنه أعلن أمام العقيد القذافي ذاته قائلا: «أنا أتخذ قراراتي بناءً على القانون». كما عمل قاضياً لعدة سنوات بعد دراسة الشريعة والقانون المدني في جامعة ليبيا. وبعد عمله رئيساً للمحكمة العليا في البيضاء، تم تعيينه وزيراً للعدل في عام 2007.

ويقترح البعض أن عبد الجليل قد يكون إسلامياً أصولياً نظراً لدراسته للشريعة. ولكن إن كان الأمر كذلك فهذا يعني أن جميع القضاة في البلدان الإسلامية أصوليون، وذلك لأنهم جميعاً درسوا القانون المدني والشريعة الإسلامية. ولكن الكيفية التي يتعامل بها مع الأصوليين الإسلاميين في بنغازي والبيضاء وغير ذلك من المناطق، حيث يزعمون أن إسهامهم في النصر يعطيهم الحق في الإدلاء بدلوهم في إقامة النظام الجديد، سوف يقرر بدرجة كبيرة مصير ليبيا.

والواقع أن عبد الجليل لا يعطي الانطباع بأنه يريد أن يكون أول رئيس لليبيا بعد القذافي. ولكن إذا كان عبد الجليل رجل المثل فإن محمود جبريل، رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الانتقالي، رجل الأفعال. ولِد جبريل في عام 1952، وحصل على درجات في الماجستير والدكتوراه في جامعة بيتسبرج بعد تخرجه في جامعة القاهرة. كما عمل أيضاً كمستشار إداري في بلدان عربية، فضلاً عن إدارة أصول الشيخة موزة زوجة أمير قطر. وتحت نظام القذافي تولى جبريل رئاسة المجلس الوطني والهيئة الوطنية للتنمية الاقتصادية.

كانت الضربة الأكبر التي تلقتها حكومة المجلس الوطني الانتقالي المؤقتة منذ تأسيسها اغتيال القائد العسكري الثائر الجنرال عبد الفتاح يونس. والواقع أن الملابسات التي أحاطت بمقتله لا تزال غامضة، ولكن وفاته كانت سبباً في إجراء تعديل حكومي، فأقيل وزير المالية والنفط علي الترهوني ووزير الخارجية علي العيساوي.

ولعل إقالة العيساوي كانت مرتبطة بتقارير مفادها أنه أصدر تعليمات باعتقال يونس قبل اغتياله بمدة وجيزة. ولقد أثار مقتله الخوف من اندلاع حرب قَبَلية، لأن يونس ينتمي إلى قبيلة عبيدة القوية، والتي يعيش أفرادها حول بنغازي. والواقع أن الحكومة المؤقتة، التي تمكنت من منع اندلاع أعمال عنف قَبَلية، أثبتت أنها ربما كانت قادرة على منع أشكال العداوة كتلك التي اجتاحت العراق. إن الحفاظ على التعاون بين القبائل المسيطرة في كل منطقة سوف يشكل شرطاً أساسياً لبناء دولة ليبيا المستقرة بعد رحيل القذافي.

ورغم أن المجلس الوطني الانتقالي لا يتمتع بالوحدة الكاملة، فإن عبد الجليل وجبريل يلعب كل منهما دوره المؤثر في إطار الجهود الرامية إلى ترسيخ المنظومة المحلية وتأمين الدعم الدولي. ومن بين اللاعبين الآخرين، هناك نجل الملك إدريس السنوسي، ونجل عمر المختار، البطل الذي قاد حركة المقاومة ضد الاستعمار الإيطالي قبل مدة طويلة. ولكن أياً من هذه المطالبات بالسلطة على أساس الانتماء إلى مثل هذا النسب لا تبدو قادرة على تجاهل إرادة الشعب الليبي في انتخاب زعيمه المقبل ديمقراطيا.

أطاح القذافي بالملك إدريس السنوسي قبل 42 عاماً من دون إراقة دماء. وإلى أن تقدم الثوار على ذلك النحو المذهل داخل ليبيا، بدا الأمر وكأنهم عازمون على تطبيق نسخة صحراوية من أسطورة تدمير الآلهة الألمانية، والإلقاء بنظام القذافي إلى النيران. ولكن هذا الاحتمال لم يعد مرجحا، ومن الأهمية بمكان أن يبدأ المجلس الوطني الانتقالي الآن حكم البلاد فعليا. لا شك أن التجارب التي خاضها حتى الآن جعلته في وضع أفضل لقيادة التحول الديمقراطي الناجح بما يتجاوز إدراك أغلب المراقبين.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة