Wednesday  21/09/2011/2011 Issue 14237

الاربعاء 23 شوال 1432  العدد  14237

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

(ليس هناك حوافز، ولا إغراءات مالية، ولا حتى حفظ للحقوق العادية)، (المشكلة هي أنك سعودي ولأنك سعودي فإن كفاءتك، أقل وعملك أقل، وعقلك بالتأكيد أقل)، (نفتقد للأمان الوظيفي، والحوافز، أو تأمين صحي، أو علاوة سنوية، أو رواتب في الإجازات، حتى إجازة اضطرارية ليس لنا فيها نصيب)،

(ولكن أواجه تشتتاً ذهنياً كبيراً بسبب تعدد المهام)، (إنًّ الطالبة حين تنتقل من المدرسة لأيِّ سبب كان نتعرض نحن للمساءلة)، (... المعاملة سئية، والراتب أسوأ، والحوافز والتأمين لا وجود له)، (العمل في المدراس الأهلية يفقدني كرامتي). هذه أمثلة لبعض من العبارات التي يتداولها الكثير والكثير من معلمي ومعلمات المدراس الأهلية والتي تعكس بئية العمل التربوية التي يعمل ضمن أروقتها هؤلاء المعلمون. وقبل استعراض المحاور التي تشكل مصدر الامتعاض والأسى الذي تُظهر جانباً منه هذه المجموعة من العبارات التي يتفوه بها وبإمثالها العديد ممن يقومون بالتدريس في الكثير من المدراس الأهلية المنتشرة في شرق البلاد وغربها، نود الإتيان على عدد من المعلومات الرقمية التي تظهر حجم وثقل المدارس الأهلية في مشهد التعليم العام السعودي.

المدارس الأهلية منتشرة في كل قرية ومدينة حتى بلغ تعدادها حتى اللحظة ما يقارب 3000 مدرسة، يوجد 400 منها في مدينة الرياض وحدها ممثلة 14 % من إجمالي عدد المدارس الأهلية في المملكة، بينما يمثل عدد طلابها 40 % من عدد الطلاب في التعليم الأهلي في المملكة، كما أن 70 % من منشآت المدارس الأهلية في الرياض مستأجرة. والتعليم الأهلي يمثل ما نسبته 10 % من التعليم العام السعودي الذي يحظى بنصيب الأسد فيه المدارس الحكومية والخطط المستقبلية المعدة لهذا القطاع التعليمي تتطلع لأن يستخوذ على 25 % إلى 30 % من إجمالي الملتحقين بالتعليم العام في المملكة. ويبلغ منسوبوه من الطلاب نحو 576000 ألف طالب وطالبة، ويبلغ حجم الاستثمارات في التعليم الأهلي أكثر من 7 مليارات وهو ما أسهم في توفير أكثر من 11 مليار على خزينة الدولة، ويتيح أكثر من 30 ألف وظيفة للسعوديين من الجنسين. كما يبلغ حجم إنفاق السعوديين على تعليم أبنائهم في المدارس الأهلية نحو 8.5 مليار ريال سنوياً، وتحصل المدارس الأهلية على إعانة سنوية تصل المتوسط 70 ألف ريال سنويا، وتمنح الدولة للمستثمرين في قطاع التعليم الأهلي قروضا تصل إلى 25 مليون ريال.

وأمام هذه الأرقام الواعدة والمشجعة يمكن وصف بيئة العمل في الكثير من تلك المؤسسات التعليمة الخاصة بأنها تفتقر إلى المهنية التربوية، وبأنها بيئة ضاغطة، تتسم بالقسوة، وتبتعد كثيراً عن التحفيز والدعم والتشجيع. وهذه الصفات المجملية المغلّفة فيما يبدو بإطار العمومية اللفظية يمكن تفصيله حتى يمكن الوقوف على مدى صحته ومصداقيته.

فالمردود المادي الزهيد الذي يتراوح بين 1500 إلى 2500 ليست بالطبع شاملة الإجازات فهي غير مدفوعة - بالرغم من أن صندوق الموارد البشرية (هدف) يتحمل جزءاً من رواتب المعلمين السعوديين لمدة سنتين بنسبة (50 %) -لا يتوازى بحال مع كم العمل الذي يوكل إلى المعلم والمعلمة. فليت المدارس الأهلية تكتفي بالأنصبة التدريسية العالمية التي تصل في معظمها إلى 24 حصة في الأسبوع، بل يتعدى ذلك إلى عدة تكليفات ومهمات إدارية أخرى من حصص انتظار، ومناوبات، وتكليف بالأنشطة الصفية، وغير الصفية، والطلب بتوفير وشراء وسائل تعليمية، وهدايا يقوم بشرائها المعلم، أو المعلمة من غير تعويض مالي من قبل المدرسة، وإشراف أول الدوام وأثناء الفسح، وأعمال مهنية ليست بذات مساس مباشر بالعملية التعليمية.

وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل إنّ المعلمين يعيشون حالة القلق، وعدم الاستقرار الوظيفي صباح مساء؛ مما جعل أياديهم لا تفارق قلوبهم بحكم أنهم تحت رحمة ومزاجية مديري ومديرات تلك المدارس، وملاكها الذين يرفعون شعارا ثورياً قاسياً لمن ينبس ببنت شفة من المعلمين: (بدالك غيرك) حتى ولو كان رأيه - رأيها الذي أدلى به جاء في سياق إبداء وجهة نظر صحيحة حيال أمر ما تنتهجه المدرسة، أو مطالبة بحق يكفله له - لها النظام. وبالجملة يمكن القول: إن السمة البارزة لمعظم المدارس الأهلية أنها بيئة ضاغطة على المعلمين، وأنها تتبع في تعاملها مع المعلمين والمعلمات سياسة مُهينة لا تليق بحال من الأحوال إنسانياً وتربويا بمربٍّ وحامل رسالة سامية، وإنه لمن المخجل القول إنها في واقعها تترجم نظرة يُنظر فيها للمعلم، أو المعلمة بحسبة عامل، أو خادم، أو لنقل بمثابة أجراء عند ملاك المدارس. ويغيب عن ملاك المدارس أن الزيادة المفرطة في الأنصبة التدريسية، والتكليفات الإدارية المصاحبة ينعكس سلبا على جودة المادة العلمية المقدمة للطلاب والطالبات، ويعزز الفاقد التربوي بنسبة تصل من (65 %) ويقلل بنسبة كبيرة من كفاءة وعطاء المعلمين، ويسهم بصورة كبيرة في تشتيت جهودهم وتركيزهم نتيجة تلك الأعباء الكثيرة المرهقة.

والحقيقة، أن الوضع السلبي الآخر في العديد من المدارس الأهلية أنّ النظرة المادية، والرغبة في جني قدر عال من الإيراد المادي حدا بالكثير منها إلى جعل الطلاب والطالبات ومن ورائهم أولياء أمورهم من يرسمون سياسة المدارس ويتولون دفتها، وتوجهاتها، والطلاب، أو الطالبات دوماً على حق في تصرفاتهم وإن تجاوزت حدود الأدب، فالغالبية العظمى من المدارس الأهلية، أو بالأصح ملاكها يودون في نهاية المطاف استرضاءهم ولو كان ذلك على حساب أداء الرسالة التعليمية، وحفظ كرامة ومكانة المعلمين العاملين فيها. ومن هنا فالمعلمون دوماً هم من اقترف الخطأ؛ ولذا فهم عرضة للنقد والشكوى من قبل الطلاب، وأولياء أمورهم التي هي في مجملها بغير حق، ودونما مسوغ شرعي لها اللهم إلاًّ أن المعلم، أو المعلمة تعامل بأمانة، وحزم يتطلبه الموقف التعليمي، ويأتي ضمن أداء رسالته التعليمية، ولذا تقوم الكثير من المدارس الأهلية بالإيحاء للمعلمين بغض الطرف، والسعي لإنجاح من يستحق ومن لا يستحق، وهذا بالطبع ينعكس سلباً على مستوى التعليم المقدم للطلاب والطالبات، مما يسهم بدوره في تخريج أنصاف متعلمين ومتعلمات إلى المجتمع.

الأوضاع المالية لم تقتصر على محاولة مستميتة من المدارس الأهلية على استرضاء جانب الطلاب وأهاليهم على حساب المعلمين، وإنما تجاوز ذلك إلى سن القوانين وأنظمة صارمة ما أنزل الله بها من سلطان، وهي لا تأتي ضمن لوائح أنظمة العمل المعتمدة من قبل وزارة العمل، فهناك من المدارس من يحسم على التأخير دقائق معدودة ما يصل إلى 50 ريالاً وهو ما يمثل تقريباً ثلاثة أرباع ما يدفع للمعلمين في اليوم. وهناك من يقبل غياب يوم واحد فقط من الحالة المرضية التي يمر بها المعلم، أو المعلمة خلال شهر ولو كان وضعه، أو وضعها الصحي يتطلب الإقامة في المستشفى، أو الراحة في المنزل أكثر من يوم، والغياب في أيام معينة يضاعف إلى مدة تصل إلى ثلاثة أيام من غير اعتبار لظروف الغياب، وأسبابه وتداعياته، ومن هنا يمكن القول إن هذه النوعية من المدارس الأهلية بهذا تجعل المعلمين يعملون في بيئة خالية من الحوافز المعنوية، والإغراءات المالية، وهدر كامل للحقوق التي يكفلها النظام لهم، وفي بيئة يغلب عليها تثبيط الهمم مما جعلهم يتقاعسون بفعل غيرهم عن أداء واجبهم المفترض تجاه ما يُسمى برسالة التعليم السامية.

لم يسلم من جشع معظم المدارس الأهلية المعلمون بل إنّ الطلاب والطالبات نالهم نصيب من ذلك، فالمدارس الأهلية لا تفتأ عن التفكير في إيجاد مصادر دخل إضافية ولو كان ذلك على حساب كاهل الأسر، فهناك حفلات تخريج الطلاب والطالبات التي تلجأ بعض المدارس لإقامتها في فنادق الخمسة نجوم، وقاعات احتفالات دون مراعاة منها لنفسيات الطلاب - الطالبات، والفروق الاجتماعية بينهم - بينهن، ومدى قدرة البعض على دفع التكاليف الباهظة، وعجز الآخرين عن ذلك، وكذلك إقامة الحفلات والأطباق الخيرية طوال العام، وبعض الأنشطة، والمشروعات، والرحلات التي تحسب من النشاط وتتطلب أن يقوم الطلاب والطالبات بدفع مبالغ مالية ومن لم يقم بذلك يُحرم من المشاركة فيها.

وحقيقة مخجلة أخرى تشترك فيها العديد من المدارس الأهلية متمثلة في عدم احترامها للعقود المبرمة مع المعلمين: إذ يمكن الاستغناء عمّا يعمل فيها في أي وقت، وليس لاعتبارات مهنية، أو تربوية وإنما ذلك خاضع لقانون رضا الطلاب - الطالبات وأولياء أمورهم، وهو قانون مجحف يمارسه الطلاب، أو الطالبات بناء على نظرة قاصرة غير راشدة لا تتجاوز أن المعلم أو المعلمة (مو عاجبني) ويدعمهم ويساندهم في ذلك أولياء الأمور الذين يقفون في صف أبنائهم وبناتهم من غير تحقق من حقيقة الشكوى، أو الاعتراض المقدم بحق المعلم أو المعلمة، ويسانده كذلك موقف المدارس السلبي المنحاز للطالب - الطالبة باعتبار أن جيوبهم وما يدفعونه من أموال هي من يعين المدرسة على الوقوف على أقدامها.

والملاحظة الأخرى التي نسوقها في هذه الجزئية بمناسبة التعرض المباشر لملاك المدارس الأهلية بالرغم من عدم توافر الكفاءة والخبرة التربوية لدى الكثير منهم، نجدهم يتدخلون في تفاصيل العملية التربوية من مناهج، وطبيعة الاختبارات، وغيرها من عناصر العملية التعليمية والتربوية.

(لا رسوب لدينا) هذا هو الشعار الذي ترفعه معظم المدارس الأهلية وهو الذي يأتي ضمن الحقائق غير الإيجابية الملتصقة بالعديد من المدارس الأهلية. فسياسة التساهل، وعدم الحزم الكافي ولدى المنتسبين للمدارس الأهلية شعور بأن المادة التي يدفعها أهاليهم مصدر اطمئنان، وثقة، أو لنقل صك النجاح المسبق الموثق. ومن هنا نجد أن الطلبة يشعرون بأن لهم الحق في الحضور للمدرسة متى ما أرادو، وأن بإمكانهم مخالفة الأنظمة، واللوائح وكأن المدارس الأهلية بتدليلها الطلاب تضمر لهم عقاباً منتظراً يتوج بنجاح مضمون، وضمان النجاح يأتي من خلال ممارسات متنوعة المشارب تتمثل في سهولة أسئلة الامتحانات، وإعادة الاختبارات أكثر من مرة، والإيحاء بأسئلة الاختبارات بطرق غير مباشرة، ومنح الطلاب درجات من غير مجهود يذكر، والقيام باختصار المناهج وتحديد المعلومات المهمة، والمحصلة النهائية من إنجاح الطلاب من غير أهلية وأحقية فيه تخريج طلاب وطالبات غير أكفاء، وغير مؤهلين، ومحدودي الفكر والاطلاع وضعيفي المستوى بشكل مخيف ويتضح ذلك كله للعيان بمجرد التحاقهم بالمرحلة الجامعية التي يعانون فيها، ويكون الفشل ملازماً لهم، نظراً لأنهم اعتادوا على الكسل، والتراخي، والمساعدة، والغياب المكرر، وإهداء الدرجات من قبل مدارسهم الأهلية التي تخرجوا فيها.

هذا فضلاً عن مباني العديد من المدراس الأهلية، أو بالأحرى دكاكين المدارس الأهلية التي هي في واقعها منازل سكنية تم تحويلها إلى مبان تعليمة قسراً مما جعلها تفتقر في وضعها الحالي المهجن - إن صح التعبير -إلى المواصفات القياسية المعمارية للمدارس، وبخاصة فيما يخص شكل ومكونات الفصول الدراسية التي هي في أساسها غرف نوم، أو مطابخ، أو صالات جلوس مما جعلها مفتقدة للتهوية المناسبة، والإنارة الكافية، بل وحتى السعة الكافية لتحتوي عدداً مناسباً من الطلاب والطالبات. وبالإجمال يمكن القول إن الكثير من مباني المدارس الأهلية بجميع مكوناتها ومرافقها غير صالحة لأن تكون محاضن تعليمية قادرة على تلبية الاحتياجات العلمية والتعليمية.

وهنا يجب التوقف ملياً لنتساءل إلى متى سيتم السكوت على الواقع المعاش المرير للعديد والعديد من المدارس الأهلية التي دوماً تتقدم خطوات وخطوات للوراء في حق معلميها مستغلة حاجتهم ورغبتهم في الحصول على وظيفة شريفة تدر مصدر دخل يكفل حق العيش بكرامة، أو حتى في الرغبة في اكتساب خبرة ميدانية ربما يحتاحها المعلمون للحصول على وظيفة هنا، أو هناك، أو الارتكان إلى مبدأ الرضا بالأمر الواقع من باب (مكره أخاك لا بطل)؟!

ولعلي لا أجد أفضل من القول كخاتمة لهذا العرض المقتضب عن الوضع المأساوي الذي يعانية معظم معلمو المدارس الأهلية والمتمثل بجعل المنتسبين لها من المعلمين من غير شعور بأمن وظيفي مستقر، وبمنحهم عائد مادي ضحل، وحرمانهم من أي قدر من التشجع والتحفيز، وتفضيلها ومنحها الثقة لغير المعلم السعودي لا لكفاءته بل لأنه على استعداد للعمل بإملائهم التجاري، وحرمانهم من عوائد وظيفية مناسبة، ومطالبتهم بإنتاج متميز بدون العمل على توفير بيئة مدرسية ملائمة، بأن الإصرار على الاستمرار بتلك السياسيات غير المهنية البته لن يجعها تصمد طويلاً، وستظل تعاني على مختلف الأصعدة، وبخاصة فيما يخص الفاعل الأهم في العملية التربوية الذي تقوده وتدفعه الممارسات وأمثالها إلى مزيد من التسرب، والاستقالات، وإحجام الكفاءات منها على العمل فيها، وفقدان المنافسة في سوق ترتفع اسقف تطلعاته إلى مزيد ومزيد من المهنية والاحترافية في الخدمة التربوية المقدمة للمنتسبين لتلك المؤسسات التعليمية الأهلية. فهل من أذن صاغية، وفكر مستنير مستشرف لتوجهات الحاجات النوعية لقادم التعليم التربوي الأهلي؟ وكفى أيتها المدارس الأهلية فالظلم والجور لا يدوم.

alseghayer@yahoo.com
 

المدارس الأهلية إلى متى الجَوْر؟!!
د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة