Wednesday  21/09/2011/2011 Issue 14237

الاربعاء 23 شوال 1432  العدد  14237

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

      

اتضح أن حذف أسماء مؤلفي بعض المناهج لم يكن سوى التفاف وليس حقيقة. ما كان يقدم للطالب كغسيل دماغ لصده عن التعامل العقلاني المفتوح مع الحضارات والأفكار الأخرى ما زال موجوداً ولكن مع إغفال الأسماء. العقليات التي ساهمت من قبل في طرح تساؤلات توجسية عن حدود الاختلاط ولو أثناء مناسك الحج والعمرة، وعن معارض الكتاب المفتوحة، وعن مخاطر سياقة المرأة ولو بالشروط الشرعية مع الاحتفاظ لها بمخالطة السائق الأجنبي في كل مكان تذهب إليه، وعن بيع المرأة للمرأة وعن علاقة المسلم بالمسلم المختلف عنه بالمذهب، وعن علاقته بالمختلف عنه في العقيدة دون مجاهرته بالعداء، وعن شروط الولاء والبراء التي ما زالت تتساقط واحدةً بعد الأخرى إلى حد إباحة التعاون العسكري مع المختلف عن المسلم في كل شيء بهدف الغزو المشترك والإطاحة بالحاكم الظالم المستبد، هذه العقليات التي كانت توتر الأجواء المحلية تم الاستغناء عن ذكرها في المقررات الدراسية ولكن مع الاحتفاظ لها بالأفكار التي تريد إيصالها إلى عقول الطلاب.

يقول المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم تعليقاً على ما ورد في مقرر (الحديث 1) في التعليم الثانوي نظام المقررات: إن إستراتيجية الوزارة تقوم في أهم ملامحها (يبدو أن هناك ملامح غير مهمة) على توفير مناهج تربوية تعليمية متكاملة ومتوازنة ومرنة ومتطورة تلبي حاجات الطلاب ومتطلبات خطط التنمية الوطنية وحاجات سوق العمل المستقبلية وتستوعب المتغيرات المحلية والعالمية وتحقق تفاعلاً واعياً مع التطورات التقنية والاتجاهات التربوية الحديثة.

ثم يقول: وقد بدأت عمليات التطوير في المرحلة الأخيرة قبل ما يزيد على أربعة عشر عاماًً من خلال مراجعة علمية للمقررات الدراسية وتقويمها وفق متطلبات التنمية والتحولات المعرفية.

ويقول في مكان آخر: إن التحول ربما كان في المقرر الدراسي من خلال الموضوعات وطرق العرض وذلك لمناقشة بعض الموضوعات التي لم يتعود المجتمع على نقاشها في إطار المنهج الدراسي، غير أن اعتمادها جاء بعد تحكيمها من عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين، ومن هذه الموضوعات العولمة والاستشراق وحقوق الإنسان والابتعاث وغيرها.

انتهى الاقتباس

بعد إبداء الإعجاب الشديد بهذه القدرات التعبيرية الباهرة ألح في الطلب من القارئ المهتم أن يعيد قراءة هذا الكلام الإنشائي الجميل عدة مرات ثم ليسأل نفسه: إذا كان المجهود الجبار قد بدأ منذ أربعة عشر عاماً، لماذا نحن إذاً في هذه الورطة مع النتائج، ولماذا اكتشفنا في السنوات الأربع الأخيرة مقدار فقرنا العلمي والمعرفي والتقني مما اضطرنا إلى ابتعاث أكثر من مئة ألف طالب وطالبة إلى شتى بقاع الأرض لمحاولة سد الفراغ المرعب والاعتماد الأكثر إرعاباً على العنصر الأجنبي في كل شي؟.

في كتاب مقرر الحديث المشار إليه يحذر المؤلفون المجهولون من أن وجود المبتعث مدة طويلة في مجتمع منحرف في عقائده وقيمه وسلوكه يجعله يتأثر بأعراف ذلك المجتمع وقيمه وعاداته (ولم يقل يتأثر بعقائده).

هذا الكلام الغير مسؤول والمطلق على عواهنه، والموجه للطالب البالغ من العمر سبعة عشر عاما ً يفترض بثقة مطلقة ما يلي:

1- أن المجتمعات الخارجية التي سوف يتواجد فيها طلاب البعثات منحرفة عقائدياً وقيمياًً وسلوكياً.

أما أنهم مختلفون عن المسلمين عقائدياً فهذا واضح، ولكن هل الأصح وصفهم بالمنحرفين أم بالمختلفين أو المخالفين؟. هل تستطيع أن تقوم أكبر سلطة إسلامية دينية مسؤولة بمثل هذا التصريح المسيء أمام السلطات الدينية التي تمثل تلك الدول؟. هل تعرفون ماذا سوف تكون النتائج لو عاملونا بالمثل؟. سوف تغلق المساجد ويضطهد المسلمون في أماكن الدراسة والعمل والعلاج وسوف يسألون كل مبتعثينا عندهم هذا السؤال: هل بلغت قلة الحياء بكم وبدولكم وأهلكم إلى حد إرسالكم إلى بلاد تتهمون أهلها بالانحراف في المقررات التي درستموها قبل وصولكم إلينا؟. وأما بخصوص الانحراف القيمي والسلوكي فواقع الحال في مجال حقوق المرأة والإنسان عموماً والأقليات والأديان وصدق المعاملات وازدراء الكذب، فإن هذه الإدعاءات كلها تشير إلى نقص معرفي هائل بالمجتمعات الأخرى، وإلى تزكية للنفس تزكم روائحها الأنوف ولا يكاد يستقيم شيء منها أمام المقارنات السلوكية العادلة والموثقة، ولكن مادح نفسه يقرؤكم السلام.

2- أن الطالب حتى في المرحلة الثانوية عندنا ما زال قاصراً عن التمييز وتجب الوصاية عليه وهو على أبواب الدراسة الجامعية.

هل تعرف إدارة المناهج عندنا التي أجازت مثل هذا الكلام شيئاً عن الاستحقاقات المتوجبة على هذه الفئة العمرية في المجتمعات الأخرى؟. إنهم يشاركون هناك في البحث العلمي المتقدم وفي تفكيك البرامج الكمبيوترية المعقدة وإيجاد البرامج المحصنة ضد الاختراق وفي التدريب المبكر على قيادة الطائرات المقاتلة ذات القدرات التي تتطلب تركيزاً لا يستطيعه الكبار، وأغلب الطيارين الإسرائيليين يبدأ اختيارهم وتدريبهم من هذه الفئات العمرية. إذا كان أبناؤنا في المراحل الجامعية يحتاجون فعلاً إلى فرض الوصاية وإلا ضاعوا، فمن وما الذي أوصلهم يا ترى إلى هذه الحال المزرية؟.

3- أن طلاب الثانوية والجامعات في مجتمعنا أفضل تربيةً وأكثر استقامةً وأعدل سلوكاً من أقرانهم في المجتمعات الأخرى.

على ماذا يستند هذا الافتراض العنصري، وأين هي الدراسات التربوية والسلوكية التي نستطيع على أساسها تزكية طلابنا على الآخرين، وفي أي مدرسة أو جامعة يدرسون لكي نفرح ونبارك لأنفسنا بهم.

أخيراً لا بد من كلمة حول التطرق لمواضيع العولمة والاستشراق وحقوق الإنسان في المقررات الدراسية الثانوية بعد تحكيمها من عدد من العلماء والمفكرين والمثقفين. إن العولمة ومسالكها وملابساتها قد طرحت حولها أكثر الدراسات عمقاًَ وتشكيكاً وتحذيراً منها ليس هنا ولا في العالم العربي ولا الإسلامي، وإنما هناك عندهم في الجامعات والمجتمعات الغربية والهند والبرازيل، وما زالت الحملات ضدها والمظاهرات المناوئة لها على قدم وساق. أما الاستشراق فإنه موضوع أكبر من الاستيعاب الفلسفي والتاريخي والسياسي والاقتصادي للجان تحكيم المناهج المحلية، وأفضل من طرحه من العقول العربية حتى الآن الراحل إدوارد سعيد، وهو مسيحي الديانة وفتح الله له ذلك العمق الفكري التحليلي في الأجواء الأكاديمية الغربية المفتوحة على الجهات الأربع وليس في مجتمعات الوصاية وتحديد المسارات.

من هنا أقول، أيها الطالب الطامح في الابتعاث والتحصيل العلمي المفيد في تلك البلدان التي توفره لك بلا حدود ولا وصاية، استفت عقلك وحدد مصلحتك الوطنية والشخصية ثم توكل على الله ولا تلتفت مطلقاً إلى ما يقوله لك المثبطون.

 

إلى الأمام
يا طالب الابتعاث لا تجعلهم يثبطونك
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة