Thursday  22/09/2011/2011 Issue 14238

الخميس 24 شوال 1432  العدد  14238

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

يقال أنّ السياسة «فن إدارة الكذب وإنتاجه». وكلما كان «ممثلاً» جيداً كان السياسي أكثر إقناعاً، وحظوظاً أيضاً.

في المفارقات، أنتج جورج كلوني عام 2005 فيلماً رشح لـ6 جوائز أوسكار. الفيلم واسمه «جود نايت آند جود لاك» يروي قصة ادوارد مورو مراسل قناة الـ «سي بي إس» الأمريكية

الذي وقف متحدياً جوزيف مكارثي عضو مجلس الشيوخ حين أشاع موجة من الرعب العام إزاء انتشار الشيوعية في المجتمع الأمريكي خلال حقبة الخمسينيات (إليه تنسب المكارثية).

بعد إجراء اختبار للجمهور في نيويورك، كان ثمة ما يشبه الإجماع على أن ممثل دور السينارتور مكارثي «بالغ في التمثيل»، لكن المفاجأة أن جورج كلوني لم يستعن بأحد لتصوير دور السيناتور، واستعاض بصور حقيقية مأخوذة من الأرشيف. كان مكارثي يمثل، غير أنه كان ممثلاً فاشلاً.

وكما كان في السينما والمسرح، يمتلئ المشهد السياسي بممثلين يحاول كل منهم اقتناص دور يضمن له بقاء ومستقبلاً واعداً.

في كتابه المثير للجدل، «لعبة الأمم»، كتب مايلز كوبلاند، وهو أحد رجالات المخابرات الأمريكية الذين كشف عن دورهم في التخطيط لانقلاب الضباط الأحرار: «حتى لو كان ناصر من أكثر الناس عبقرية وأقواهم شخصية وأشدهم متانة وأحدّهم ذهناً فمن المستحيل عليه أن يبقى محتفظاً بنفس مركزه السابق بينما (يمثل) أدواره في مسرحيتنا».

وقود الممثل هم جمهوره المتعطشون، وليس أقوى تأثيراً في هذا الجمهور، الذي عاش سنوات من الخيبة والانكسار والخضوع للمستعمر، من مسرحية تشعره بقدرته على المواجهة، وتعيد ثقته في قواه الكامنة، وتمنحه أملاً في انتصار على «العدو».

حكم عبد الناصر بالحديد والنار صادر الممتلكات، غيّب الآلاف في السجون، اخترعت آلة قمعه أقسى أساليب التعذيب، وأنتجت «فلسفة ثورته» ترهات «الصفوة المختارة والمؤهلة للحكم فطرياً».

وفيما كانت الجماهير تهتف له في الشوارع كان «الزعيم العروبي» خلف الكواليس يتلقى، مصغياً، نصائح رجالات أميركا؛ كافري وروزفلت وكوبلاند وغيرهم.

«زعيماً» كان ناصر في مسرحية الوحدة، يظهر «بطلاً» رغم خسارته كل المعارك. «مخلّصاً» عبر أثير «صوت العرب» لأجيال من المنهزمين آثرت إنكار أن «مشروع الوحدة» لم يكن إلا مهمازاً ينخس به خاصرة الغرب للحصول على مساعدات أكثر.

يحيا الناس بالأمل، وتقتلهم الخديعة. يعيشون حياة واحدة، ويموتون ألف مرة. ولا يتعلمون من أخطائهم.

اليوم، لم تتخلّص الشعوب العربية من نكساتها وخيباتها وحدها الظروف والمعطيات تغيّرت، فبدّل المسرح أبطاله وبقي النص القديم: «القضية».

في إجازة غاب فيها أبطال المسرح يخطط نجم جديد، قادم من بلاد السلاطين، إلى زعامة المنطقة: «نحن الأتراك والعرب شعبان مستقبلنا واحد نرسمه معاً». يعزف على وتر يثير حماسة الجمهور: «تركيا لا تعترف بالحصار المفروض على غزة ولن تعترف به أبداً». ويستدر عاطفتنا: «إنّ الطفل الذي يبكي في غزة يملأ عيون الأم في أنقرة بالدموع».

كان أردوغان يلهب مشاعر الشارع العربي خلال خطابه في الجامعة وكانت صواريخه، في الآن نفسه، لا تخطئ هدفها في تمزيق أجساد «مواطنيه» الأكراد.

الممثل البارع لا يمثل. وقدر العربي أن يصدق. أن يلتحف ذله. أن يركع لجلاده. وأن يصفق للممثلين.

قدر العربي أن يشرب دمه حين يظمأ للحرية. وأن يستجير من رمضائه بباب ظاهره في الرحمة وباطنه من قِبله العذاب.

 

إذا كان العالم مسرحاً.. فلنصفق للممثلين
أحمد ضيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة