Thursday  22/09/2011/2011 Issue 14238

الخميس 24 شوال 1432  العدد  14238

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

وجهات نظر

      

يا أمانة مدينة الرياض، أمس حين مررت في أقصى شرق الرياض حاصرتني الأسئلة، وغاب عني الفرح، وعصرني الحزن من كل الاتجاهات، لأن الأرض البكر هناك لم تعد هي الأرض، والفضاء النقي لم يعد هو الفضاء، وحتى الروائح الزكية ضاعت على أرصفة الواقع المر، لقد حضنني الواقع بلا رحمة، ونهشني بلا رأفة، حتى صرت مثل بقايا انتظار، لم أكن قادرا على استيعاب الأشياء التي أمامي، فتساقطت النشوة من ثقوب عدة، حاولت الفرار لأستريح، لكن وجع خيالي، ووخز ضميري، شدني بقوة لأرسو رغم العاصفة القوية التي دمرتني، وأخرست نطقي، وأوقفت لساني، لقد أصابتني دهشة الصورة التي أمامي بالصدمة، وسحبت أنفاسي، وجثمت على صدري حمولة أطنان، وأنا أعانق رماد الأدخنة العالي المتطاير هناك ورائحة المياه الآسنة، حتى لكأن جسدي عندها قد تحول إلى رماد مقيت، وصرت أهذي بلا انقطاع، وأنا أرى أرتال الشاحنات الكبيرة والصغيرة والصهاريج تغدو وتروح محملة بأطنان النفايات والمياه الآسنة دون هوادة وبعبثية مرورية كبيرة، لقد حاولت قدر استطاعتي جمع شتات نفسي وتعجبي ودهشتي، لكن الصورة كانت أكبر مني وأجل وأعنف، كان وجعي كبيرا وطويلا وحادا كالشوك البري، لقد فكرت أن أضحك، لكنني لم أستطع، حتى أنني شربت كثيرا من الماء لأطفئ لهيب جوفي وغليان صدري، لست أمينا إذا لم أكتب عن ما شاهدته ورأيته وعشته واقعا مؤلما وحقيقة مرة، ولا أملك حيزا ضئيلا من الصدق إذا لم أقم بالتبليغ والتبيان وجعل اللغة أداة توصيل واظهار لما يحصل على أرض الواقع، وإلا صار الأمر مجرد هذر يومي، أو طحن كلام مأخوذ من أقرب الموارد إلى لسان متكلم لا يريد إتعاب نفسه، وإن فعل فهي مجرد زركشة للغة ومرحلة تجعل الناقل ينظر للحدث بعين غير ثاقبة وضمير غير أمين وذهنية غير واعية، لقد توقف بي العمر لدرجة أن الأرض التي وقفت عليها حسبت من فرط الدهشة أن الشمس سقطت ولا في الأفق جناح الظلام، فهل بعد هذا يا أمانة مدينة الرياض تتحركين نحو الشرق بعجل وبلا أجل، لتضيئي المكان هناك وتزيلي الضرر وتبددي الضجر وتبعثي اللذة وتأتي بالخلاص وتفتحي الباب واسعا، لكي تغدو الصباحات جميلة، والمساءات رائعة وهادئة، والنسائم سحرية، والمنظر خلاب، ويصبح المكان بعدها خاليا من رائحة الأدخنة الكثيفة، والعفن الكبير، والأوبئة الضارة المخيفة، وتصبح الأرض بعدها مزروعة بأخيلة وحقول هوامات على مد البصر، وأمكنة لهدير الحمام، إنني يا أمانة مدينةالرياض أنتظر أن ترسمي لنا هناك قمرا آخر، وعمرا آخر، وصورا أخرى باهرة ناصعة وزكية.

 

يا أمانة الرياض.. لقد تحول شرق الرياض إلى مرمى للنفايات
مهدي العبار العنزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة