Monday  26/09/2011/2011 Issue 14242

الأثنين 28 شوال 1432  العدد  14242

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

سألني ذات صيف سائق التاكسي في بيروت عن موعد أقرب إجازة تتبع إجازة الصيف في السعودية.. فأخبرته عن موعد قريب, فارتسمت ابتسامة عريضة على محياه, وهلت بشائر الفرح على وجهه, فانتابني فضول فسألته سر هذه السعادة فقال: السعوديون بينعشوا البلد وبيشغلوا المحلات والمطاعم والفنادق, الاقتصاد (كلوه) بيزدهر!

لا جديد في ما قاله سائق الأجرة.. الجديد هو ذلك التصاعد المتسارع والمخيف في أعداد السعوديين الخارجين من الوطن في الصيف والشتاء والربيع والخريف وباتجاهات الأرض الأربعة, وحتى في إجازة «أبو يوم أو يومين» تجد عدد السعوديين في الطائرات يفوق عددهم فوق الأرض, فتزدحم المكاتب السياحية, وتنشغل خطوط العالم الجوية, وتتسابق الأخبار إليك أبو فلان سافر وأم فلانة بتسافر, إلى أي مكان تولي وجهك ستجد فيه سعوديين في لندن وأمريكا والصين ودبي وهونغ كونغ.. ستلاحظ أن الشوارع خالية, والحركة داخل الأسواق هادئة, ستشعر أن هناك زلزالا قادما، وأن الشعب يلمم أمتعته حتى لا يدفع تكاليف دماره, في الواقع قد يكون هناك زلزال ولكنه زلزال من نوع آخر اسمه -الملل- وبلهجة السعوديين المحلية يسمى «طفش» بقوة 9.9 على مقياس ريختر ولا أحد مستعد أن يكون إحدى ضحاياه, فتجدهم حتى في أجمل شهور السنة وأبردها يفضلون قضاءه خارج حدود الوطن ومستعدون لصرف «ما وراهم ودونهم» لإتمام أمور هذه الرحلة.. حتى أن بعضهم أقدم على طلب قرض للسفر واستنشاق هواء جديد ومنعش في إحدى بقاع أرض الله الواسعة.

فما الذي يجري؟ وما قصة هذه الهجرة الجماعية القصيرة التي تنطلق مع انطلاق أي إجازة؟ ما الذي يبحث عنه السعوديون خارج أرضهم؟ وما الذي يجعل إحدى أغنى بلاد المعمورة عاجزة عن جذب شعبها إلى الداخل, ومبدعة في إطلاقه إلى الخارج محملا ً بأموال هائلة وأرقام ضخمة يصرفها هنا وهناك بضمير مطمئن ونفس مرتاحة؟

طرحت على عدد من معارفي تلك الأسئلة المقلقة, فكانت إجابتهم تقريبا واحدة.. إنهم يبحثون عن الحرية أولا، وعن مواقع جديدة ثانيا بعيدة عن أعين المتلصصين..الشباب أيضا يريدون أن يأخذوا نفسا, بعد أن باتوا يشعرون بالاختناق حين ضاقت عليهم مدنهم بما رحبت, يريدون أن يدخلوا مركزا تجاريا للتسوق وقضاء وقت ممتع بصحبة الأصدقاء دون أن ينط عليه رجل الأمن المكفهر الغاضب وينزع عليه يومهم حين يقول اليوم «عائلات»! وفي المقابل وتريد العائلات أن تجد لها مكاناً آخر بعيدا عن «المول» الذي كانوا يمضغونه طوال العام فحفظوا محلاته ومطاعمه وزائريه, يريدون أن يحضروا أمسية شعرية, أو يستمتعوا بمشاهدة فيلم في قاعة سينما, أو ربما يتابعوا مسرحية هادفة ويستفيدوا من معرض عالمي راق.. كل تلك الأشياء تحمل في طياتها كلمتين قد تعود بالسعوديين إلى الداخل وهي الحرية ولا أعني بها (الانفلات) والكلمة الأخرى هي التجديد.. ليس كل من يسافر يبحث عن الانفلات والاستعراض ويعيش المفهوم المبتور والمشوه للسفر, وليس كل من سافر اصطحب معه سيارته الفارهة حقيبة سفر مشبعة بأسماء الماركات العالمية, منهم من يسافر بحثا عن الفن والجمال والمعلومة, كثيرا ما صادفت سعوديين في المكتبات والحدائق والمتاحف والفعاليات الحضارية الراقية, المشكلة في تلك الكلمتين التي خسرنا بغيابها الكثير وخسرت السياحة الداخلية أكثر فإذا كان رئيس الهيئة العليا للسياحة والمسئول الأول عن الترويج لها أكد بصراحة وشجاعة أنه سيقضي إجازته خارج المملكة فماذا ننتظر من الشعب؟؟

أعتقد أن كل المؤسسات الحكومية والخاصة التي تكررأنشطتها وفعاليتها في كل إجازة ومناسبة وطنية أو إسلامية بحاجة أن تراجع أوراقها وتتعامل بذكاء مع المواطنين الذين تتزايد رغبتهم في السفركل عام, يجب ألا تكون إقامة هذه الأنشطة ودعوة مصوري الصحف لتغطيتها لتأدية الواجب فقط وإخراس أصوات المواطنين وكتاب الرأي, بل محاولة جادة لابتكار أجواء جديدة ممتعة تواكب الإيقاع السريع لعالم الترفيه والجذب العالمي.

 

ربيع الكلمة
في الإجازة.. فتش عن السعودي!
لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة