Tuesday  27/09/2011/2011 Issue 14243

الثلاثاء 29 شوال 1432  العدد  14243

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كتبت عن سوق عكاظ قبل هذه المرة، وتحدثت عن خالد الفيصل أكثر من مرة، وتفتق ذهني في عمارة نجمة وساحات الطائف الشهيرة قبل نيف وخمسين سنة، يوم أن كنت طالباً في إحدى صيفيات وزارة المعارف، ولتلك السفرة حكايات غرائبية قد نقيد شواردها يوماً ما.

وتهجيت الكتابة عن أوضاع الطائف ما تحتاجه مصايفه ومتنزهاته بوصفه المصيف الوحيد للدولة، فما كان لدى الناس إذ ذاك متسع من الوقت ولا بسطة في الرزق ولا وفرة في الرواحل ليصطافوا، وتلاحقت زياراتي له بعد ذلك، وبعد أن سحبت «أبها» البساط من تحته سحبتنا معه، وما كانت شهوة الكتابة قادرة على أن تخلص من زحام القضايا الملتهبة في محيطنا العربي الذي يغمره طوفان الأحداث الجسام، ومن ذا الذي يجد فسحة من الوقت وراحة في البال ليقول كلمة ثناء أو رجاء يشد فيها عضد المسؤول أو يلفت نظره إلى نقص أو تقصير ووطنه العربي يغفو على انكسار ويفيق على اندثار، غير أن التظاهرات الثقافية تثير كوامن النفوس:

«وذو الشوق القديم وإن تعزى

مشوق حين يلقي العاشقينا»

والمبادرات الثرية المتلاحقة في سوق عكاظ حرية بأن يقرأها المستهدفون بها والمستفيدون منها فهي منهم ولهم وإليهم وإن أجْراها الله على يد من اصطفاه للنهوض بها والله أعلم حيث يجري نعمه على يد من يشاء من عباده.

وسوق عكاظ الذي اجتمعنا فيه وتناجينا تحت أفيائه وتحدثنا عبر منافذه القولية وفعالياته المتعددة يَعِدُ بكل جديد، فجادَّته وساحاته وقاعاته مشرعة الأبواب لكل الأطياف العربية والمحلية ولكل طيف وجهته التي هو موليها، والقائمون على تلك التظاهرات الثقافية لن يترددوا في استيعاب كل التساؤلات والأخذ بأحسنها، ومهندس تلك الفعاليات حين لامست أذنيه دفقات الثناء وزخات الشكر كاد يكمم الأفواه ويصرف الأنظار إلى ما يجب أن يكون لا إلى ما هو كائن، وطارت بإبائه الركبان لأنه وجّه الأقلام إلى محض النصح والإرشاد، وحديثي لن يرتهن للثناء والشكر وإن كان من حق من أسدى إلينا معروفاً أن نكافئه وليس من الثناء المفضول أن يعرف كل منا لذوي الفضل فضلهم، فالنفوس جبلت على حب الثناء وتلك طبيعة الإنسان، والعيب أن يحب المرء الحمد بما لم يفعل، أو أن يقول المادح ما ليس في الممدوح، وأصدقكم القول إننا لو نفذنا حثو التراب لأصبحت الأرض قاعاً صفصفاً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل المدح وكافأ عليه، غير أن الإسراف فيه والانقطاع له والتعود عليه من التلبسات المفضولة.

ولأن سوق عكاظ بنسخته الخامسة لامس رغبات الأدباء والمثقفين وأثبت أن في كل نسخة متسعاً للإضافات والتحديثات فقد تلاحقت المطالب في اللقاء المفتوح مع سمو الأمير، وأسرف المؤتمرون على أنفسهم وبالغوا في المطالب وجاءت صورة السوق في أذهانهم متناقضة ولمّا تفرّقت بهم السبل وشطت بهم الرغبات جاء الرد ليلملم نثار الآراء ويضع المتطلعين أمام مشروع حضاري ينتهب الخطى ولن أتجاوز مداخلتين حضاريتين وهامتين:

- مداخلة الإدريس في أن نمد بسبب إلى اليونسكو.

- ومداخلة دحلان في أن نمد بسبب إلى تمويل ثابت للإنفاق، فالمداخلة الأولى تتيح للسوق العالمية وهو حقيق بها والمداخلة الثانية تخلص السوق من ربط مصيره بالذات الاستثنائية وهذا تخوف مشروع.

والذين أتيح لهم حضور فعاليات السوق أدركوا أن وراء هذه المنجزات تجارب وخبرات وعزمات تنكب عن ذكر العواقب جانباً وبمثل ما تحقق في عسير من منجزات تباينت حولها الرهانات، فقد بدأت بوادر منجزات مماثلة تبدي أعناقها في الحجاز ستنقل الطائف من الهامش إلى المتن، ولم تكن المبادرات وقفاً على سوق عكاظ ومتطلبات المصيف المهجور الذي بدأ يتململ من تحت ركام النسيان.

ومثلما استأثرت أبها بكل مقومات السياحة، فإن الطائف على موعد مع التخطي من الهامش إلى المتن، وخير معين على هذه الانتفاضة استدراج هيئة السياحة لتلقي حبالها وعصيها فتمكن الطائف من الصدارة، ولاسيما أن الأمير سلطان بن سلمان أعلن في كلمة الافتتاح عن أوامر سامية ضجت عند سماعها القاعة بالهتاف والتصفيق من أبناء الطائف ومتى وفّق المعنيون بتنفيذ تلك الأوامر على وجهها، فإن «الطائف» ستكون بلد السياحة الأول، وهو جدير بأن يبتدر الراية، فالأميران خالد وسلطان والدعم السخي من الدولة وطبيعة «الطائف» المعطاء كلها من مقومات النجاح.

وسوق عكاظ بوصفه حدثاً تاريخياً أهمله التاريخ حقيق بأن يعود بصورته الأولى، مجسداً الحضارة العربية بحروفها الأولى وليس مجرد لقاء تقدم فيه الفعاليات دونما استقراء للتاريخ وتجسيد للتراث الحسي والمعنوي، وليس هناك ما يمنع من مسرحة أحداثه وشخصياته بحيث تعود تلك المفردات بلحمتها العربية وبلغة المعلقات وأزياء الأعراب وقبتهم الحمراء ورواحلهم وكل أشيائهم، إنه مرحلة تاريخية مضيئة يود العربي أن يراها كما كانت في الجاهلية الأولى، وإن كان ثمة ضرورة إلى عصرنة الأشياء وتحميلها بعض الهموم المعاصرة، فإن ذلك مباح ومتاح ولكنه كالضرورة تقدر بقدرها، ولقد جاءت المسرحيتان في الدورتين الرابعة والخامسة على جانب كبير من النجاح والإثارة وتضارب الآراء، إذ مارس الكتّاب والمخرجون عمليات إسقاط وترميز ذكية على مبدأ التاريخ يعيد نفسه فـ»عمرو بن كلثوم» رفض القهر والتسلط وحكم التفرد. و»زهير بن أبي سلمى» رفض الحرب المجانية والتدخلات الأجنبية، وكل تلك العلل مستشرية في عالمنا المعاصر، ومن العيب أن يقاومها شعراء الجاهلية ثم لا تكون لنا ذاكرة تعي تلك المواعظ.

لقد جاءت سوق عكاظ هذا العام بإضافات تبشر بمستقبل واثق الخطو، وإن كان ثمة فضلة من شكر وثناء فإنه يزجى لفريق العمل الذي أتقن كل متعلقات التظاهرة الثقافية، وهيأ للضيوف العرب والمحليين أجواء ملائمة للتفاعل الإيجابي.

هدايا المهرجان كثيرة ومتنوعة وفعالياته كثيرة ومتنوعة، كان في مقدمة الهدايا «ورد الطائف» و»كلمات» للأمير خالد الفيصل، وهي مجموعة كلمات منبرية ألقاها في مناسبات متعددة بأسلوب أخّاذ وبيان جلي وتركيز وترميز قد نسعد بقراءتها بآلية النقد ومنهج البلغاء حين يتوفر الجهد والوقت.

في النهاية نزجي وافر الشكر لمعالي المحافظ فهد المعمر وللأستاذ الدكتور سعد بن محمد المارق ولكل الذين أضافوا إلى أجواء الطائف الجميلة أجواء أحلى وأبهى، ولكي أخترق سياج المنع الذي نصبه خالد الفيصل أستنجد بمقولة شخصية المهرجان زهير ين أبي سلمى:- «عموا صباحاً إلا خالداً وخيركم استثنيت».

 

الطائف من الهامش إلى المتن..!
د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة