Thursday  29/09/2011/2011 Issue 14245

الخميس 01 ذو القعدة 1432  العدد  14245

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

للرتبة في التركيب النحوي دلالة مطردة في استعمال النحويين القدماء، ويقصد بها الموقع الأساسي الذي يقعه اللفظ في الجملة المرتبة، فالفعل رتبته 1، والفاعل رتبته 2، والمفعول به رتبته 3، وهذه الرتب لا تتغير وإن تقدمت الألفاظ أو تأخرت، نحو: عمرًا أكرم زيدٌ (213)، أو: أكرم عمرًا زيد (231). أما المحدثون فقد خالف بعضهم هذا المفهوم، وأوضح ما نجد ذلك عند تمام حسان وبعض طلابه، وتمام وسع مفهوم الرتبة ليشمل ما يطلق على الترتيب بعامة تركيبيًّا أو دلاليًّا، وفي هذا الإطار نجده يشير إلى أن الرتبة على نوعين (الرتبة المحفوظة والرتبة غير المحفوظة)، وبيّن أن غير المحفوظة «تأذن أحيانًا بالتقديم والتأخير وهو ما يعرف بتشويش الرتبة» (1). ونلاحظ أن قوله بالرتبة غير المحفوظة التي تشوش الرتبة قول معاند لما عليه القدماء، إذ لا يسمى عندهم رتبة إلا الموضع الأصلي، كما رأينا في التمثيل أعلاه كيف حافظ كل لفظ على رتبته بغضّ الطرف عن موقعه من الجملة، وكان عبدالرحمن أيوب يقول إن للفظ موضعًا هو رتبته وإنّ له موقعًا يقعه في الكلام، إذن الرتبة أو الموضع صفة تركيبية، أما الموقع فصفة لفظية كلامية آنية سياقية. بل ذهب تمام إلى أبعد من ذلك وهو أنه قد يتحتم عكس الرتبة أحيانًا إذا اقتضت الضرورة، ومثل لهذا بقولنا (أكرمك الله) ولا جدال في وجوب تقديم المفعول به وتأخير الفاعل هنا؛ ولكن هذا غير مغير من الرتبة، فهو تقديم لفظي بغضّ الطرف عن وجوبه أو جوازه. وبعد أن ذكر أن القرآن يتحدى قواعد النحاة وأنه نزل بلسان عربي مبين لا بنحو عربي مبين أورد مثالاً لتشويش الرتبة، قال «لا عجب إذًا أن نرى القرآن يشوش بعض الرتب المحفوظة. كما في قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ}[هود-38] أي كلما مروا عليه وهو يصنع الفلك سخروا منه؛ لأنه كان يصنعها على أرض جافة قبل نزول الطوفان ولم يكن حوله بحر ولا نهر تجري فيه الفلك فكان لهذا السبب مثار سخريتهم». وما ذهب إليه مبني على فهم خاص وإعراب خاص، فجملة (ويصنع الفلك) ليست جملة حالية في هذا التركيب، ولا تؤول بحال، ولذلك من الصعب عدها حالاً مقدمة عن عاملها. الفعل المركزي في حكاية نوح هو صناعة السفينة، وأما المرور والسخرية فهو أمر عارض عروض الأحوال. فالحال التي تلابس صناعة السفينة هي هذا المرور الساخر، قال ابن عاشور «وجملة (وكلما مر عليه ملأفي موضع الحال من ضمير (يصنع)» (2).

تابع تمامًا تلميذه محمد حماسة حين تحدث عن حرية الرتبة فذهب إلى أن العنصر الدلالي في الجملة قد يميز بين الوظائف النحوية للألفاظ، وهو «يتيح لها حرية الرتبة، فتقدم من تأخير، أو تؤخر من تقديم» (3)، ويأتي في ساقتهما أسامة عطية تلميذ محمد حماسة حين كتب «وخلاصة القول فإنه يجوز تبادل الرتبة أو العدول عنها بين الفعل والفاعل والمفعول» (4). وأما أطول عمل بني على هذا المفهوم المختلف فهو كتاب لعزام محمد ذيب إشريدة (5)، وهو تفصيل لأفكار تمام حسان وتلامذته وهي ما كنت توقفت فيه، وكذلك نجد عبدالرحمن بودرع يتحدث عن تحويل (الرتبة) التي يقصد بها «أوضاع الكلم في الجملة، وترتيبها، وحرية هذه الأوضاع، ويعد الترتيب الوضعي الذي للكلم مبدأ للترتيب الأصلي. والتصرف في تغيير هذه الأوضاع يمكن أن يعدّ مبدأ للمراتب الفرعية المشتقة» (6). وبهذا المفهوم قال علي المعيوف «أمّا الرتبة الأصلية في بحثي هذا فمعناها ما يمكن وصفه بأنه الرتبة الأولى بين المواضع/ الوظائف الاسمية في البناء التركيبي المجرد للجملة في العربية قبل تأليف الكلام دون النظر إلى احتمال التقديم والتأخير بين المواضع عند تأليف الكلام» (7). القدماء يتحدثون عن رتبة واحدة والمحدثون يتحدثون عن رتبتين أصلية وفرعية، أولى وأخرى.

والذي أريد التأكيد عليه أن الرتبة حسب النحويين القدماء هي موضع أصلي للألفاظ في التركيب، فإن وقعت فيه الألفاظ كانت الجملة مرتبة، وإن وقعت في غير ذلك الموضع كانت الجملة غير مرتبة، ورتبة اللفظ صفة تلازمه أينما حل في الجملة، فالذي يتقدم أو يتأخر اللفظ لا رتبته.

(1) تمام حسان، البيان في روائع القرآن،ص227.

(2) ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، 12: 67.

(3) محمد حماسة عبداللطيف، النحو والدلالة138.

(4) أسامة عطية، قرينة الرتبة ومكونات الجملة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة قناة السويس، الإسماعيلية، سنة 2010 ع 1، ص231.

(5) دور الرتبة في الظاهرة النحوية: المنزلة والموقع (ط1,دار الفرقان/عمان، 2004م).

(6) من ظواهر الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية والدرس اللساني المعاصر «الترادف»، حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت/ الكويت، 2005م، ص102.

(7) نظرية الموضع في كتاب سيبويه (مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية/ الرياض، 2010م) ص201 ح1.

 

مداخلات لغوية
الرتبة بين القدماء والمحدثين
أبو أوس إبراهيم الشمسان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة