Thursday  29/09/2011/2011 Issue 14245

الخميس 01 ذو القعدة 1432  العدد  14245

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

      

تتيح لي كتابة هذه المحاضرة، التي تتزامن مع الذكرى التاسعة والسبعين الميلادية لليوم الوطني السعودي، أن أستنطق الوثائق بحثاً في تاريخ معلم دستوري لم ينل حظاً كافياً من التدوين، بعد أن كنت مراراً، ألمحت إلى أهمية توثيقه وتقصّي معلوماته.

إنه “مجلس الوكلاء” الذي لم يعُد يذكر الآن، بعد أن كان احتل لمدة تزيد على عشرين عاماً مكانة مهمة على صعيد تطور التنظيم الإداري، بوصفه النواة الأوضح للسلطة التنفيذية في البلاد، تأخذ بها الدولة السعودية المعاصرة إبّان مسيرة توحيد المملكة في إطار تشكيل السلطات الثلاث: التشريعية (التنظيمية) والقضائية والتنفيذية. تجدر الإشارة إلى أن فكرة “مقاربة” لهذا المجلس قد تشكّلت في أواخر حكم الهاشميين في الحجاز، وكان آخر من تولاه في عهد الشريف علي بن الحسين (آخر ملوك الأشراف عام 1344هـ-1925م)، أحد أعيان الطائف، هو الشيخ عبدالله سراج المولود في مكة المكرمة سنة 1293هـ (1873م)، الذي درس في المدرسة الصولتية، وفي حلقات العلماء، وتولّى الإفتاء الحنفي والقضاء، ثم أصبح رئيساً للحكومة (مجلس الوكلاء) في العاصمة المقدسة، وانتقل فيما بعد مع الشريف عبدالله بن الحسين بعد إحداث مملكة شرق الأردن، ليصبح رئيساً لعاشر حكوماتها بين عامي 1350هـ و 1353هـ (1931-1933م)، وفي أثناء ولايته تلك، تم الاعتراف المتبادل بين المملكتين (السعودية والأردنية)، وتوفي عام 1368هـ (1948م)، وهو والد الأستاذ حسين سراج أحد وجوه الأدب والثقافة والمسرح في هذه البلاد، المتوفى عام 1408هـ (2007م).

كانت مملكة الحجاز في العهدين العثماني والهاشمي على قدر من توافر الخدمات والمرافق والتنظيم الإداري يتميز عن سائر الأقاليم الأخرى في شبه الجزيرة العربية، وعندما آل الحكم فيها بشكل كلي إلى الدولة السعودية في منتصف عام 1344هـ أواخر عام 1925م، مرت الإدارة الجديدة في إقليم الحجاز، وعلى مدار ستة أعوام بين 1344هـ-1350هـ (1925م-1931م) بسلسلة من التطوّرات المتدرّجة والمتلاحقة، أدت إلى نشوء السلطات الدستورية الثلاث: القضائية والتنظيمية والتنفيذية، تلك التطورات التي بدأت بتعيين الابن الثاني للملك عبدالعزيز (الأمير فيصل) البالغ من العمر عشرين عاماً، نائباً للملك في الحجاز، وذلك بتاريخ 28-6-1344هـ (12-1-1926م).

ويمكن، من أجل توضيح تلك التطورات التنظيمية المتكاملة والمتسارعة، التي أوصلت في نهاية تلك السنوات الست، إلى استقرار نظام الحكم ليس في الحجاز فحسب بعد تغيّر نظامه السياسي، مروراً بتنظيم شؤون مملكتي الحجاز ونجد تحت مظلة العهد السعودي، ولكن في الوطن الموحّد كله، وإلى تثبيت معالم السلطات الدستورية الثلاث، وبالتالي إلى تمهيد الطريق نحو إعلان توحيد البلاد تحت علم واحد وعاصمة سياسية مركزية، أن تقسم – أي التطوّرات المتلاحقة – اجتهاديّاً إلى مسارات ثلاثة:

-المسار الأول، وقد أوصل إلى تحديد معالم السلطة الدينية والقضائية، وهو موضوع طويل يحتاج إلى وقفة توثيقية متعمقة وشاملة، وبحث أطول من أن يختزل في سطور هذه المحاضرة، بل ويخرج عن إطارها الموضوعي، لكن منعطفه الزمني– في تقديري – بدأ مع اختيار الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئيساً للقضاة في الحجاز في عام 1346هـ (1927م) خلفاً للشيخ عبدالله بن بليهد، حيث بدأت تتضح معالم مرجعية الشئون الدينية (القضاء والإفتاء والأوقاف وهيئة الأمر بالمعروف والإمامة والخطابة والحج وشؤون الدعوة وخلافها)، التي أصبحت – مع الأعوام – منظومة متكاملة تمثل السلطة الشرعية والقضائية.

-المسار الثاني، هي التطورات التي قادت إلى نشوء السلطة الدستورية الثانية (التنظيمية) عبر المنهج الإسلامي الشوري، وقد بدأ منعطفه بإعلان مملكة الحجاز دولة إسلامية شورية في أول وثيقة دستورية محررة.

جاءت تطورات هذا المسار مع قيام المجلس الأهلي المنتخب الأول بمكة المكرمة برئاسة عبدالقادر الشيبي، الذي تشكّل في منتصف عام 1343هـ (1924م)، لإدارة شؤون مكة المكرمة فور دخولها في الحكم السعودي بتنازل الملك الهاشمي الحسين بن علي، وهو المجلس الذي توسعت عضويته بعد ستة أشهر ليضم ثمانية عشر عضواً منتخباً برئاسة السيد محمد المرزوقي، وكذلك قيام المجلس الأهلي الثاني لترتيب أمور الحكومة المحلية في جدة بعد رحيل الملك علي بن الحسين، آخر ملوك الأشراف من جدة، وهو مجلس تأسس في منتصف عام 1344هـ (أواخر عام 1925م) برئاسة الشيخ عبدالله علي زينل وعضوية محمد نصيف وقاسم زينل وناصر التركي وعلي سلامة وعبدالله ا لتركي ومحمد علي قابل. وفي هذه الأثناء، صدر الأمر بإنشاء مجلس استشاري مصغّر يهدف إلى معاونة الأمير فيصل في إدارة شؤون الحجاز، ضم في عضويته عبدالعزيز العتيقي وحمزة الفعر وصالح شطا، (أم القرى، العدد 55 في 30-6-1344هـ (14-1-1926م).

ثم صدرت التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية بتاريخ 21-2-1345هـ (31-8-1926م)، وهي وثيقة مكوّنة من (42) مادة، نظّمت شؤون الحكم وتحديد شكله في مملكة الحجاز في ظل الحكم السعودي، ومع أنها تخص مملكة الحجاز إلا أنها في الواقع، كانت – كما سلف – أول وثيقة دستورية تؤكد أنها مملكة إسلامية شورية، كما حملت تنظيمات وتشكيلات إدارية دقيقة كان من بينها اقتراح بإنشاء مجلس شوري وبتأسيس مجالس للمناطق ومجالس محلية، وكانت تلك الوثيقة من وضع هيئة تأسيسية مكوّنة من عدة أعضاء يمثلون مدن الحجاز، أضيف إليهم خمسة آخرون، وقد اشتملت الوثيقة على تسع وتسعين مادة، وتكونت من تسعة أقسام.

وبناء على ما جاء في تلك الوثيقة (التعليمات الأساسية)، صدر الأمر بإنشاء المجلس الشوريّ بدمج المجلسين الأهلي والاستشاري، وبتشكيله برئاسة الأمير فيصل وعضوية كل من عبدالعزيز العتيقي وحمزة الفعر وحافظ وهبة وحسين عنان وشرف عدنان وحسين باسلامة وعبدالله الشيبي ومحمد الألفي وعبدالرحمن زواوي وعبدالوهاب عطار وماجد كردي وشرف رضا من مديرية المالية ومحمد سعيد أبو الخير من إدارة الأوقاف، (أم القرى، العدد 86 في 27-1-1345هـ - 6-8-1926م).

وبعد عام آخر (8-1-1346هـ) حَلّ مجلس الشورى – شبه المنتخب – محل المجلس الشوريّ برئاسة الأمير فيصل وبعضوية ثمانية أعضاء هم: أحمد سُبحي وصالح شطا وعبدالرحمن زواوي وعبدالوهاب عطار ومحمد يحيى عقيل ويوسف قطان وعبدالله الجفالي وعبدالعزيز بن زيد، وهو المجلس الذي صار يعدّ أساس المجلس الحالي.

أمّا المسار الثالث، وهو الذي أفضى إلى نشوء السلطة التنفيذية (أو مجلس الوكلاء موضوع هذه المحاضرة) فقد بدأ عندما صدر أمر اللك عبدالعزيز بتشكيل لجنة التفتيش والإصلاح، بهدف مراجعة الأوضاع الإدارية للدولة بشكل عام، وذلك بعد مضي أشهر من صدور التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية.

تكوّنت هذه اللجنة – التي تعدّ ثاني أهم الخطوات التي أقدم عليها المؤسس لاقتراح الشكل التنظيمي الأنسب للدولة، واستمر عملها عدة أشهر – من كل من : صالح شطا وشرف عدنان وعبدالرحمن القصيبي (والد د. غازي) ويوسف قطان ومحمد صالح نصيف وحافظ وهبة(1) وسفيان باناجة، واختير فؤاد حمزة سكرتيراً لها، (أم القرى يوم الجمعة 8 محرم 1346هـ – 8-7-1927م).

وكان الخطاب الملكي في افتتاح مجلس الشورى في اجتماعه الأول عام 1346هـ (1927م)، وألقاه حافظ وهبة نيابة عن الملك عبدالعزيز، قد أشار إلى تلك اللجنة وأنها قد أنجزت معظم ما طلب منها.

ولعل من المناسب، وقد تطرّقنا – عرضاً – إلى لجنة التفتيش والإصلاح هذه ومن قبلها إلى الهيئة التأسيسية التي أصدرت التعليمات الأساسية، الإشارة إلى أن جهداً بحثياً معمّقاً، جدير بأن يولى لتوثيق تاريخهما وإنجازاتهما وتدقيق أسماء من التحق بعضويتهما، ففكرتهما وأسلوب تكوينهما مما يسجّل إيجاباً للفكر الإصلاحي الديناميكي المستنير، للملك عبدالعزيز وابنه فيصل، حيث قامت الأخيرة مثلاً على مرتكزين عمليّين هما: التفتيش الميداني، بمعنى البحث في مواطن الخلل، مع سماع شكاوى الناس وآرائهم، ثم اقتراح مجال الإصلاح الإداري ورفعه للملك.

ويستفاد من فتات المعلومات المتناثرة، أنها قامت فعلاً بجولات تفتيشية على المؤسسات الخدمية، وخصصت صندوقاً في مكان عام في ناصية الحرم الشريف لتلقّي الشكاوى والملاحظات.

فها هو محمد حسين زيدان، يروي في كتابه: ذكريات العهود الثلاثة: العثماني والشريفي والسعودي (الصادر هذا العام 2011م) كيف أن اللجنة زارت مدارس المدينة المنورة، وأبدت مرئيات عملية لإصلاح أوضاعها، كما أن هناك وثائق أخرى توضح أنها حققت فعلاً في شكاوى معينة،كذلك التحقيق الذي صدر بنتائجه بلاغ إدارة المطبوعات بتاريخ 15-1-136هـ، ونشر في أم القرى (العدد 135) وأدى إلى عزل عبدالعزيز العتيقي والشريف حسين عدنان من خدمة الحكومة.

وتشير الوثائق إلى جملة من التوصيات ومشروعات الإصلاح الإداري التي رفعتها لأنظار الملك وأخذ بها، ومنها وضع أول نظام لمجلس الشورى ونظام للشرطة والبلدية، وتأسيس مجلس للمعارف، ومجلس لعين زبيدة، وإنشاء لجنة إشرافية (مجلس تنفيذي) للتنسيق بين الأجهزة الحكومية تحولت لاحقاً إلى مجلس الوكلاء (مدار البحث).

يتبيّن من هذا السرد السريع، أن تنظيم قواعد الحكم – الذي بدأ بانضمام مملكة الحجاز إلى الدولة السعودية – قد مرّ بمراحل بدأت بترتيب أمور إقليم الحجاز في ظل العهد السعودي، واكتمل بتنظيم الدولة بعامة وإقامة السلطات الدستورية الثلاث: القضائية والتنظيمية (التشريعية) والتنفيذية.

جدير بالذكر أنه حتى ذلك العام 1350هـ (1931م) لم يكن يوجد في الحجاز – حيث بدأت بوادر تكوين المؤسسات الحكومية – سوى وزارة الخارجية – أولى الوزارات – التي أسندت للأمير فيصل عام 1349هـ - 1930م تطويراً لمديرية الشؤون الخارجية التي كان يديرها عند إنشائها عام 1344هـ (1925م) د. عبدالله الدملوجي، أحد أقدم مستشاري الملك عبدالعزيز الذي عاد إلى موطنه الأصلي وأصبح وزيراً للخارجية العراقية، ثم فؤاد حمزة، وهو شخصية سياسية لبنانية، تولى المديرية بعد الدملوجي ثم صار أول وكيل لها بعد تحويلها إلى وزارة. ثم أنشئت في ذلك العام 1350هـ (1931م) وزارة الداخلية التي انضوت تحتها مديريات الخدمات (الأمن والصحة والبلديات والبرق والبريد ونحوها) وتولاها الأمير فيصل، لكن أمراً سامياً صدر في عام 1353هـ (1934م) دمج اختصاصاتها مع ديوان رئاسة مجلس الوكلاء، ثم أعيد إنشاؤها عام 1370هـ (1950م) وأصبح الأمير عبدالله الفيصل وزيرها، أما وزارة المالية فقد تأسست في العام اللاحق 1351هـ (1932م)، وذلك خلافاً لما يتردد أحياناً في الأذهان بأنها كانت أم الوزارات وأولها.

في هذه الأجواء من عام 1350هـ (1931م) تأسس مجلس الوكلاء، مستمداً تسميته من أعضائه (وكلاء) وزارتي الخارجية والمالية ومجلس الشورى، وتدل الوثائق العثمانية، على أن مصطلح الوكلاء كان معمولاً به في الولايات العثمانية للدلالة على مجلس الوزراء (الحكومة)، فكان الأعضاء الأساسيون في المجلس – بالإضافة إلى رئيسه الأمير فيصل – كل من عبدالله السليمان (وكيل المالية العامة الذي أصبح وزيراً للمالية في العام التالي) وأخوه حمد السليمان (رئيس دوائر المالية الذي أصبح فيما بعد وكيلاً لوزارة المالية) ويوسف ياسين (بوصفه رئيساً للشعبة السياسية في ديوان الملك) وفؤاد حمزة (بوصفه وكيلاً لوزير الخارجية) وعبدالله محمد الفضل (بوصفه نائباً لرئيس مجلس الشورى).

كما انضم إلى عضوية المجلس في تواريخ لاحقة، كل من محمد عيدالرّواف (قائمقام جدة) وإبراهيم السليمان العقيل (رئيس مكتب الأمير فيصل) وشرف رضا وعبدالله إبراهيم الفضل وصالح شطا وعبدالعزيز آل إبراهيم وخالد أبو الوليد، وربما آخرون.

وبينما كان عبدالله محمد الفضل نائباً أول لرئيس مجلس الشورى صار أيضاً نائباً لرئيس مجلس الوكلاء، وفي فترة لاحقة ظهر اسم نايف الشعلان معاوناً للرئيس (أم القرى، في 21-4-1363هـ).

وطوال تاريخ مجلس الوكلاء الذي استمر زهاء عشرين عاماً، كان الأمير فيصل رئيسه الرسمي، وناب عنه في فترات غيابه الأمراء محمد بن عبدالعزيز وخالد بن عبدالعزيز ومنصور بن عبدالعزيز وعبدالله الفيصل، والشيخ عبدالله محمد الفضل.

كانت مقاليد الأمور الخارجية – وبخاصة المخاطبات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية – بيد الملك عبدالعزيز تنفذها الشعبة السياسية بالديوان الملكي ووزارة الخارجية، وكان مجلس الوكلاء في العاصمة المقدسة مسؤولاً – بموجب نظامه – عن رسم السياسة العامة الداخلية للدولة، يجتمع بشكل يومي، وتسود مناقشاته حرية إبداء الرأي والاعتراض، ثم صار يجتمع أسبوعياً، ولما زادت أعباؤه تشكّلت له لجنة تنفيذية – سميت اللجنة الدائمة لمجلس الوكلاء – تلتقي يومياً، لدراسة الأمور المستعجلة وعرضها مع توصياتها على المجلس بهيئته الكاملة للبت فيها أو لرفعها إلى أنظار الملك للتوجيه بشأنها، وتوجد نماذج من قرارات المجلس موقعة من أعضائه، وأخرى سلكت طريقها نحو ديوان الملك عبدالعزيز، في حركة آليّة دقيقة التنظيم، وقد تكوّنت تلك اللجنة من عبدالله الفضل (رئيساً) وهاشم سلطان ومحمد بن سلطان، ومحمد السليمان التركي (أعضاءً) وصدر بتشكيلها أمر من الملك (برقم 14-2-4 وتاريخ 23-2-1352هـ).

ويمكن القول إنه بنشوء مجلس الشورى عام 1346هـ (1926م)، ثم مجلس الوكلاء عام 1350هـ (1931م)، اكتمل عقد بناء المؤسسات الدستورية الأساسية للدولة، مما مهد الطريق لإعلان توحيد المملكة بعد ذلك التاريخ (1351هـ – 1932م).

كما يمكن القول، إن تفرّد مجلس الشورى القديم مدة تزيد على ست سنوات بوضع السياسة العامة الداخلية للدولة، قد جعله يحتكر الاختصاصات التشريعية (التنظيمية) والأخرى التنفيذية، أما بعد قيام مجلس الوكلاء، فقد بدأت تتضح معالم الفصل بين السلطتين، وإن ظهر شيء من الازدواجية بينهما، فإن إمكانية عقد اجتماع مشترك بين المجلسين كانت بحكم النظام تعالج ذلك، فضلاً عن وجود أعضاء مشتركين في المجلسين، وفي مقدمة هؤلاء الرئيس (فيصل) ونائبه (الفضل).

وبحكم أن كل الأجهزة الحكومية الحديثة، قد نمت وتطورت في الحجاز، فقد كان مقر المجلس في مكة المكرمة، وهنا لا بد من التنويه أن الأمير فيصل كان ينوب عن والده الملك عبدالعزيز عندما يكون الملك بعيداً عن الحجاز، أما عندما يكون حاضراً فيه، فإنه يحمل لقب رئيس مجلسي الشورى والوكلاء ووزير الخارجية والداخلية، والكلام نفسه يصدق على ولي العهد الأمير سعود الذي كان ينوب عن الملك في إدارة شؤون العاصمة السياسية – الرياض – وبقية المناطق عند غياب والده.

بعد نحو شهرين من التوجيه بتكوين المجلس، المؤرخ في 28-6-1350هـ أصدر الملك عبدالعزيز نظامه المفصل يوم 19-8-1350هـ (29-12-1931م) ونشر في الجريدة الرسمية (أم القرى) يوم السابع من شهر رمضان المبارك سنة 1350هـ (15-1-1932م) في سبع وعشرين مادة، تحدد رئاسته واختصاصاته ومرجعيته والجهات التابعة له وإجراءات عمله، وكان من أبرز ما جاء فيها ما يأتي:

-أن المجلس يتألّف من رئيسه ومن وكلاء وزارتي الخارجية والمالية ومجلس الشورى مع التأكيد على أن رئيس مجلس الوكلاء ينوب عن الملك في حال غيابه.

-وأن المجلس يستمد سلطته من الملك، وأنه مسؤول عن السياسة العامة – الداخلية – للدولة.

-وأن النظام يفوّض نائب الملك في التصرف في الأمور المستعجلة.

-وأن المجلس هو المرجع الإداري للديوان الملكي والخارجية والمالية والعسكرية والشورى والداخلية ورئاسة القضاء وأمراء المناطق.

-وأن وزارة الداخلية هي مرجع الصحة والمعارف والبريد والبرق والكورنتينات والشرطة العامة والبلديات، وكذا المحاكم في حال عدم مراجعتها لرئاستها.

- وتقسيم النيابة العامة إلى قسمين: وزارة الداخلية ورئاسة مجلس الوكلاء وتحويل اسم النيابة العامة إلى وزارة الداخلية، بحيث يصبح اسم ديوان النيابة العامة: ديوان النائب العام ورئاسة مجلس الوكلاء.

اعتاد الملك المؤسس من نائبه، على تلقّي تقارير دورية لتقويم أداء السلطتين التنظيمية والتنفيذية، وكان سريع التجاوب مع أفكار التطوير والإصلاح، ومن ذلك على سبيل المثال مما يتصل بمجلس الوكلاء، مبادرته عام 1356هـ (1937م) إلى تحديث نظام المجلس، بما يقضي بحضور رؤساء الأجهزة الحكومية التي لها قضايا معروضة، للمشاركة في مناقشتها، كما أصدر في عام 1359هـ (1939م) إضافات على النظام بتفويض نائبه (رئيس المجلس) صلاحيات أوسع، باستثناء صلاحية تنفيذ الأحكام الشرعية المتعلقة بالجرائم الكبرى إلا بعد الرجوع إليه.

أما التطوير الأوسع بحق هذا المجلس، فقد اتخذه الملك عبدالعزيز قبل فترة وجيزة من وفاته، وذلك بصدور نظام بمرسوم بتاريخ 1صفر1373هـ (9 أكتوبر 1953م) بإنشاء مجلس الوزراء، لكنه لم يتشكل إلا بعد وفاته (16-12-1373هـ).

جدير بالذكر أن مكتب النائب العام، قد أصبح بعد قيام مجلس الوزراء ومنذ عام 1374هـ (1954م) ديواناً لرئيس مجلس الوزراء، وكان أول رئيس له هو إبراهيم السليمان العقيل، الذي كان مديراً لديوان النائب العام وعضواً في مجلس الوكلاء.

لقد كانت أغلبية قرارات المجلس تصدر فرادى، يحمل كل قرار منها رقماً مستقلاً بتاريخه وموضوعه، وإن من يطلع على فهارس الوثائق الوطنية لتلك المرحلة التأسيسية، سيجد مئات القرارات الصادرة عن مجلسي الشورى والوكلاء في مختلف الموضوعات المتعلقة بالشؤون التنظيمية والتنفيذية الداخلية للبلاد، وربما سيذهل للكمّ الهائل من القوانين والنظم المتلاحقة التي صدرت إبان فترة التأسيس، بالرغم من تواضع الإمكانات الثقافية والخبرات القانونية، وهو ما يرجى منه أن يفتح شهية الباحثين والدارسين للتصدّي له. لقد كتب القليل عن مجلس الوكلاء، ومع أن ما كتب يرتكز على معلومات تاريخية موثقة، ويستفيد مما ضمته أم القرى ومراكز التوثيق من أخبار وأنظمة وقرارات منشورة، إلا أنني أختم هذه المحاضرة، وفي النفس شيء من سؤالين ظلاّ يلازمان إعدادها، حتى تمكنت من الاطلاع على عينة من (300) وثيقة في معهد الإدارة العامة، ساعدت في معرفة طبيعة ما يعرض على المجلس من موضوعات وما يتخذ بشأنها من قرارات:

الأول: هل تحقق الفصل في الاختصاص بين سلطتي مجلس الشورى (التنظيمية) ومجلس الوكلاء (التنفيذية)؟

والثاني: هل استطاع مجلس الوكلاء أن يبسط نفوذه الإشرافي – المفترض بموجب نظامه – على سائر أرجاء الوطن بعد توحيد المملكة؟

أم أن هذا الأمر لم يتحقق إلا بعد أن تحوّل مجلس الوكلاء إلى مجلس للوزراء، وأنشئت الوزارات الثمان الأولى؟

تُظهر عينة تلك الوثائق أن المجلس – وكذا نظامه – لم يتوقفا فيما يعرض عليه عند منطقة الحجاز، لكن أكثر المعاملات كانت تخص – دون قصد – منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم المناطق الجنوبية والشمالية الغربية ثم بقية المناطق، وقد يكون للاعتبارات الثقافية والقرب الجغرافي ولطبيعة أسلوب الأمير فيصل في الإدارة دخل في ذلك.

كما تظهر الوثائق وضوحاً في رؤية الاختصاص بين المجلسين، ودقة عالية في تنظيم الأمور، وتؤكد على العلاقة التكاملية بينهما، حيث نجد كثيراً من قرارات مجلس الوكلاء قد أقرت أو بُينت على قرارات لمجلس الشورى، لكن الانطباع الأقوى الذي قد يخرج به فاحص تلك الوثائق، أن مجلس الوكلاء كان – وبكفاءة عالية – يطلع على القضايا الصغيرة والكبيرة، حتى لم يكد يبقى مجال للاجتهادات والقرارات الفردية، وهو – م رة أخرى – ما يعبر عن الذهنية التنظيمية للأمير فيصل، وعن دعم الملك عبدالعزيز للعمل المؤسسي، وعن كفاية الأعضاء وحسن اختيارهم وتنوّع تخصصاتهم.

ومع ذلك فإن الإجابة الشافية على هذين الاستفسارين – اللذين التبس أمرهما على بعض من كتب عن مجلس الوكلاء – لا تتحقق إلا بمقارنة أدق، وبدراسة أعمق لمجمل وثائق المجلسين، وبتحليل مضمونها، فلقد قام المجلس بدراسة المئات من الأمور المعروضة عليه، وكان يمثل بيت خبرة إدارية جيدة مهّدت السبيل لمجلس الوزراء ذي المسؤوليات الأوسع، والإشراف الأشمل على أجهزة الدولة والمناطق كافة، والأكثر مجاراةً للتنظيمات الدستورية الحديثة.

تتناثر وثائق مجلس الوكلاء منذ بدئه عام 1350هـ (1931م) وحتى تحويله عام 1373هـ (1953م)، بين مختلف مراكز التوثيق الوطنية، ويوجد القسم الكبير منها في أرشيف وزارة الداخلية التي تحتفظ بوثائق النيابة العامة وشؤون المناطق، والمفترض أن يكون معظمها موجوداً لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الوصية على مجلس الوكلاء بحكم الامتداد، كما يوجد بعضها في المركز الوطني للوثائق والمحفوظات التابع للديوان الملكي بحكم احتفاظه بوثائق الشعبة السياسية، لكن قدراً جيداً منها يتجاوز الألفي وثيقة متوافر إليكترونياً في معهد الإدارة العامة في الرياض، كما توجد كمية معتبرة في دارة الملك عبدالعزيز وفي بقية المكتبات الوطنية، وبالتالي فإن جهداً بحثياً يحيط بها كلها سيكون أمراً علمياً مقدراً، فضلاً عن أن تدقيق تواريخ المعلومات هو أمل سينال تقديراً إضافياً للجهد المرتقب. وبين يديّ، عينات محدودة من الوثائق المتصلة بتاريخ المجلس وقراراته، أختم بعرض نماذج منها إتماماً للفائدة، وقد أثبتنا صوراً لبعضها في ملحق المحاضرة، وأبدأ بأول وثيقة تؤسس لمجلس الوكلاء، وكانت قد كتبت في 28-6-1350هـ، قبل صدور نظام المجلس، وهي خطاب موجه من الملك عبدالعزيز إلى نائبه في الحجاز (الأمير فيصل) يرد فيه على تقرير رفعه إلى الملك بتاريخ 3-6-1350هـ متضمناً على ما يبدو موافقة على اقتراح الأمير فيصل بتشكيل مجلس الوكلاء، وتبرز أهمية الوثيقة في تأكيد الملك على أن المجلس هو بمثابة “حكومة”، إذ يقول:

“ إن الحكومة المتشكلة برئاستكم والمسند من وظائفها إليكم الداخلية والخارجية، والتي نأمر أن يتألف مجلسها منكم ومن وكيل الخارجية ووكيل المالية ورئيس مجلس الشورى تكون وظائفها وصلاحيتها كما يلي: تكون الحكومة مسوؤلة كل المسؤولية بالتضامن، ورئيسها هو الواسطة لإصدار أوامرنا إلى دوائر الحكومة ومرجع تلك الدوائر في معاملاتها الرسمية، وأن النائب العام هو رئيس الوكلاء، وهو مسؤول أمامنا عن نظامات الحكومة والوكلاء.

ثم يسترسل الخطاب، المكوّن من خمس مواد، في التوجيه بشأن تسلسل المرجعيات المنتهية بالملك، وبشأن الميزانيات، وبشأن حفظ الحقوق ... الخ”.

أما الوثيقة الثانية فتحمل الرقم 52 وتاريخ 19-2-1357هـ وهي تخص طلب مديرية الأمن العامة تعيين جهة مسؤولة في جيزان تتولى معاملات طالبي الدخول في التابعية السعودية، ومكمن أهمية هذه الوثيقة في أنها نموذج لعشرات المعاملات التي مما توضح أن اختصاص المجلس يتسع لكل مناطق المملكة.

وهذه وثيقة صادرة من الديوان الملكي (الشعبة السياسية) تحمل توقيع رئيسها يوسف ياسين بتاريخ 9-2-1354هـ موجهة لرئيس مجلس الوكلاء، تفيد بموافقة الملك عبدالعزيز على طلب وزارة الخارجية تسديد مبلغ ألفين وأربعمائة وخمسة وعشرين قرشاً أميرياً لحساب إدارة جريدة أم القرى ومطبعتها مقابل المتبقي من نفقات طبع الكتاب الأخضر الخاص بالحوادث الماضية مع اليمن (عام 1353هـ)، والكتاب محفوظ في المكتبات المركزية الوطنية، كما أن الوثيقة محفوظة في معهد الإدارة العامة بالرياض، ومكمن أهميتها في الحسّ الوثيقي الذي كان يغلب على تلك المرحلة، حيث وثقت تلك الأزمة ومثيلاتها في كتب مطبوعة.

وهذه وثيقة أخرى، تحمل قرار مجلس الوكلاء (رقم 508 وتاريخ 27-11-1357هـ) الذي يتبنى رأي وزارة الخارجية بعدم مناسبة الأخذ باقتراح مكتب الدعاية للحج إصدار نشرة إخبارية بالوقائع والحوادث المهمة، والاكتفاء بالدعاية بواسطة المذياع والنشرات الدورية، والقرار يحمل توقيع كل من محمد عيدالروّاف وعبدالعزيز آل إبراهيم وعبدالله محمد الفضل (والمقصود بالمذياع الإذاعات الخارجية لأن الإذاعة السعودية لم تكن قد تأسست بعدُ).

وهذه وثيقة ثالثة، وهي عبارة عن خطاب بعثه رئيس الديوان الملكي إلى نائب الملك في الحجاز بتاريخ 30-10-1358هـ ، يتضمن موافقة الملك عبدالعزيز على قرار مجلس الوكلاء الذي ينص على ضرورة تقديم كل كتاب يراد طبعه، إلى النيابة العامة (ربما بحكم تبعية قلم المطبوعات لها) لتأمر بطبعه بما في ذلك الكتب الخاصة برئاسة القضاة، وتكمن أهمية هذه الوثيقة في عدم موافقة المجلس على كل ما يرده، بما في ذلك رئاسة القضاة.

وهناك وثيقتان يعود تاريخ الأولى منهما إلى 30-12-1356هـ والثانية إلى تاريخ 23-7-1357هـ يتعلقان بتحديد المعاملة المالية لعبد الحميد الخطيب وعبدالقادر غزاوي نظير قيام الأول بجولة في بلاد الجاوة والثاني بجولة في القطر المصري يهدف منها للدعاية (والمقصود بالدعاية هنا الإعلام للحج، حيث شهدت تلك الأعوام جهوداً مكثفة في هذا السبيل، بعد أن تناقص عدد الحجاج بشكل ملحوظ في تلك الفترة بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، والتأثر من ظهور دعاية ضد المملكة في مصر والهند وبلاد الملايو)، وتضم المعاملتان قرارين من مجلس الوكلاء في هذا الشأن.

وفي الوثائق (أم القرى، العدد 440 بتاريخ 24-1-1352هـ) أن مجلسي الشورى والوكلاء أصدرا قراراً مشتركاً في 16-1-1352هـ (11مايو 1933م) بمبايعة الأمير سعود ولياً للعهد، وكان الموقعون على القرار– بالإضافة إلى الأمير فيصل رئيس المجلسين، والشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ (رئيس القضاة) ومحمد المزروقي (عضو هيئة التدقيقات) وأحمد قاري (قاضي مكة المكرمة) – أعضاء مجلس الوكلاء ومجلس الشورى، وهم:

(يوسف ياسين، فؤاد حمزة، عبدالله السليمان، عبدالله محمد الفضل، صالح شطا، محمد شرف رضا، عبدالله الشيبي، عبدالوهاب نائب الحرم، محمد مغيربي أبوفتيح، عبدالوهاب عطار، أحمد إبراهيم الغزاوي، عبدالله الجفالي، وحسين باسلامة). وباستعراض سريع للعينة المختارة من وثائق معهد الإدارة العامة، يتبين أن مجلس الوكلاء، بالتكامل مع مجلس الشورى، كان قد أقر جملة من الأنظمة، التي ما يزال أثر بعضها باقياً إلى الوقت الحاضر، ومنها على سبيل المثال:

“تفتيش المعارض، تمييز الصكوك التجارية، النظام الإداري للقضاء الشرعي، الجنسية السعودية، البلديات، المرافعات، المصارف، الطرق والمباني، العمل، المناقصات”. كما نظر في تفسير مواد الأنظمة وأقر ميزانيات بعض قطاعات الدولة، وتولى الفصل في نزاعات”.

إن من يطلع على الوثائق الوطنية الإدارية القديمة، سيجد المئات منها قد صدرت في ظل مجلس الوكلاء، الذي مارس وظيفته زهاء عشرين عاماً بوصفه ركناً من أركان الحكم في هذه البلاد، ونواة ناطقة للسلطة التنظيمية، لكن الموضوع أوسع من أن يختصر في محاضرة، ومع الاحترام لما كتب عنه حتى الآن، فهو فضلاً عن قلّته كمّاً، لا يفي كيفاً بحقه، وبخاصة فيما يتصل بتتبع المئات من قراراته ورصدها وتحليلها، والأحرى أن تقوم جهة توثيقية أو باحث متخصص بتدوينه في موسوعة، فقيام المجلس كان يمثّل مرحلة مهمة من تاريخ بناء هذا الكيان. مشيراً في الختام إلى أن كتاب تطوّر الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية لمحمد توفيق صادق (معهد الإدارة العامة بالرياض 1385هـ – 1965م)، وكذلك البحث الذي قدمه عن مجلس الوكلاء، د. علي البهكلي عام 1406هـ (1986م) إلى المؤتمر العالمي الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن تاريخ الملك عبدالعزيز، وكتاب تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز لمؤلفه د. إبراهيم عويّض العتيبي، (الصادر عن جامعة الملك سعود عام 1419هـ –1999م)، ومقالاً كتبه د. أحمد عبدالله الباز في الموضوع، في دورية معهد الإدارة العامة (محرم 1421هـ - أبريل 2000م) تُعدّ حتى الآن من أفضل المراجع في موضوعه، وذاكراً بالفضل عبدالعزيز بن محمد الفهد العيسى، الذي شجعتني اهتماماته المشتركة بالتوثيق إلى اختيار هذا الموضوع والحديث عنه بمناسبة ذكرى اليوم الوطني، كما أود أن أشيد بما يحفظه معهد الإدارة من وثائق تخص مجلس الوكلاء وقراراته.

* جانب من محاضرة القيت في نادي جدة الثقافي

 

مجلس الوكلاء في مكة المكرمة نواة السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) في عهد الملك عبدالعزيز 1350 - 1373هـ (1931 - 1953م)
عبد الرحمن الشبيلى

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة