Thursday  29/09/2011/2011 Issue 14245

الخميس 01 ذو القعدة 1432  العدد  14245

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الاقتصادية

      

لم تعد فكرة إنشاء هيئة وطنية للمحامين مطلبا للمشتغلين في حقول المحاماة والاستشارات القانونية، بقدر ما أصبحت مطلبا للجميع حتى لذلك المواطن العادي الذي بات بحكم المعلومات التي وصلته عن مزايا ومكاسب هذه الهيئة، يستعجل الإعلان عنها ويترقب تدشينها لعملها...

.. فالكثير من المواطنين لديهم من القضايا العاجلة والتساؤلات الشائكة ما يحملونه لهذه الهيئة التي يتوقع أن تقدم الكثير من الخدمات في هذا الجانب.

أتصور أن قيام هيئة للمحامين سيساعد رجل القانون سواء كان محاميا أو قاضيا، فالفوائد المتحققة من هذه الهيئة تكرس في مجموعها لعلاقة مفيدة بين القانونيين والمجتمع، وستخلق بيئة صحية ومعافاة للعمل القانوني تمهد الطريق أمام جهود التثقيف القانوني التي تُبذل منذ فترات طويلة من قبل القانونيين في المملكة، لتتجذر في المجتمع وتؤتي أكلها في تقليص المنازعات والانتباه مبكرا إلى الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها بعض المواطنين وتقودهم إلى المحاكم، فمن خلال خبرتنا العملية ظهر لنا بوضوح لا يتسرب إليه أدنى شك، أن الكثير من القضايا لم تكن لتصل إلى المحاكم والمحامين لو توفر قدرا مناسبا من الثقافة القانونية لدى المواطن.

وبالقراءة المتأنية للواقع القانوني في المملكة وطبيعة الثقافة التي تتحكم فيه، نجد أن قيام هيئة المحامين سيكون لها مردود إيجابي واسع للغاية على أكثر من صعيد ولن يقتصر كما قلنا آنفا على المحامين كما قد يتصور البعض، فهذه الهيئة يمكن أن تفيد - على سبيل المثال فقط - في الحفاظ على مكتسبات الوطن والمواطن حيث هناك الكثير من القضايا الجديدة على مجتمعنا يحتم التداخل الدولي التعاطي معها، وليس هناك من هم أقدر من المحامين والمستشارين القانونيين في الإدلاء بالآراء السديدة في هذا الجانب، وكمثال لذلك فإن عقود نقل التكنولوجيا أصبحت واقعا جديدا في العمل القانوني يجب علينا أن نتعامل معه بشكل مباشر إذ يصعب تجاهله وغض الطرف عنه بكل ما به من مزايا وفوائد، فالوطن سيستفيد كثيرا من المحامين ذوي الخبرة الذين يضمهم كيان واحد ويتداولون في الأمر ويجدون التكييف القانوني والشرعي لمثل هذه العقود، وهذا كما أوضحنا مثال فقط، وإلا فإن العمل القانوني بطبيعته المرنة والمستوعبة لمختلف التغيرات العالمية، سيكون قادرا على الدوام على إيجاد وتوليد موضوعات جديدة، مما يعني كذلك أن الحاجة ستكون مستمرة لاجتهادات فكرية قانونية تواكب هذه المستجدات.

أيضا فإن التحديات والعوائق التي يواجهها شباب المحامين وبخاصة المتدربين منهم، لن تذلل أو توجد لها الحلول المناسبة، ما لم تكن هناك هيئة وطنية للمحامين، فهؤلاء القانونيون الشباب يجدون عنتا في التدريب وفي الانتساب للمكاتب المرموقة ويستعيضون عن الجهد المنظم الذي يمكن أن تقوم به الهيئة، بالجهود الفردية والذاتية، مما يحرم بعضهم من الانتساب إلى مكاتب جيدة يأخذون منها الخبرة اللازمة لعملهم، ويمكن للهيئة أن تقوم بدور الوسيط والمنظم لجانب التدريب القانوني للشباب، وهو دور لا يمكن الإقلال من قيمته وأهميته، خاصة إذا علمنا أن العوائق التي تقف أمام القانون في المملكة تكمن في اثنين أولهما الجانب العملي التطبيقي حيث هناك فروق هائلة بين ما تدرسه الكليات من مناهج ومقررات قانونية، وبين ما يلاقيه القانوني في الواقع العملي التطبيقي، أما الثاني فيكمن في محدودية الثقافة القانونية لدى أفراد المجتمع وتقاصرها عن جعلهم يتفادون الوقوع في الأخطاء التي تفوت عليهم حقوقهم، خاصة بين من يمتهنون الأعمال التجارية.

لقد عرفت المملكة هيئات مماثلة مثل هيئة الصحافيين أثبتت قدرتها وأهميتها في الدفاع عن المملكة في المجالات المتصلة بعملها، وأعطت أمثلة ساطعة لقدرة المواطن المؤهل في الذود عن الوطن إذا وجد الكيان الذي يحتويه وينظم جهوده، إن شيئا مماثلا يمكن أن تقوم به هيئة المحامين، بل إنها يمكن أن تقوم بدور أكبر بالنظر إلى التحديات وطبيعة التخصصات العلمية للمحامين مثل مجالات الملكية الفكرية وعقود الفرنشايز والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العام والقوانين التجارية الدولية وقوانين المصارف والبنوك والتعاملات المالية الدولية وغير ذلك من التخصصات التي تحتاجها المملكة في الدفاع عن مصالحها ومصالح مواطنيها، ويقتضي السياق هنا أن نشير إلى أن المملكة ستنضم في المستقبل إلى عدد من المنظمات والكيانات والاتفاقات الدولية، ما يضاعف الحاجة إلى الهيئة، وحاليا فإن انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية يمثل تحديا قانونيا لابد للمحامين الوطنيين من لعب دور في هذه المرحلة وهذا لا يتم بالكفاءة المطلوبة إلا من خلال كيان مثل هيئة المحامين.

من العوامل التي تحث على قيام هيئة للمحامين في المملكة، أنها يمكن أن تسهم بشكل فاعل في وضع معايير ومواثيق ممارسة المهنة ومعالجة الأخطاء التي تحدث من المحامين وتحاسبهم عليها. نعلم أن نظام المحاماة اختص بذلك ونظمه، لكن الهيئة يمكن أن تقوم بدور مهم في هذا الجانب أيضا، يمكن بواسطته تلافي حدوث أخطاء كبيرة من بعض المحامين، بحيث لا تصل إلى مرحلة تطبيق مواد نظام المحاماة، مما يعني أنه ستكون هناك رقابة على المحامين من كيان يمثلهم وينتمون إليه، وهذا فوق ما فيه من مزايا المراقبة وإتقان العمل، يعطي للمحامين المساحة والمرونة اللازمة للقيام بدور فيما يتعلق بحماية مهنتهم وإبعادها عن كل ما يشوبها أو يؤثر على مكانتها واحترامها بين الناس وهذا بالطبع حق لهم يفيد الجميع ولا يؤثر إلا على أدعياء المهنة الذين يسيئون إليها بأكثر مما يحسنون، كذلك فإننا نتوقع بإذن الله أن تعمل هذه الهيئة على النهوض بجانب البحث القانوني في المملكة، فالناظر المدقق إلى مستوى وعدد البحوث القانونية المنجزة محليا، يعرف تماما محدودية هذه البحوث ومدى فقرها واقتصارها على المجالات التقليدية في مهنة القانون بينما تشكل الاهتمامات الحديثة المتعلقة بالتقنية والتكنولوجيا وغيرها غيابا كبيرا، والبحث القانوني هو الذراع اليمنى للعمل القانوني وبدون تطويره سيظل التطبيق قاصرا عن الوصول إلى غاياته المثلى، والذي لن يتم ما لم تحدث طفرة في البحث القانوني تتساوق مع تدريب عالي المستوى يحصل عليه القانونيون بمختلف مشاربهم التخصصية.

ولكن وإن كنا نتحدث عن فوائد هيئة المحامين من وجهة النظر القانونية، فإننا لا نغفل كذلك، أن هيئة المحامين، يمكن أن تفيد المواطن العادي بشكل مباشر تماما وذلك من خلال تنسيق جهود تقديم العون القانوني المجاني لغير القادرين على توكيل محامين بشكل خاص، وليس هناك من شك في أن هؤلاء كثيرون، ويرضون بضياع حقوقهم على تحمل عناء تكليف محامين للدفاع عنهم.

من ناحية أخرى فإن الشركات الأجنبية التي تبحث الاستثمار في المملكة والمنظمات التي تريد إيجاد مكان لها هنا، اتضح أنها تجد عنتا في معرفة المحامين الأكفاء القادرين على التواصل معها وإقناعهم بالفرص المتاحة في المملكة وتعريفهم بطبيعة البيئة القانونية والأنظمة التي تنظم عملهم، وهذا واضح من خلال اتصالنا بالكثير من الشركات من هذا النوع، فهم يعبرون عن ذلك بصراحة بأنهم لا يقدرون على الوصول إلى المحامي الخبير الملم بالأنظمة المحلية والقوانين التجارية الدولية، وهيئة المحامين بما ستعتمده من قوائم وتعريف وقواعد بيانات بكل المحامين بالمملكة ستقدم خدمة جليلة لهذه الشريحة التي جاءت لتستثمر هنا وتزيد من فرص العمل أمام الشباب، وهي أيضا خدمة يتعدى أثرها من المحامي إلى المواطن والى الوطن ككل في نهاية الأمر.

نحن هنا إذن أمام مطلب متفق عليه من الجميع وليس أصحاب المهنة فحسب، وذلك لأن ما فيه من الفوائد يعم خيرها ليصل الجميع، حتى ذلك المواطن المستقر في أقصى البقاع النائية سيجد من يدافع عنه ويعيد إليه حقوقه إن عجز عن ذلك بنفسه، وقيام هيئة تجمع المحامين السعوديين لن يكون شيئا غريبا عما هو قائم في الدول الإسلامية والعربية من حولنا، حيث عرفت هذه الدول نظام نقابات المحامين منذ زمن بعيد وأعطت أمثلة جيدة للأدوار التي يمكن أن تقوم بها في خدمة أوطانها.

محام ومستشار قانوني

 

هيئة وطنية للمحامين.. لماذا؟
عبدالله عبدالعزيز الفلاج

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة