Saturday  01/10/2011/2011 Issue 14247

السبت 03 ذو القعدة 1432  العدد  14247

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

مبتغى المرء وما يتمناه وما يصبو إليه منشأة خواطر وأفكار ذهنية يتم الاصطلاح عليها بالأحلام التي إما أن يسعى المرء لترجمتها لتكون واقعا ماثلاً في حال كونه صاحب القرار والشأن في اختيار الكيفية الملائمة، والتوقيت المناسب، وحشد الإمكانات الضرورية اللازمة لتحويلها من مجرد أحلام إلى واقع ملموس،

وفي حال كونه ليس صاحب القرار الأوحد في ذلك فيكفيه على الأقل أن يسمح لخياله أن يمخر عُباب محيط لا ساحل له ليحلم بتحقق واقع ربما يفيق يوماً وقد تغير الحال إلى ما حلم به وارتآه. ومن هنا فهذه محاولة لنثر مجموعة من الأحلام بين يدي القارئ العزيز التي أتمنى أن أشترك وإياه في الرغبة في تحققها يوماً من الأيام بعد أن ذقنا جميعاً ويلات غياب عدم حدوث مقتضاها على أرض واقع مشهدنا الاجتماعي، والثقافي، والإداري، والتعليمي، وغيرها من المجالات.

دعوني أحلم بذلك اليوم الذي تدار فيه مؤسساتنا ودوائرنا وفق سياسة وخطط ثابتة موثقة ومعلنة للملأ يسير على ضوئها، ويلتزم بها كل من يتولى دفة الأمور في تلك المؤسسات الذي يجب أن يعمل جهده، ويقوم بتسخير إمكانات وقدرات تلك المؤسسة لتطوير ناقص خطط واستراتيجيات هذه المؤسسة وتلك التي ربما بتقادم الزمن والأجيال، والظروف والمعطيات والمتغيرات بحاجة إلى تحديث وتجديد، وربما نقلة نوعية. إنني أحلم بذلك اليوم الذي ينتفي من مشهد العمل المؤسسي نسف من يتولى لتوه إدارة مؤسساتنا لكل الجهود، والقرارات، والخطط التي وضعها سلفه، ويبدأ بالركض من جديد وكأنه لم يكن هناك حراك ولا جهد ولا تخطيط سابق تم القيام به، لا - في معظم الأحوال-لسوء فيها، أو لإدراكه لوجود خلل ونقص مشين فيها، ولكن للعمل وفق مبدأ (أنا غير وصاحب فكر مختلف ولست نسخة كربونية من سلفي، وربما أضاف شوفو أنا وش سويت). وهذا الفكر الإداري ثمنه باهظ على مختلف الأصعدة المالية، والاستراتيجية، والتتابع والتكامل، وتشتيت الجهود، وإضاعة الوقت.

دعوني أحلم بذلك اليوم الذي تدار فيه مؤسساتنا ودوائرنا وفق المصلحة العليا المقدمة على مصلحة الذات، والعمل بكل ما أوتي قياديونا من قوة لتسخير تسنم رأس الهرم الوظيفي في هذه المؤسسة، أو تلك لتحقيق مصالح وأمجاد شخصية تتقاطع مع تحقيق المصلحة العامة التي ينشدها المواطن، وتتطلع لجني ثمرتها التنمية الوطنية، ومن ثم أتمنى أن يأتي اليوم الذي نقف فيه وقفة حازمة في وجه أولئك النوع من القياديين الذين يريدوننا أن نعيش أسرى لعهود الظلام الإداري الذي شعاره ليس لكم إلاّ ما أرى وأهوى، وهو شعار سرطاني فتّاك يقضي على مؤسساتنا، ويضعف أداءها، ويهدر مواردها، ويوسع من دائرة استغلال النفوذ التي تلقي بظلالها وأثرها السلبي على التنمية الوطنية، ورفاهية الموطن، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، والتطوير، والاستثمارات.

دعوني أحلم بذلك اليوم الذي نتحررفيه من قيود أغلال ثقافة الانكفاء على الذات والخوف حتى من إبداء وجهة النظر تجاه ممارسات وسلوكيات خاطئة، ناهيك عن التحرك في ظل ما تسمح به الأنظمة واللوائح لتسجيل موقف حازم يعيد الأمور لنصابها ويصوب الممارسات غير السوية والنظامية. فالكثير الكثير منا في مؤسستنا أضحى يتحاشى إطلاق رأيه المشفوع بالدليل والبرهان حيال ممارسات غير سوية في نطاق عمله خشية أن يقع تحت مقصلة المساءلة، أو لنقل حتى لا يتم وضعه ضمن القائمة السوداء، أو تلطيفاً كي لا يكون من بين الأشخاص غير المرضي عنهم، وبالتالي يحرم من فرص وامتيازات هنا وهناك. وانتفاء تحقق هذا الحلم من واقعنا أوجد أفراداً يدمنون الخضوع، والقبول والاستسلام، والانكفاء على الذات، وصناعة أدوات بشرية غير قادرة على التفكير، وعدم التفاعل الإيجابي مع محيط بيئات أعمالهم، وكذلك تصيب بمقتل بيئة العمل بتردي مستوى الإنجاز، ويبرز معها بطء شديد في الإنتاج، وينشل الإبداع والابتكار، ويشيع جو من الإحباط.

دعوني أحلم بذلك اليوم الذي تختفي معه نغمة الشعور الطاغي لدى العديد من أفراد المجتمع السعودي بالشكوى والتذمر، فأنى اتجهت ببصرك يمنة، أو يسرة سواء كان ذلك في المؤسسات التعليمية، أو الحكومية، أو في مؤسسات القطاع الخاص، وحتى أثناء اللقاءات الاجتماعية العائلية والأسرية فستجد أن الصوت الطاغي على كل الأصوات ألاّ شيء يسير بشكل جيد في هذا البلد. ويمكنك اختبار مصداقية هذا الحكم من عدمه من خلال القيام بطرح أي موضوع ذي مساس بمختلف نواحي حياتنا وحينها ستجد رداً مباشراً مغلفاً بعبارات توحي بعدم الرضا بما الأمور عليه سائرة، وهذه الممارسة الاجتماعية السائدة على نطاق واسع وقفت حائلاً دون محاولتنا الجادة للعمل على تحسين الوضع القائم نظراً لشعورنا المغلف بقدر عال من التذمر.

دعوني أحلم بذلك اليوم وقد أفقت على زوال سلوك اجتماعي مشين مستشر على نطاق واسع بين أطياف المجتمع وطبقاته المختلفة والمتمثل في سعي الكثيرين إلى إلقاء اللوم على الآخرين بدلاً من الاعتراف بالخطأ، وقد بلغ مدى تغلغل هذه الممارسة السلوكية حداً جعل المرء يلمس ندرة في أن يجد من يتحلى بالشجاعة الأدبية ويعلن تحمله المسؤولية عما جرى وينسب الخطأ لنفسه، بل إن الكثير منا يستخدم هذه الإستراتيجية، أو بالأحرى (ميكانيكية الدفاع عن النفس) في محاولة مستميتة لتبرير أخطائه وهفواته بتحميل الآخرين مسؤوليتها.

دعوني أحلم بذلك اليوم وقد تخلصنا إلى الأبد مما تم وصمنا به بشعب اللحظة الأخيرة نظراً لسعينا دوماً لتأجيل ما هو واجب علينا عمله إلى آخرلحظة بدون العمل على الاستفادة والعمل على استغلال الوقت المتاح والمحدد مسبقاً لإتمام العمل بقدر عال من الإتقان والدقة، بل على العكس من ذلك يلجأ الكثير منا إلى الانتظار والتسويف حتى تأتي اللحظة الحاسمة ومن ثم نبادر بالإسراع لعمل المطلوب بأداء مرتبك كثيرة أخطاؤه ومثالبه نتيجة السرعة وعدم التخطيط المسبق.

دعوني أحلم بذلك اليوم وقد تخلصنا إلى الأبد من طريقتنا السلبية عند التعاطي مع الآراء التي لا تنسجم مع آرائنا وتوجهاتنا، فنحن بدلاً من الاستماع لقائل ذلك الرأي ومحاولة النظر في صوابه من عدمه نلجأ للهجوم الشخصي والكيل لصاحب الرأي على حساب مناقشة الرأي المطروح. وتولد من رحم هذه الممارسة الاجتماعية الخاطئة بعض الممارسات التي منها أننا نتهم صاحب الرأي المضاد بالانحطاط الفكري، أو العمل بنية سيئة تنطوي على الإساءة لقيمنا ومبادئنا، وهناك من يتجاوز إلى أبعد من ذلك ويتهم الطرف الآخر بالجهل، والتسطيح، أو التصدي للآراء المختلفة بعصي العادات والتقاليد التي لا يتوافق بعضها مع مبادئ الدين الحنيف، وتخالفه الفطرة الإنسانية.

دعوني أحلم بذلك اليوم الذي نفيق فيه وقد ابتعدنا مسافات عن الاتصاف بصفة الاختلاف، أو عدم التوافق بين القول والعمل، أو الاعتقاد والممارسة، فالكثير منا يعبر عن رأيه تجاه أمر ما، ولكن هذا التعبير المبني في معظم أحواله على قناعة يتناقض مع ما يمارسه صاحبه في الواقع المعاش، ومن هنا فنحن لا نطبق ميدانياً ما ندعو له ونبشر به نظرياً، وهذه الممارسة السلبية يمكن ملاحظتها في العديد من تصرفاتنا الاجتماعية، فنحن ظاهرياً نلتزم بتعاليم ديننا، وعاداتنا وتقاليدنا ولكننا نمارس على الأرض ما يتناقض تماماً مع تلك المبادئ والقيم التي نعلن أمام الملأ أننا معها قلباً وقالباً.

وإلى لقاء يتجدد قريباً لعرض مزيد من الأحلام التي نتمى أن نفيق في الغد القريب وقد تحققت جميعاً حتى ينعم المواطن بالرفاهية المنشودة، وتعلتي تحولها لواقع ملموس قامة الوطن تنموياً.

alseghayer@yahoo.com
 

دعوني أحلم
د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة