Saturday  01/10/2011/2011 Issue 14247

السبت 03 ذو القعدة 1432  العدد  14247

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تشترك أغلب المتغيرات الكبيرة في التاريخ في أنها تحدث عندما لا تكون في حكم المتوقع، أي أنه عندما يتوقع الإنسان قرب وقوع أمر ما لا يحدث، فخلال السنوات الماضية لم يدر في خلد الإنسان العربي أن تصل الثورة الشعبية إلى ميادين العالم العربي، وأن تُحدث التغيير، كذلك في التاريخ الحديث كان سمة الأحداث الجسام أن تكون في حكم اللا متوقع، فالكويتيون لم يتوقعوا أن يدخل صدام حسين وجيشه إلى وسط العاصمة وهم في كامل استرخائهم وراحتهم، كذلك كان رهان صدام حسين أن يقبل العالم بالأمر المتوقع وهو التسليم بأمر بقائه في الكويت، لكنه أيضاً لم يتوقع أن تأتي جيوش العالم وعلى رأسها الجيش الأمريكي بكامل عتاده ليخرجه من الأرض المغتصبة، في حين خلال السنوات الماضية كان العالم ينتظر بدء الحملة العسكرية الأمريكية ضد إيران، ويضع جداول زمنية لبدء الحرب، لكن ذلك لم يحدث، بل إن العلاقات دخلت في طور الحرب الباردة بينهما..

***

كان تدمير اليابان بالقنابل الذرية مفاجأة غير متوقعة، فالأمريكان فاجأوا العالم باستخدام الأسلحة الفتاكة للجنس البشري في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، كذلك توهم العالم أن الولايات المتحدة كتبت نهاية اليابان لكنها عادت اقتصادياً أقوى من ذي قبل، وكان ذلك في حكم اللامتوقع بعد التفجير الذري داخل أراضيها، وخلال الحرب العالمية الثانية لم يتوقع أدولف هتلر أن تتحالف القوى الغربية المحافظة مع القوة الشيوعية من أجل تدميره، فكانت نهايته المأساوية، أيضاً تفاجأ الصرب الأرثودوكس بشن الغرب المسيحي حرباً ضدهم بعد أن توهموا أن الغرب سيغض الطرف عن إبادتهم للبوسنة المسلمين.

***

كذلك كان جمال عبدالناصر دوماً ما يدخل الجماهير العربية بالخطب الحماسية في سيناريو الحدث المتوقع الذي سيدمر العدو ويرميه في البحر، وكانت العرب تنتظره كل شهر، فكان اللا متوقع سيد الحدث لتنهار الأحلام العربية في ست ساعات، ويسقط الزعيم، ويبكي العرب مأساتهم، بينما في حرب ثلاث وسبعين حدث انتصار نسبي عندما استرخت قوى العدو الصهيوني في أحد أيامه المقدسة، وبعد أن أيقنوا أن العرب لا يملكون القدرة على مواجهة التفوق العسكري لإسرائيل، فكان العبور في يوم خالد للدول العربية المتحالفة.

***

هكذا هو التاريخ فعندما يهتم الإنسان بحدوث أمر ما لا يحدث؛ فالتوقعات الاقتصادية كانت تنذر بحدوث انهيار للاقتصاد الأمريكي، لكن كلما ازدادت توقعات الكارثة الاقتصادية يرتد الاقتصاد العالمي ويتحسن......، في 26 سبتمبر 2011م انتشرت أخبار نهاية العالم وتناقلتها المواقع والفضائيات في جميع أنحاء العالم، وصل القلق عند بعض الناس إلى درجة الخوف والهلع من كارثة قد تحدث، وتكون نتيجتها نهاية العالم، ومر ذلك اليوم كأحد أهدأ أيام السنة، ولم يحدث شيء، لتبقى نهاية هذا العالم سراً خالداً وينتظر يوماً لا يتوقع فيها أحد حدوثه، وكما قال تعالى {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً}، وذلك هو سر هذا العالم، فالعالم تحكمه الأحداث غير المتوقعة، وكلما ازداد اهتمام العالم بشيء ما قلت احتمالات حدوثه.

***

دخلت مؤخراً الثورة العربية في حكم المتوقع في تاريخ العرب، وربما نتيجة لذلك قد تتوقف الثورات العربية إلى حين، وقد ننتظر سنوات أو عقد من الزمان قبل أن تبدأ مرة أخرى في مسار اللا متوقع، وربما في دول لم يتوقع أحد أن تحدث فيها ثورة شعبية؛ فالاهتمام الشعبي والسلطوي في الوقت الحاضر سيجعل من أمر بدئها في دولة سادسة غير محتمل، وسيؤجل اشتعالها إلى أن يأتي يوم ترتخي فيه القوى، وتستكين إلى الراحة والتسليم بدوام الحال والتمكن، وتلك المعادلة قد تساهم في تغييرها عوامل من أهمها قدرة السلطة على تغيير مسار اللا متوقع من خلال فتح قنوات التعبير وإيجاد الحلول الحضارية وليس الأمنية لمنع حدوثها، ولا أدري إن كنت بمقالي هذا أعدت مسار الثورة العربية إلى أجندة المتوقع في مسار اللا متوقع.. ولكن..

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

 

بين الكلمات
اللامتوقع والثورات العربية
عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة