Monday  03/10/2011/2011 Issue 14249

الأثنين 05 ذو القعدة 1432  العدد  14249

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

* يحلوُ لي أحياناً أن (أهاجرَ) إلى نفسي هرباً من هجيـر الحيـاة وصخبـهــا فـي (خلوة مصارحة) يحتضنها سكونُ الليل بعيداً عن أعين الفضُول وآذانه، غير أنني في تلك اللحظات الحميمة لست معنيّاً بشيء في الدنيا سوَى ما يدور داخلَ أرْوقة هذه الذاتِ من هواجسِ وتراكماتِ الزمن، مَثَلي في ذلك مثل (تاجر أسهم) يئوبُ إلى نفسه في ختام عُسر يومه ويُسره مستعرِضاً أحداثَ ذلك اليوم الحافل بين ربح يُفْرح وخسارة تُتْرح !

* وكم هو جميلٌ لو يتأسّى كلّ منا بما يفعله ذلك التاجر، فيخلدَ إلى نفسه في لحظةٍ من ليل أو نهار يتحاور معها و يتصَالحُ ليصلَ إلى نتيجة قد ترضيه فيَرضَى هو عن نفسه وما صنع، واعداً نفسه بالمزيد، وقد تُغضبُه غضباً ينتهي بالتسليم بمَا قسَم الله له وقدَّر، ثم التصميم على تصحيح وتقويم ما اعوجَّ منه من سلوكٍ أو ساوره من ظُنُون !

* وفي تقديري أن الجُلَّ منا في هذه الحياة (يُضارب) في (بازار القيم) محاولاً الفوزَ ببعض فضائلها، فمرةً يفوز منها بالحُسنَى، وأخرى يخسر، والنهاية تكمن في هامش (الربح) المعنوي، ما زاد منه مسرُّ، وما نقَص منه مضرٌّ، لكن الأمر يجب ألاّ يقودَ صاحبَه إلى نفق من اليأس، بل يحضُّه على تلمُّسِ اشراقةِ النور في نهاية ذلك الدرب الطويل !

* خصصت خلوتي مع الذات ذلك المساء والناس نيامٌ لأتأمّلَ بعضَ نتوءاتِ هذا الزمن وعيُوبِه وأنفَاسِه الملّوثَة بنُكهةِ (الكربون)، وكانت النتيجةُ لا تسرُّ كثيراً، ولم يعنِ لي هذا قنُوطاً من رحمة الله، ولا استسلاماً لنوائب هذا الزمن وآفاتِه وآهَاتِه، لكنّها كانت محاولةً متفائلةً رغم كل شيء لتأمّل النّصفِ الملآنِ من (كأس الحياة) مقارنةً بنصفه الآخر، وذاك أمرٌ لا يعيبُ المتأملَ المؤمنَ بربّه ولا يضرُّه، بل يضاعف شعورَه بالحذَر مِمّا هو أسوأ فيجتنبَه، بادِئاً بنفسه ومَنْ له ولايةٌ عليه بحْثاً عن الأفضلِ والأقْومِ سبيلاً.

* انتهت (خلوة) المصارحة والمصالحة مع الذات إلى (محاكمة) لبعض الثقوب والنتوءات في جدار هذا الزمن أسوقُها هنا بإيجاز شديد لعلَّ في ذكرِها ما يفيد، فأقول:

ألمْ تروْا أن عالم اليوم يعاني من (حُمّىَ ضنك) معنوي اختلطت بسببه أوراقٌ، واهتزت قيمٌ، وبارت شيمٌ، و(ثملت) من خلاله أفئدةٌ بـ(كأس النعيم) ففقدت نعيمَ التوازنِ، ونعمة البصيرةِ، ونشوةَ الانتصار على النفس الأماّرة بالسوء ؟!

* أقُولُ بصدقٍ إنّنا نعيشُ عبر بعض تضاريس عالمنا العربي والإسلامي زمناً صعباً تتسلّل من ثُقُوبه أفَاعٍ من القبح المادي، والتردّي المعنوي تطل أحياناً عبر بعض وسائل إعلامه التي طغَتْ عليها أطيافٌ من لذّات الحسَّ ومُتِع البصَر، وغَزَتْ بعضَها الآخرَ نماذجُ من (شعوذة الفكر) تمتدُّ أحياناً إلى بعض ثَوابتِ المعْتَقدِ باسم الحرية، فيتَشوَّه الفكرُ، ويسوءَ الظنُّ، وتَفْسدُ بعضُ القلوب تأثُّراً بذلك ؟!

* نعم.. نحن في زمن بات بعض منا ينعت الفقر عاراً، والعوز عيباً، والحاجةَ إثماً، والعفّةَ فَشَلاً ! والحفَاظَ على الصَّالح من موْرُوثِ القِيمِ تَخلّفاً، والقَفْزَ المزيَّفَ فوق حواجز التفَّوق ذكاء، وتَمريرَ الوسائل وتبريَر غاياتها مهارةً بل واحترافاً ! وغدا الكذبُ والنفاقُ والتزلّفُ والرّياءُ، حكمةً وحصافةً وحُلْماً !

* نعم.. نحن في زمن يُمارس في ظلّه بعضُهم الزْيفَ باسم حرية الرأي، فيُظلمُ أناس، وتُزْهقُ أنفاس الحرية حين تتعالى باسمها زخات الرفض للثابت أو المتحول من القيم، وتُهيمنُ فتنةُ الخُلْفِ والتطرّف على عقلانية الحوار وصَوابه، فيُزهقَ رأيُ الاعتدال دهْساً تحت أقدامِ (المتنابزين) بالألفاظ والجمل المرسلة غير المسؤولة !

وبعد..،

* فلا تَسألوُني : ما الحلُّ ؟ فلسْتُ أعلم لذلك دواء ولا (كيّاً)، لكنّني متَمسكٌ بتفاؤُلي المعتَدلِ بأنّ الإنسانَ المؤمنَ العاقلَ المؤهَّلَ قادرٌ على تَجاوزِ نَتوُءاتِ زمَنهِ إلى بَرَّ من الحب والفضيلة والسلام بإذن الله.

 

الرئة الثالثة
خلوة مصارحة مع النفس!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة