Tuesday  04/10/2011/2011 Issue 14250

الثلاثاء 06 ذو القعدة 1432  العدد  14250

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كُسر الروتين اليومي باتصال هاتفي من الهيئة العليا للسياحة، يدعو الكاتب للقاء صاحب السمو الملكي رئيس الهيئة الأمير سلطان بن سلمان، ضمن وفد من كتّاب صحيفة الجزيرة. وذلك كفيل بإثارة شجون أي مواطن يتشرّف بمثل هذه الدعوة. كان الموعد المحدد الساعة الحادية عشرة من يوم الأحد المنصرم، وكالعادة وصل الكاتب للموعد مع بعض الزملاء قبل ربع ساعة.

وبمجرد الدخول في حي السفارات داهم العبد لله إحساس وكأنما هو ذاهب في رحلة سياحة. فهو لم يدخل الحي القريب من سكنه منذ ردح طويل من الزمن لعدم الحاجة لذلك. فمن حسنات هبوط قيمة الريال أنه جعل الكثير من المواطنين من متوسطي الدخل، لا يحتاجون لزيارة الحي الدبلوماسي للبحث عن فيزا دولة أجنبية، وأصبح الكثير منهم سياحاً داخليين وخليجيين بامتياز، رغم أن كلفة السياحة المحلية في بعض الأمور تقارب كلفة السياحة الأجنبية، إلا أنك لا تحتاج أن تملأ نموذج فيزا تذكر فيه كل خصوصياتك، أو تنتظر الفيزا لأسابيع، أو تحجز فندقاً مسبقاً بأسلوب ملتو مقابل جزية تقدم لمكتب سياحي، وأخيراً لا تحتاج أن توجع رأسك مع الخطوط الجوية، وكل ما تحتاجه أن تحشر عفشك وأولادك في الجمس وتتوكل على الله.

كان الاستقبال في الهيئة عموماً لطيفاً وعفوياً إلى حد كبير، ولكثرة المحطات التي مررنا بها والأقسام التي زرناها، أحسسنا وكأنما نحن جزء من وفد يزور دولة جارة أو صديقة. وكانت المعلومات الغزيرة التي أمطر الوفد بها، تتجاوز ذاكرة الفرد العادي الذي ليس له ذاكرة بحجم عشرة «قيقا». أما المبنى فكان في منتهى الروعة، من حيث التصميم، والإضاءة الطبيعية، والديكور الأنيق غير المتكلف، وتتخلله عدد من الاستراحات تكفى لسد حاجة طريق طويل من طرق المملكة. وما دام الشيء بالشيء يُذكر، فقد كان موضوع استراحات الطرق عموماً، ودورات المياه فيها خصوصاً الشغل الشاغل لبعض زملائنا، لمَ لا وهي الهم الأكبر للسياحة الداخلية، والطريف في الأمر أن نتيجة للأخذ والرد في هذا الموضوع، كان هناك من قال بأنّ الحديث عنها ذو شجون! أما زميلنا من مجلس الشورى، فقد كرر اقتراح إنشاء هيئة لذلك، مما قد يفسر زيادة عدد الهيئات بمختلف أشكالها في مملكتنا الحبيبة منذ تأسيس مجلس الشورى.

كان الجميع ينتظر اللقاء المرتقب الذي لم يتأخر كثيراً، حيث بدأ في الساعة الواحدة إلاّ ربعاً، فحضر سموه مرحِّباً بالجميع بطريقة أظهرت الاهتمام بأدنى تفاصيل الضيافة والأريحية، وتَمرّساً كبيراً في معرفة إراحة الضيوف وجذب اهتمامهم. وابتدأ الكلام بأن الهيئة ترحب بالنقد أكثر من المدح، وأنه شخصياً يعتبر السياحة حقاً للمواطن، لا ترفاً زائداً في حياته، ولذا يجب أن يكون الجميع في خدمة المواطن لتوفير جميع جوانب الحياة الكريمة له، بما فيها السياحة الميسّرة. والملفت للنظر، وهذا أمر غير مستغرب من شخص متشعب الهوايات والاهتمامات، أن سموه يعرف المملكة منطقة منطقة، ووادياً وادياً، وموقعاً موقعاً، وشجرة شجرة، فهو، ما شاء الله، يطير بكل شيء يطير، بدءاً من مركبات الفضاء وانتهاء بالطائرات الشراعية، وهو السعودي الوحيد الذي سبق وشاهد السعودية من الفضاء. ولذا فالأمير، كما ذكر، يصل لأماكن سياحية لا يستطيع غيره أن يصلها. فلا غرو إذاً أنه يعرف عن الإمكانيات السياحية للمملكة بشكل لا يقارعه فيه خبير أو مطلع، فقد سمعنا منه عن وصف لأماكن لم نسمع عنها من قبل. وربما أنه من حسن الطالع أن الناس لم يصلوا لهذه الأماكن قبل أن تخضع للإشراف الدقيق، وقبل أن تنظم سياحياً.

دافع سمو الأمير دفاعاً وجدانياً عن أهمية صناعة السياحة في المملكة، لما للمملكة من أهمية دينية، وتاريخية، ولما حباها الله به من أراض شاسعة، ومناطق متنوعة من حيث قدرة جذبها السياحي والحضاري، إضافة للشواطئ الطويلة الممتدة غير المستغلة. ولو استغلت هذه الإمكانيات السياحية كما يجب، حسب خبرته، لربما فاقت أهمية السياحة في المملكة أهمية قطاعات أخرى مثل الزراعة، والصناعة. فالمملكة حسب رأيه تحتاج لمشاريع سياحية ضخمة ورائدة تكفل للمواطن سياحة لائقة ذات جودة عالية داخل المملكة تغنيه عن خارجها. لكن ما ينقص قطاع السياحة في المملكة هو الدعم المادي واللوجستي، والوعي الوطني.

الطريف في الأمر أنه بينما كان سموه منشغلاًَ بالحديث عن أحدث مفاهيم السياحة: السياحة البيئية، والسياحة الزراعية، والسياحة الثقافية.. الخ، أبى موضوع استراحات الطرق إلا أن يتصدّر الحديث مرة أخرى، فكما يقال (كل على همه سرى). وهذا ما جعل سموه يبتسم، ويتندر من طول بقاء هذه المشكلة البسيطة بلا حل، إذ إن صلاحيات واختصاصات الجهات الحكومية المختلفة تقاطع وتتشابك فيه.

وعموماً اتفق الجميع مع سموه على أنّ تطوير السياحة قد يحتاج لأكثر من استراحات الطرق، من مواصلات حديثة ميسّرة وتغطية كاملة لجميع المواقع. وتطرّق البعض منا لضرورة الحفاظ على التراث الوطني من التسرُّب للخارج، بما في ذلك التراث الحرفي، والفني التشكيلي، ومن ذلك ضرورة إنشاء متاحف عامة لهذه الحرف والفنون، لاقتناء الأعمال البارزة والمهمة والمحافظة عليها للأجيال القادمة من التسرُّب للخارج.

وكان المسك ختام اللقاء، حيث ودعنا سموه وطلب منا عدم المغادرة ووجّه زملاءه بالاهتمام بنا، وتم إثر ذلك إهداؤنا كيساً جميلاً كتبت عليه عبارة: «السياحة السعودية: غنيّة بتنوّعها»، حوى ما لذ وطاب من المطبوعات السياحية منها مجلتان لطيفتان: بالعربية والإنجليزية متخصصتان في أمور السفر و»الترحال» في المملكة، كما ضم كتاباً جميلاً من تأليف سموه، وسعادة الأستاذ الدكتور مشاري النعيم وسم بعنوان «سيرة في التراث العمراني». الكتاب تضمّن أجمل الصور للمحات من التراث العمراني المحلي، والأقليمي، والإسلامي، وبه صرخة صامتة مدوّية للحفاظ على هوية التراث العمراني للمملكة، صرخة تسمعها في كل صفحة تتصفحها من ثنايا الكتاب.

عموماً، اختلاف الرؤى والاهتمامات بين الحضور في الاجتماعات دفع الكاتب للتأمُّل في الأمر بشكل مختلف بعض الشيء. فما زلنا نسمي وكالات السفر لدينا و»كالات السفر والسياحة»، وهذا يعنى أن هناك قطاعين من الناس يقضون إجازاتهم بشكل مختلف حسب هذه التسمية. البعض يقضيها في سفر يقضي فيه وقتاً طويلاً في السيارة لتعدُّد أفراد الأسرة وغلاء تذاكر الطيران التي ترتفع بشكل انتهازي قبل الإجازات، ولذلك فهو دائم السؤال عن استراحات الطرق، وأسعار الشقق المفروشة، والمطاعم العائلية، وأماكن الدخول المجاني. أما السياحة بمعناها الصحيح، فتعني القدرة على السفر الميسّر، وعدم تضييع الوقت في البحث عن سكن معقول الكلفة، ففنادق الخمسة نجوم توفر كل شيء: الغرف الوثيرة، والأجنحة الراقية، وبها إفطار شهي وخدمات غرف لا تنقطع، ولا يحتاج المرء لشراء أغراض أو مستلزمات نظافة أو غيرها ليحملها معه. يضاف لذلك طبعاً تذاكر دخول المنتجعات، ووجبات المطاعم المتخصصة، والسيارات المؤجرة. ولذلك فالكاتب يقترح، ولو إجرائياً فقط، أن نفرّق بين «السفر» و»السياحة».

شخصياً، ونيابة عن الزملاء، نشكر الهيئة على دعوتها الكريمة، ونشكر سموه الكريم على تفضله بوقته الثمين لتعريف الجميع بنشاطات الهيئة، وهي نشاطات قد تخفى على الكثير من المواطنين. والهيئة بعد هذه المقابلة كسبت أصدقاء جدداً، أصبحوا أكثر وعياً بعد الزيارة، أكثر وعياً بأهمية السياحة من قبلها .. تحية للجميع.

latifmohammed@hotmail.com
 

في ضيافة السياحة
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة